` `

إسرائيل تنتهك القانون الدولي باستخدام الأسلحة الأميركية بخلاف ما تدّعيه الخارجية الأميركية

فراس دالاتي فراس دالاتي
سياسة
25 أبريل 2024
إسرائيل تنتهك القانون الدولي باستخدام الأسلحة الأميركية بخلاف ما تدّعيه الخارجية الأميركية
صادق الكونغرس على حزمة مساعدات عسكرية أخرى لإسرائيل بقيمة 26 مليار دولار (Getty)

في فبراير/شباط الفائت، أصدر الرئيس الأميركي جو بايدن مذكرة للأمن القومي كلف فيها إدارته بالحصول على ضمانات من الدول التي تتلقى أسلحة أميركية، بأنّ تلك الأسلحة لا تُستخدم في انتهاك القانون الدولي أو القانون الإنساني الدولي، وأنه إذا لم يتم تقديم هذه الضمانات، فسيتم تعليق مبيعات الأسلحة إلى ذلك البلد. 

في نهاية شهر مارس/آذار التالي، أرسلت إسرائيل رسالة إلى الإدارة تعرض فيها الضمانات التي كانت الإدارة تسعى للحصول عليها. ومع ذلك، لم تكن هذه الرسالة متاحةً للجمهور، لكن قالت وزارة الخارجية الأميركية آنذاك إنها لم تجد أي دليل على أن إسرائيل تنتهك التوجيه الأخير الذي يقضي بأن يلتزم متلقي المساعدات العسكرية الأميركية بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وقال حينها مات ميلر، المتحدث باسم وزارة الخارجية خلال مؤتمر صحفي: "لقد أجرينا تقييمات مستمرة لامتثال إسرائيل للقانون الإنساني الدولي". وأضاف: "لم نجد أنها تنتهكه، سواء فيما يتعلق بسير الحرب أو تقديم المساعدة الإنسانية. نحن ننظر إلى هذه الضمانات من خلال العمل المستمر الذي قمنا به”.

لكن من أيام، أرسل أكثر من عشرين عضوًا ديمقراطيًا في مجلس النواب الأميركي، بما في ذلك الرئيسة المشاركة لحملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن، فيرونيكا إسكوبار، رسالة إلى إدارة بايدن يدعون فيها إلى إجراء تحقيق شامل في كيفية استنتاجها أن إسرائيل لا تستخدم الأسلحة الأميركية في انتهاك للقانون الدولي، وأنه إذا لم يتم تقديم هذه الضمانات، فسيتم تعليق مبيعات الأسلحة إلى ذلك البلد. وأمهل المشرعون الإدارة حتى الأول من مايو/أيار 2024 للرد على أسئلتهم.

صورة متعلقة توضيحية

إسرائيل تنتهك معظم بنود اتفاقية تجارة الأسلحة

قد تتداخل القواعد القانونية الأساسية للقانون الدولي الواجب مراعاتها عندما يجب على الدول أن تنظر في اتخاذ قرار بشأن تسليم الأسلحة أو غيرها من المعدات العسكرية، عندما تكون هناك أسباب تدعو إلى الاعتقاد بأن هذه الإمدادات يمكن استخدامها في ارتكاب جرائم دولية أو غيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني. 

على سبيل المثال، يمكن أن يشكل نقل الأسلحة انتهاكًا للمادتين 1 و 3 من اتفاقية الإبادة الجماعية، أو المادة 1 من اتفاقيات جنيف، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يشكل انتهاكًا مستقلاً للمادة 6 من معاهدة تجارة الأسلحة. ومع ذلك، فإن الحدود والشروط المطلوبة لإثبات وجود انتهاك لكل من هذه الالتزامات قد تختلف.

وبما أن رسالة أعضاء الكونغرس الأميركي لإدارة بايدن نصّت صراحة على "استخدام إسرائيل الأسلحة الأميركية لانتهاك القانون الدولي الإنساني"، فيكفي استخدام بنود اتفاقية تجارة الأسلحة لتفنيد تصريحات الخارجية القائلة بعدم وجود أدلة على ذلك، لأنها توفر الإطار القانوني الأكثر تفصيلًا وتحديثًا الذي يحكم عمليات نقل الأسلحة في القانون الدولي، مع الإشارة إلى القواعد الأولية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك حظر الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم الدولية.

تنص المادة 6 (2) من معاهدة تجارة الأسلحة على ما يلي: "لا يجوز لأي دولة طرف أن تسمح بأي نقل للأسلحة التقليدية المشمولة بالمادة 2(1) أو الأصناف المشمولة بالمادة 3 أو المادة 4، إذا كان النقل ينتهك التزاماتها الدولية ذات الصلة بموجب الاتفاقيات الدولية التي هي طرف فيها، على وجه الخصوص. تلك المتعلقة بنقل الأسلحة التقليدية أو الاتجار غير المشروع بها".

