بداية شهر مارس/آذار الجاري، وقّع 55 مراسلًا دوليًّا على رسالة مفتوحة، دعوا فيها إلى السماح لوسائل الإعلام الدولية بالدخول إلى قطاع غزة، لممارسة عملهم بشكل حر وغير مقيّد، وتقديم تقارير صحفية من الميدان.
ويأتي ذلك بعد نحو خمسة أشهر من الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والتي خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، غالبيتهم من النساء والأطفال، وتسببت في أزمة إنسانية غير مسبوقة.
55 مراسلًا دوليًا يطالبون مصر وإسرائيل بالسماح لهم بدخول قطاع غزة
وجّه الصحفيون الموقعون الرسالة إلى حكومتي مصر وإسرائيل، وتم تسليمها إلى سفارتيهما في لندن، وفق ما نقلته شبكة بي بي سي.
ومن بين الموقعين على الرسالة، كبيرة المذيعين الدوليين في قناة سي إن إن كريستيان أمانبور، إضافةً إلى عشرات المراسلين الدوليين من سكاي نيوز وبي بي سي والقناة الرابعة وسي بي سي.
وشدّد الصحفيون في رسالتهم، على أهمية الوجود على الأرض لتقديم تقارير صحفية شاملة، بينما لم يصدر أي رد رسمي حتى الآن، على الرسالة من طرف الحكومتين.
وجاء في نص الرسالة "نطالب حكومة إسرائيل بالإعلان عن السماح للصحفيين الدوليين بالعمل في غزة، وأن تسمح السلطات المصرية للصحفيين الدوليين بالوصول إلى معبر رفح".
وجاء فيها أيضًا "هناك اهتمام عالمي كبير بالأحداث في غزة، وحتى الآن التقارير الوحيدة التي جاءت كانت من الصحفيين الذين كانوا موجودين هناك بالفعل، وإنّ الحاجة إلى تقديم تقارير شاملة على الأرض عن الصراع أمر محتّم".
استغلال إسرائيل لغياب المراسلين في غزة
تستغل إسرائيل غياب الصحفيين الدوليين داخل أراضي قطاع غزة في الترويج لرواياتها المضللة، التي تغطي بها على الانتهاكات والمجازر التي ترتكبها ضدّ الفلسطينيين. فمن جانب، تشكك بالرواية الفلسطينية للأحداث، ومن جانب آخر تقدم رواياتها على أنها تعبّر عن الحقيقة، على الرغم من ثبوت زيفها مرات عدة. ومثال ذلك روايتها المتعلقة بقصف مستشفى المعمداني، وآخرها روايتها حول "مجزرة الطحين" التي راح ضحيتها أكثر من 100 فلسطيني وغيرها من الروايات الأخرى.
ألكس كراوفورد: وجود الصحفيين الدوليين في غزة طريق نحو الحقيقة
في مقال رأي لها بعنوان "الحرب بين إسرائيل وحماس: مهمتنا الأولى كصحفيين هي سرد القصة كاملة، ومع حرماننا من الوصول إلى غزة لا يمكننا أن نفعل ذلك"، تساءلت المراسلة الصحفية في قناة سكاي نيوز، ألكس كراوفورد، لماذا ما يزال من الصعب وصول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة، بعد نحو 5 أشهر من الحرب؟
وقالت كراوفورد في المقال الذي نُشر يوم 29 فبراير/شباط الفائت، إنّ الصحفي يجب أن يكون موجودًا عند عين المكان لرؤية كل ما يحدث بنفسه، مؤكدة على أن هذه هي الطريقة الوحيدة لمعرفة الحقيقة بدقة أكبر وإثبات الكذب، في عالم مليء بالمعلومات الخاطئة والمضللة والاستخدام الكاذب والخبيث للصور والحقائق البديلة.
وأوضحت أنّ التواجد على "الأرض" في غزة لم يكن ممكنًا لتغطية الحرب، مضيفةً “أنهم مُنعوا من الوصول إلى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت”.
وقالت إنّ الصحفيين الوحيدين القادرين على العمل داخل غزة هم أولئك الذين كانوا داخل القطاع، وقت الحرب، وإنّ هؤلاء الصحفيين محاصرين، مثل أي شخص آخر في غزة.
