` `

مزاعم مرتبطة بنظرية المؤامرة حول طائرات ترشّ "الكيمتريل" في الغلاف الجوي

محمود حسن محمود حسن
علوم
18 يناير 2024
مزاعم مرتبطة بنظرية المؤامرة حول طائرات ترشّ "الكيمتريل" في الغلاف الجوي
يرجع انتشار الادعاءات حول الكيمتريل إلى الخمسينيات والستينيات (تعبيرية/Gettty)

 تتداول حسابات وصفحات على منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو ادعى ناشروها أنها تظهر طائرات وهي ترش مواد كيميائية سامة أثناء تحليقها، وتُظهر المقاطع سحبًا تشبه الأدخنة والأبخرة تخرج من الطائرات.

وادعى ناشرو المشاهد أن تلك المواد تسمى “الكيمتريل”، ويجري رشها لأغراض إلحاق الضرر بالبيئة والقتل وغيرها. كما تداولت صفحات أخرى مقطع فيديو ادعى ناشروه أنه اعتراف من قبل جون برينان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، بأنها عمليات رش مادة الكيمتريل في الهواء.

تحقق “مسبار” من مقاطع الفيديو المتداولة وتبيّن أنها مضلّلة، إذ عثر على الفيديو الأصلي للمقطع الأول الذي يظهر طائرة تُخرج ما يبدو أنه بخار كثيف، في صفحة أحد الطيارين على منصة تيك توك في عام 2022 ولم يتضمن وصف الفيديو الأصلي أي إشارة إلى مواد كيميائية تخرج من الطائرة، بل تمّت مشاركة الفيديو بشكل عادي ضمن صفحته التي احتوت على مقاطع عدة مشابهة لمحبي الطيران والهواة والطيارين. 

صورة متعلقة توضيحية

كما تحقق مسبار من المقطع الذي زُعم أنه لاعتراف مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق حول رش "الكيمتريل"، ذلك بالعودة إلى خطاب لبرينان الكامل حول تهديدات الأمان العالمي في مجلس العلاقات الخارجية في يونيو/حزيران 2016، وخلال الخطاب تحدث برينان عن مسألة حقن الجزء الستراتوسفيري بالجزيئات، وهي إحدى الطرق التي يمكن أن تساعد في عكس الاحتباس الحراري. ولم يقل برينان إن الحكومة سترشّ السموم أو مادة الكيمتريل في السماء.

ما هو “الكيمتريل”؟

يشير مصطلح “الكيمتريل” Chemtrail، إلى ادعاءات بدون دليل تزعم أن الحكومات أو أطرافًا أخرى تشارك في برنامج سري لتوزيع ملوثات كيميائية وبيولوجية ضارة في الغلاف الجوي، من خلال رشها من الطائرات مما يشكل سُحُبًا مرئية أو خطوط في السماء، تشبه إلى حد ما آثار البخار الناتجة عن تكثيف الماء في الجو. ويزعم متبنّو هذه الرواية أنّ هنالك دوافع مختلفة لذلك، منها التخلص من السكان، أو التعقيم، أو خفض فترة الحياة، أو هندسة المناخ، أو السيطرة على سلوك البشر.

لا أدلة علمية على حصول عمليات لرش “الكيمتريل”

بالعودة إلى المراجع العلمية لم يعثر مسبار على أي دليل علمي يؤكد وجود “الكيمتريل”، أو أي أنشطة لنشره في الغلاف الجوي. وكانت التفسيرات العملية تشير إلى أن السُّحب المرئية والتي تخرج من الطائرات كالتي ظهرت في الفيديو هي آثار بخار الطائرات، وأن الخطوط البيضاء التي تظهر خلف الطائرات تسمى "مسار التكاثف"، وهي تتكون من بخار الماء الذي يتجمد في الهواء البارد في أعقاب الطائرة. 

هذه الظاهرة طبيعية وتحدث عندما يتم تكثيف البخار المائي الناتج عن عادم الطائرة في طبقات الهواء العليا والباردة، فعندما تحرق محركات الطائرة الوقود فإنها تطلق بخار الماء الذي يتكثف بفعل الظروف الجوية الباردة خارج الطائرة، والتي تتغيّر أشكالها ومدة بقائها مع تغيّر درجة الرطوبة، وهو ما يتشابه مع الآلية البسيطة التي يقوم بها البشر عند التنفس في جو بارد والذي يتبعه بخار من الفم يتكثف بفعل الطقس البارد فيبدو كالدخان. كما أشارت مصادر علمية عدة إلى أن نظرية “الكيمتريل” هي عبارة عن نظرية مؤامرة مفنّدة لا تدعمها أي أدلة علمية ملموسة.

