في 10 فبراير/شباط الجاري، نشر موقع قناة سي إن إن الأميركية، خبر مقتل طفلة فلسطينية تُدعى هند رجب، في قصف مدفعي إسرائيلي استهدف سيارة في تل الهوى، جنوب غربي مدينة غزة، كانت تقلّ عائلتها صوب وجهة أكثر أمانًا.
لكن اللافت هو أنّ سي إن إن عنونت الخبر على نحو يتجاهل تمامًا حقيقة مقتل الطفلة وعائلتها على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ اكتفت بالإشارة إلى أنّ هند "وُجدت ميتة بعدما عَلِقت في سيارة رفقة أقاربها الموتى".
من هي هند رجب؟
في 29 يناير/كانون الثاني الفائت، ردّت ليان حمادة (14 سنة) على اتصال هاتفي من الهلال الأحمر الفلسطيني، أُجري إثر بلاغ عن تعرض سيارة تُقل مدنيين وسط غزة للاستهداف المباشر. وفي المكالمة القصيرة، التي نشر الهلال الأحمر الفلسطيني تسجيلًا لها على الإنترنت، قالت ليان إنّهم، أي هي وأسرتها، داخل السيارة وإنّ دبابة إلى جانبها تُطلق النار عليهم، قبل أن يُسمع صوت صُراخها لفترة وجيزة مصحوبًا بضجيج إطلاق نار كثيف، أعقبه انقطاع المكالمة.
وقال الهلال الأحمر يومها إنّ ليان قُتلت، في حين بقيت الطفلة هند، البالغة من العمر 6 سنوات، محاصرة داخل السيارة المحاطة بدبابات وجنود الاحتلال. وأضاف الهلال الأحمر أنّه فقد الاتصال بطاقم سيارة إسعاف خرجت مساء اليوم نفسه لنجدة هند، وذلك على الرغم من تنسيقه مع مكتب الارتباط الأمني قبل إرسالها.
وكانت هند قد توسّلت الهلال الأحمر مرارًا لإجلائها، خلال مكالمة هاتفية استمرت لما يزيد عن ثلاث ساعات، قبل أن ينقطع الخط.
وحال الاجتياح الإسرائيلي للمنطقة دون معرفة مصير الطفلة وعائلتها والمسعفين اللذين تنقلا لنجدتها، إلى غاية ظهر يوم السبت، 10 فبراير 2024، أي بعد 12 يومًا من انقطاع الاتصال بهم.
وأوضح جد هند في مكالمة هاتفية مع التلفزيون العربي، أمس السبت، أنّ هند كانت رفقة أخيه، عمّ والدتها بشّار حمادة، وأنّ هذا الأخير وزوجته وابنتاه وطفله الرضيع قتلوا جميعهم داخل السيارة، التي عُثر فيها أيضًا على جثّة هند متحلّلة.
وعلى بعد 60 مترًا من سيارة عائلة هند في تل الهوى، عُثر أيضًا على رفات المسعفين يوسف زينو وأحمد المدهون داخل سيارة الإسعاف، التي وجدت متفحمة.
ولم تتمكن فرق الإسعاف من إجلاء الجثامين إلاّ بعد انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من المنطقة.
يكتفي غالبية المستخدمين بقراءة عناوين الأخبار والمقالات الصحفية
في عام 2016، كشفت دراسة أجراها باحثون في علوم الحاسوب، من جامعة كولومبيا الأميركية والمعهد الوطني الفرنسي، أنّ 59 في المئة من الروابط التي تمت مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تُنقر قط. يعني ذلك أنّ غالبية المستخدمين يشاركون الأخبار دون قراءتها.
وتوصّلت الدراسة إلى أنّ تلك المشاركات العشوائية تساهم في تحديد الأخبار التي ستحظى بالانتشار، والتي ستشكّل من ثمّة أولوياتنا السياسية والثقافية المشتركة.