فيما تنص المادة 6 (3) من معاهدة تجارة الأسلحة على "لا يجوز لأي دولة طرف أن تأذن بأي نقل للأسلحة التقليدية المشمولة بالمادة 2 (1) أو الأصناف المشمولة بالمادة 3 أو المادة 4، إذا كانت على علم وقت التصريح بأن الأسلحة أو الأصناف ستستخدم في ارتكاب الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، والانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949، والهجمات الموجهة ضد الأهداف المدنية أو المدنيين المحميين بهذه الصفة، أو جرائم الحرب الأخرى على النحو المحدد في الاتفاقيات الدولية التي هي طرف فيها".

صورة متعلقة توضيحية

أما المادة الأكثر أهمية، المادة 7 (1) من اتفاقية تجارة الأسلحة، فتتطلب إجراء تقييم، قبل التصريح بالنقل، لمعرفة ما إذا كان من الممكن استخدام العناصر التي يتم نقلها لارتكاب أو تسهيل "انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني". وبعد اعتماد معاهدة تجارة الأسلحة، نشرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر وثيقة "حماية المدنيين والعمل الإنساني من خلال معاهدة الأسلحة"، الذي عرّفت فيها بشكلٍ واضح ما يشكّل "انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني". حيث نصت على ما يلي:

"الانتهاك الخطير للقانون الإنساني الدولي" هو مصطلح آخر لـ "جريمة حرب" ويشمل الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الأول المؤرخ 8 يونيو/حزيران 1977 الإضافي لاتفاقيات جنيف، بالإضافة إلى جرائم الحرب الأخرى المدرجة في نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، وتلك المحددة بموجب القانون الدولي الإنساني العرفي. وتشمل الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، واحتجاز الرهائن، والنهب، والاغتصاب، وتوجيه الهجمات ضد الأهداف المدنية أو المدنيين الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية، وتوجيه الهجمات ضد المستشفيات أو سيارات الإسعاف أو الطواقم الطبية.

صورة متعلقة توضيحية

وبمراجعة التقارير القانونية، والتقارير الصادرة عن الجهات الدولية، يتضح أنّ إسرائيل قد مارست كل واحدة من تلك الممارسات على حدة. ففي تقرير صدر عن منظمة العفو الدولية مطلع فبراير/شباط، أوضحت بالتفصيل مدى استخدام الجيش للقوة المميتة بشكل متكرر ضد الفلسطينيين المدنيين في جميع أنحاء الضفة الغربية وغزة. وقالت إنها قامت بتحليل أربع حالات استخدم فيها الجيش الإسرائيلي "القوة المميتة غير القانونية" ضد الناس في الضفة الغربية المحتلة، ومنع المهنيين الطبيين من الوصول إلى السكان المصابين.

وفي 17 إبريل/نيسان الجاري، قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا)، في تقرير إن بعض موظفيها وغيرهم من الأشخاص الذين تحتجزهم القوات الإسرائيلية في غزة تعرضوا لسوء المعاملة، بما في ذلك الضرب المبرح والإجبار على التعري. مضيفةً أنَّ الموظفين الذين تم احتجازهم، في بعض الحالات أثناء أداء واجباتهم الرسمية، "تم احتجازهم بمعزل عن العالم الخارجي ويتعرضون للظروف نفسها، وسوء المعاملة مثل المعتقلين الآخرين"، والتي قالت إنها تشمل عدة أشكال مختلفة من الاعتقال والإساءة.

أما فيما يتعلق بـ "توجيه الهجمات ضد الأهداف المدنية أو المدنيين الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية"، فقد اعترف بنيامين نتنياهو بنفسه، بمسؤولية جيش الاحتلال الإسرائيلي باستهداف السيارتين اللتين كانتا تقلّان موظفي منظمة المطبخ المركزي العالمي الإغاثية السبعة الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية مطلع إبريل الجاري. فيما خلص تحقيق منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن الضربة الإسرائيلية التي تسببت بمقتل الصحافي والمصور اللبناني عصام عبدالله في أكتوبر/تشرين الأول 2023، كانت متعمدة وليست عن طريق الخطأ.

وفيما يتعلق باستهداف المشافي والطواقم الطبية، فطوال الحرب على غزة، داهم الجيش الإسرائيلي المستشفيات –التي يحميها القانون الإنساني الدولي حتى فوق البنية التحتية المدنية الأخرى– على أساس أن مقاتلي حماس يختبئون هناك. وقد اتهمت إسرائيل والولايات المتحدة حماس باستخدام "دروع بشرية"، أو التمركز عمداً في مواقع (مثل المستشفيات) من شأنها أن تجعلها محصنة ضد الهجوم بموجب قوانين الحرب بسبب قربها من المدنيين وغيرهم من الأشخاص المحميين.