كيف انتشرت المزاعم حول استخدام "الكيمتريل"؟

لانتشار نظرية "الكيمتريل" أسباب عدة ترجع للفترة ما بين خمسينيات وستينيات القرن العشرين، عندما كشف تقرير حكومي عن إجراء وزارة الدفاع البريطانية لسلسلة من التجارب السرية للاختبارات الحربية الجرثومية على الجمهور، وحسب التقرير تم تعريض أجزاء كبيرة من البلاد لرذاذ يحتوي على مواد كيميائية خطيرة، والتي كانت محمولة جوًّا في سلسلة من اختبارات الحرب الجرثومية السرية. وهذا ما شكّل خلفية ساهمت في انتشار نظرية المؤامرة حول "الكيمتريل" فيما بعد، وأصبح المؤمنون بها يستندون لهذه التجارب لدعم ادعاءاتهم.

وعاودت الشائعات حول “الكيمتريل” الانتشار في تسعينيات القرن الفائت، بعد نشر تقارير أخرى للقوات الجوية الأميركية حول إمكانيات إجراء تجارب لتعديل المناخ، على إثرها شككت أصوات عدة بهذه التجارب وسلامتها، مع الزعم بوجود خطط أميركية منظمة لنشر “الكيمتريل” مستندين إلى الادعاء بوجود أنماط غير عادية من الدخان الذي يبقى لفترة طويلة في السماء، كما روّج لهذه النظرية برنامج أميركي شهير يسمى "أرت بيل"، وساعد على انتشار النظرية بين الصحفيين الأميركيين.

وتصاعد الاعتقاد بهذه المزاعم مع تفشي وباء كورونا، إذ ادعى المؤمنون بها أنّ "جهة خفية" رشّت مواد كيميائية من الجو منها “الكيمتريل” مما ساهم في تفشي الوباء. على إثر ذلك فحص فريق بحثي أندونيسي في مارس/آذار 2023، انتشار هذه القناعات التي تزايدت بين السكان، ووجد أنها أصبحت موضوعًا عالميًّا متداولًا بشكل كبير مع الحروب وتطور الحديث حول التغير المناخي وقضايا البيئة، فغالبًا ما ترافقت مزاعم استخدام “الكيمتريل” بمزاعم أخرى تتعلق بإنكار التغيّر المناخي، وعدم وجود فايروس كوفيد-19 وخطورة اللقاحات.

 انتشار كبير لمزاعم “الكيمتريل” رغم النفي العلمي

بقي انتشار المزاعم حول عمليات رش "الكيمتريل" واسعًا رغم نفي الوكالات الفضائية والهيئات البيئية الرسمية، مثل وكالة الفضاء الأميركية (NASA)، ووكالة حماية البيئة الأميركية (USEPA لوجود أي عمليات لتفريغ مواد خطيرة في الجو. 

وفي هذا السياق، أشارت مراكز أبحاث عدة إلى أنّ تحاليل جوية وفحوص علمية لعينات الهواء والتربة والمياه لم تكشف عن أي مواد كيميائية غير مألوفة أو خطيرة. وفي إشارة إلى تفنيدها لهذه النظريات، صرحت رابطة طياري الخطوط الجوية البريطانية (BALPA) لبي بي سي أنّ نظريات "الكيمتريل" تفتقر إلى الأساس العلمي. وتدعم هذه الرؤية دراسة أخرى أظهرت أن 76 من أصل 77 عالمًا متخصصًا أكدوا عدم وجود أي دليل على وجود برنامج سري لنشر مواد كيميائية ضارة في الهواء.

ورغم ذلك، كشف استطلاع عالمي أنّ 17% من الأشخاص يعتقدون بوجود برنامج جوي سري لنشر "الكيمتريل". وتلقى نظريات "الكيمتريل" دعمًا من قبل عدد محدود من المشاهير والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي مما يساهم في انتشارها. ويعدّ الاعتقاد بعمليات رش "الكيمتريل" ظاهرة لها أتباع في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك العالم العربي.

اقرأ/ي أيضًا

المرض إكس: مصطلح تعبيري انتشرت حوله نظريات المؤامرة والأخبار المضللة

بيل غيتس يستغل كورونا لزرع رقائق تحت الجلد.. ما الحقيقة؟

الأكثر قراءة