وتابعت "لقد طلبت الفرق الإعلامية الدولية باستمرار من السلطات في إسرائيل ومصر السماح لنا بالوصول، ولكن تم منعنا، لقد التقينا بالمسؤولين شخصيًا، وأثرنا القضية باستمرار في المؤتمرات الصحفية وأرسلنا عددًا لا يحصى به من رسائل الطلب، ولكن كل الحكومات ذات النفوذ فشلت في استخدام ضغوطها الدولية لتغيير هذا الواقع".
وتحدثت الصحفية في مقالها عن انضمام عدد من الصحفيين "المختارين" للجيش الإسرائيلي للقيام بجولات قصيرة ونادرة داخل غزة، مشيرة إلى أنّ “الجيش الإسرائيلي لم يسمح لأيّ من الصحفيين الذين رافقوه إلى داخل غزة بالتحدث إلى أي من الفلسطينيين”.
وقالت إنه يجب على جميع الحكومات الضغط على إسرائيل ومصر للسماح للصحفيين بالدخول إلى غزة، وإنه لا ينبغي أن يتحمل الصحفيون داخل القطاع عبء تغطية هذه الحرب بمفردهم.
في المقال ذاته، تحدثت الصحفية ألكس كراوفورد، عن عدد الصحفيين الذين قتلوا في هذه الحرب، مشيرة إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية ومؤيدوها يشككون في هذه الأرقام، ويزعمون أن الصحفيين الفلسطينيين المتواجدين داخل غزة يعملون بالإكراه من قبل حماس، ما يعني أنهم ليسوا مستقلين.
وتحدثت كراوفورد أيضًا عن المزاعم الإسرائيلية بأنّ صحفيي غزة ليسوا صحفيين “حقيقيين”، بل مقاتلين من حماس يرتدون سترات إعلامية.
وقالت إنّ هذه المزاعم تعني أنّ أيّ عمليات قتل تستهدف الصحفيين على يد الجيش الإسرائيلي مقبولة، مشيرة في السياق نفسه، إلى أنّ الصحفيين المتواجدين داخل القطاع أغلبهم مصابون بجروح ويعانون من مشاكل صحية خطيرة، وآخرون فقدوا منازلهم وعائلاتهم، إضافة إلى العشرات الذين قتلوا منهم.
منع الصحفيين الدوليين من دخول غزة أمر غير مسبوق
من جانبها، قدمت “رابطة الصحافة الأجنبية” والتي تمثل مجموعة من المؤسسات الإعلامية الدولية في إسرائيل وفلسطين، التماسًا إلى المحكمة العليا في إسرائيل للسماح للصحفيين الدوليين بالوصول بشكل مستقل لتغطية الحرب من داخل غزة، غير أنّ هذا الطلب قوبل بالرفض.
وقالت الرابطة في بيان لها نُشر يوم التاسع من يناير/كانون الثاني الفائت، إنّ المحكمة العليا في إسرائيل اعترفت بانتهاك حرية الصحافة، لكنها قالت إن "القيود المفروضة على الدخول إلى غزة تعود لأسباب أمنية".
وأضافت أنّ المحكمة، قبلت ادعاءات “سلطات الدفاع الإسرائيلية"، بأن الصحفيين في غزة قد يتعرضون للخطر في زمن الحرب ويُعرّضون الجنود للخطر من خلال عملهم الصحفي، وإنه من الخطر أن يتواجد أفراد إسرائيليون على الحدود لتسهيل دخول الصحفيين إلى غزة.
ودعت المحكمة رابطة الصحفيين الدوليين إلى تقديم طلب الدخول إلى قطاع غزة عندما تتغير الظروف. وأكدت الرابطة على أنّ الحظر الذي تفرضه إسرائيل على وصول الصحافة الأجنبية المستقلة إلى غزة منذ بداية الحرب أمر غير مسبوق، مشيرة إلى أنّ إسرائيل سمحت لصحفيين بمرافقة الجيش بطريقة "منتقاة"، وأنّ التقارير الصحفية التي يعدونها تخضع لرقابة مشددة.
واعتبرت الرابطة أن مخاوف إسرائيل بشأن الإبلاغ عن مواقع القوات غير مقنعة مع مواصلة صحفيين فلسطينيين العمل في غزة، مشددة على وجوب تمكين الصحافة الأجنبية من دخول مناطق في غزة لا تنتشر فيها قوات إسرائيلية.