ولكن حتى لو تم التسليم بتلك الادعاءات على أنها صحيحة، فذلك لا يعني أن إسرائيل يمكنها اعتبار المستشفيات أهدافًا عسكرية مشروعة، بل يجعل استهدافاتها المتكررة لها انتهاكًا للاتفاقيات الدولية الموقّعة عليها. إذ يقول عمر شاكر، مدير مكتب إسرائيل وفلسطين في هيومن رايتس ووتش، إن المستشفيات يمكن أن تفقد وضعها المحمي بموجب القانون فقط "عند ارتكاب أعمال ضارة بالعدو" انطلاقًا منها، وهو ما لم تستطع إسرائيل تقديم دليل جازم عليه منذ بداية الحرب وحتى الآن، رغم إخراجها معظم مشافي قطاع غزة عن الخدمة.

منظمات دولية تؤكد انتهاك إسرائيل القانون الدولي باستخدام الأسلحة الأميركية

قالت منظمتا هيومن رايتس ووتش وأوكسفام في مذكرة مشتركة صدرت منذ ثلاثة أسابيع، إن على إدارة بايدن اتباع القانون الأميركي وتعليق عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل على الفور. وقدمت المنظمتان إلى الحكومة الأميركية بشأن انتهاكات إسرائيل للقانون الإنساني الدولي، بما في ذلك الأسلحة الأميركية، ومنع المساعدات الإنسانية التي تمولها الولايات المتحدة.

وقالت سارة ياجر، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن "هناك أسباب وجيهة وراء حظر القانون الأميركي دعم الأسلحة للحكومات، التي تمنع المساعدات المنقذة للحياة أو تنتهك القانون الدولي بأسلحة أميركية. ونظرًا للأعمال العدائية المستمرة في غزة، فإن تأكيدات الحكومة الإسرائيلية لإدارة بايدن بأنها تفي بالمتطلبات القانونية الأميركية ليست ذات صدقية".

صورة متعلقة توضيحية

تلخّص مذكرة أوكسفام وهيومن رايتس ووتش مجموعة واسعة من الانتهاكات الإسرائيلية الإضافية للقانون الإنساني الدولي، والحرمان من الخدمات الحيوية لبقاء السكان المدنيين، والحرمان التعسفي والقيود المفروضة على المساعدات الإنسانية منذ هجوم السابع من أكتوبر.

ومن الأمثلة على ذلك استخدام الفوسفور الأبيض الذي زودت الولايات المتحدة إسرائيل به في العمليات العسكرية، وتحديدًا في مدارس الأونروا في غزة والأراضي الزراعية جنوب لبنان، والغارات العشوائية أو غير المتناسبة على العديد من المستشفيات الكبرى أو بالقرب منها، بما في ذلك غارة واحدة على الأقل استهدفت سيارة إسعاف تحمل علامة الإسعاف أدت إلى مقتل 15 شخصًا وإصابة 60 آخرين.

كذلك المنع المنهجي للمساعدات، بما في ذلك المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة بشكل كبير، من الوصول إلى نحو 300 ألف فلسطيني ما زالوا في شمال غزة.

وقال سكوت بول، المدير المساعد للسلام والأمن في منظمة أوكسفام أميركا: "لقد دقّت منظمة أوكسفام مرارًا وتكرارًا ناقوس الخطر من أن القصف والحصار الإسرائيلي المستمر، وإجراءاتها لمنع وصول المساعدات الإنسانية، قد أدت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية في غزة". وأضاف "لقد أوضحنا بوضوح لإدارة بايدن لماذا لا يمكن الاعتماد على أي تأكيدات من إسرائيل بأنها لم تؤجل أو تقيد أو تعرقل المساعدات إلى غزة. وعلى الرغم من ذلك، واصلت الولايات المتحدة تزويد إسرائيل بالأسلحة الفتاكة. لقد مضى وقت طويل على إدارة بايدن منذ أن كان يجدر بها إنهاء مبيعات الأسلحة الفتاكة لإسرائيل، لكننا ندعوهم إلى القيام بذلك الآن والعمل على إنهاء الموت والمعاناة في غزة”.

اقرأ/ي أيضًا

تقرير كولونا: إسرائيل لم تقدم دليلًا على ادعاءاتها بتورط موظفي الأونروا في منظمات إرهابية

رغم النفي الإسرائيلي: العفو الدولية تشير إلى احتمالية ضلوع إسرائيل في جرائم حرب في غزة

الأكثر قراءة