وعزى الباحثون سلوك التصفح ذاك إلى عاملين، أولهما تراجع مدى الانتباه إلى مستوياته الدنيا على الإطلاق، بسبب حالة التشتت الناتجة عن استخدام تطبيقات الحواسيب والهواتف الذكية، التي جعلت معظم المستخدمين يتخذون قرارات سريعة بشأن الأخبار، استنادًا إلى انطباعاتهم الأولية عن عناوينها.
أمّا العامل الثاني فهو الجهد، إذ تحتاج مشاركة المقالات إلى جهد ووقت أقل مما تتطلبه قراءتها بالفعل. كما يحقّق الاكتفاء بالمشاركة إشباعًا أكبر للمستخدم، إذ يجذب إليه انتباه أصدقائه ومتابعيه ويوهمهم بأنّه قد قرأ المقال بالفعل، في حين لا تحقّق له قراءة المقال وحدها أيّ إشباع خارجي.
وعلى ضوء ذلك، يبرز اكتفاء المستخدمين بقراءة عناوين الأخبار والمقالات كوسيلة تحايل مقصود أو غير مقصود على دائرة متابعيهم، بل وعلى وسائل الإعلام التي قد تتأثر خياراتها التحريرية بردود فعل مستخدمين لا يطالعون سوى عناوينها.
لكنّ عكس ذلك واردٌ أيضًا، فقد تستغل وسائل الإعلام هذا الوضع للتحايل على القراء، من خلال تعمّد الانتقائية في صياغة العناوين، وحجب تفاصيل قد تُغيّر انطباع القراء وردود فعلهم بشكل جدري. ويمكن لوسائل الإعلام الإفلات من تُهم الانتقائية والتحيز بضمين نصوص المقالات والأخبار تلك التفاصيل بدل الإشارة إليها في عناوينها.
ويظهر ذلك جليًّا في صياغة سي إن إن لعنوان خبر مقتل الطفلة هند وعائلتها، إذ لا يمكن لقُرّاء العنوان غير المطلعين على خلفية القصة تخمين طريقة الوفاة وأسبابها، رغم أنّ كليهما معلوم.
سي إن إن تعدّل العنوان بعد تعرضها لحملة انتقادات واسعة
أثار عنوان سي إن إن المضّلل سخرية وسخط النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، فعلّق أحدهم على إكس قائلًا إن ثلاثة آلاف أميركي وجدوا موتى بعدما علقوا في مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر، في محاكاة ساخرة لأسلوب سي إن إن في نقل أخبار مقتل الفلسطينيين الأبرياء على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، هدفها تسليط الضوء على اختلاف معايير النقل الصحفي باختلاف جنسيات الضحايا والمتورّطين.
وإثر ذلك، عدّلت سي إن إن العنوان مستبدلة عبارة "بعدما عَلِقت في سيارة رفقة أقاربها الموتى" بعبارة "بعدما عَلِقت في سيارة تحت النيران الإسرائيلية".
سي إن إن تعيش أزمة داخلية على خلفية تحيزها للرواية الإسرائيلية
في الرابع من فبراير الجاري، نقلت صحيفة ذا غارديان البريطانية عن صحافيين عاملين في سي إن إن استياءهم من السياسة التحريرية للقناة، التي جعلتهم يردّدون الدعاية الإسرائيلية ويحجبون وجهة النظر الفلسطينية في تغطيتهم للحرب على غزة. ووصف هؤلاء ما ترتب عن الضغوط التي تتعرض لها القناة بـ"الانحراف"، نتيجة انحياز تغطيتها للجانب الإسرائيلي.
اقرأ/ي أيضًا
تحيز منهجي لصالح إسرائيل: ذا غارديان تكشف السياسة التحريرية لسي إن إن خلال الحرب على غزة
اتهامات لشبكة سي إن إن بإعداد تقارير مفبركة خلال عملية طوفان الأقصى