منظمة المادة 19: الحظر الكامل على قطاع غزة يتجاوز القيود المسموح بها
ونهاية شهر يناير الفائت، أعربت منظمة المادة 19، وهي منظمة دولية معنية بالعمل على تعزيز حرية التعبير، عن قلقها البالغ إزاء القيود المفروضة على دخول الصحفيين الدوليين إلى قطاع غزة، داعية إلى ضرورة السماح لهم بالدخول إلى القطاع، لبثّ تقارير مستقلة.
وقالت المنظمة إنه منذ السابع من أكتوبر الفائت، فُرض حظر على دخول غزة ومنع الصحفيين الدوليين من التغطية، بعد إغلاق معبر إيريز من إسرائيل إلى غزة ومعبر رفح من مصر إلى غزة.
وأشارت إلى أنّه تم السماح لبعض الصحفيين الدوليين بمرافقة الجيش الإسرائيلي، فيما فرض الجيش عليهم إجراءات صارمة إذ "اشترط تقديم التقارير للمراجعة قبل النشر وحظر التعامل مع الفلسطينيين".
وقالت، إنّ الحظر الكامل على قطاع غزة يتجاوز القيود المسموح بها بموجب المعايير الدولية، مؤكدة على ضرورة منح الحرية للصحفيين المستقلين لتقديم تقارير من الأرض وضمان التغطية الإعلامية الموضوعية، وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني، وحماية المدنيين.
استهداف إسرائيل للصحفيين في غزة
وفقًا لبيان المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، الصادر يوم السادس عشر من فبراير الفائت، قتلت إسرائيل نحو 130 صحفيًا فلسطينيًا، واستهدفت عائلاتهم ومنازلهم بالصواريخ. فضلًا عن إصابة العديد منهم بجروح حالت دون قيامهم بعملهم على الأرض وأدت إلى مغادرتهم لتلقي العلاج في خارج القطاع.
وفي مطلع فبراير الفائت، أدان خبراء من الأمم المتحدة تعرض الصحفيين الفلسطينيين للقتل والاعتداء والاحتجاز في الأراضي الفلسطينية المحتلة، "لا سيما في غزة، خلال الأشهر الأخيرة في تجاهل صارخ من إسرائيل للقانون الدولي".
وقالوا في البيان "نشيد إشادة خاصة بشجاعة وصمود الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام في غزة، الذين يواصلون تعريض حياتهم للخطر يوميًا أثناء تأدية واجبهم، فيما يتحملون في الوقت نفسه مشقة هائلة وفقدانًا مأساويًا لزملائهم وأصدقائهم وعائلاتهم في واحد من أكثر النزاعات دموية وقسوة في عصرنا."
وأوضح الخبراء، أنّ التقارير أثبتت أنه بالإمكان التعرف على الصحفيين بسهولة، لأنهم يرتدون سترات وخوذات تحمل علامة "صحافة" ويتنقلون في سيارات الصحافة التي تحمل علامات واضحة، لكن، على الرغم من ذلك، أضحوا عرضة للاعتداء، "ما يشير إلى أن عمليات القتل والاحتجاز هي استراتيجية متعمدة من قبل إسرائيل لعرقلة وسائل الإعلام وإسكات التقارير الناقدة".
وأكدوا أنّ الهجمات على وسائل الإعلام في غزة والقيود المفروضة على الصحفيين الآخرين التي تمنعهم من الوصول إلى القطاع، إضافةً إلى التعطيل الشديد للإنترنت، تشكل عوائق كبيرة تقوّض حق سكان غزة والعالم الخارجي في الحصول على المعلومات.
وحثّ الخبراء التابعين للأمم المتحدة، إسرائيل على السماح للصحفيين بدخول غزة وحماية سلامة جميع الصحفيين في الأراضي الفلسطينية، كما دعوا محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لإيلاء اهتمام خاص للنمط الخطير من الاعتداءات، ومحاولات الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.
اقرأ/ي أيضًا
أبرز الادعاءات المضللة التي طاولت مسؤولين في حماس خلال الحرب الجارية على غزة
ادعاءات مضللة روّج لها أفيخاي أدرعي خلال العدوان الإسرائيلي على غزة
