تشهد الولايات المتحدة احتجاجات طلابية واسعة، بدأت في 17 إبريل/نيسان الفائت في جامعة كولومبيا، واتسعت بعدما استدعت رئيسة الجامعة، نعمت شفيق، شرطة نيويورك إلى الحرم الجامعي لفض اعتصام الطلاب. وانضمت جامعات في مختلف أنحاء البلاد، على غرار جامعات نيويورك، وييل وجورج واشنطن، وإيموري، ومينيسوتا، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا…وغيرها، إلى الاحتجاجات المطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وبدءًا من 27 من الشهر نفسه، انتقلت الاحتجاجات إلى جامعات دول أوروبية أبرزها سيونس بو في العاصمة الفرنسية باريس، وجامعة أكسفورد في بريطانيا، حيث تظاهر الطلاب تنديدًا باستضافة جامعتهم رئيسة مجلس النواب الأميركي سابقًا، نانسي بيلوسي، الداعمة لإسرائيل.
وعلى ضوء تلك الأحداث، اتخذت شخصيات ومؤسسات إعلامية وسياسية موقفًا مناهضًا للاحتجاجات، واتهمتها بممارسة العنف وبتبني خطاب معادٍ للسامية، يسبب قلقًا للطلاب وهيئة التدريس اليهودية في الجامعات.
داعمون لإسرائيل يدّعون تعرضهم لاعتداءات في احتجاجات داعمة لفلسطين
انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، حديثًا، مقاطع فيديو اتهم فيها مؤيدون لإسرائيل المتظاهرين في الجامعات الأميركية بالعنف وبمعاداة السامية، أثناء الاحتجاجات الطلابية المساندة للفلسطينيين.
انتشر مقطع فيديو لفتاة تدعى كارين، تهاتف الشرطة أثناء وجودها في مخيم الاحتجاج الطلابي في جامعة نورث وسترن بولاية إلينوي. وقالت كارين عبر الهاتف "أنا أميركية يهودية أحتاج إلى مساعدتكم. أرجوكم تعالوا لمساعدتي. أنا حقًا خائفة". وأضافت "طلاب جامعة نورث ويسترن يحاصرونني ويهددونني. يحملون لافتات. أحتاج المساعدة. يحيطون بي ولا يسمحون لي بالمغادرة. أرجوكم ساعدوني".
وفي الوقت نفسه، وقفت واحدة من المشاركات في الاحتجاج بالقرب من كارين، وتحدثت بصوت مرتفع عمدًا ليسمعها الطرف الآخر على الهاتف "لا أحد سيؤذيها. لا أحد سيهاجمها. هذه الإنسانة ليست معرضة للخطر... إنها حرة في تحركاتها. يمكنها المغادرة".
وأظهر مقطع فيديو آخر، رجلًا في تجمع احتجاجي في بنسلفانيا يتعمد ضرب رأسه بأحد الأعلام الفلسطينية التي يرفعها المحتجون، ثّم صرخ "لا تضربني بعلمك. اضربني بهذا العلم مرة ثانية وسترون ماذا يحدث لكم. لا تضربني بهذا العلم. عار عليكم". ليرد عليه أحد المحتجين "لقد التقطت لك مقطع فيديو".
وانتشر في الوقت نفسه، مقطع فيديو لامرأة ترتدي قميصًا مكتوبًا عليه "يهودية" من الأمام، ومن الخلف رُسم عليه نجمة داود مع كلمة "إسرائيل"، ووقفت في محيط احتجاج جامعة ييل أثناء مظاهرات دعم الفلسطينيين، وكررت أنها ليست خائفة، وأنها يهودية، ولم يلتفت إليها أحد من المشاركين في الاحتجاج.
وشارك بعض الناشطين الفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو آخر، مع تعليق أنه كان محاولة من السيدة والشخص الذي يصورها لاستفزاز ردةّ فعلٍ معاديةٍ للسامية داخل الاحتجاج الطلابي.
وفي موقف رابع، اقتحم أحد مناهضي الاحتجاجات مخيم التضامن مع غزة في جامعة كاليفورنيا، فجرًا، وفي يده العلمين الأميركي والإسرائيلي، وأخذ يتجول بين خيام النائمين وهو يصرخ: "صباح الخير يا فيتنام. استيقظوا أيها الشيوعيون. استيقظوا. استيقظوا". في محاولة لجذب انتباههم.
نتنياهو يشبّه احتجاجات الجامعات الأميركية بالحراك النازي في الثلاثينيات
وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم 24 إبريل الفائت، احتجاجات الجامعات الأميركية التي تطالب بوقف الحرب على غزة، بأنها "مرعبة" و"غير معقولة" و"لا بد من إيقافها". كما اتهم الطلاب المشاركين فيها بمعاداة السامية، وشبّه الاحتجاجات بما حدث في الجامعات الألمانية في الثلاثينيات، في إشارة إلى تصاعد الحراك النازي في تلك الجامعات آنذاك.
وفي منشور على منصة إكس انتقد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الاحتجاجات، قائلًا إنها "ليست معادية للسامية فحسب، بل تحرض على الإرهاب أيضًا"، وأضاف "إلى إخواننا وأخواتنا اليهود، نحن نقف إلى جانبكم، تحركوا الآن للدفاع عن الشباب اليهودي".
بدوره، وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الاحتجاجات بـ"الاحتجاجات المعادية للسامية"، وقال إنّ المحتجين لا يفهمون ما يجري في فلسطين.
كما وصفها الرئيس السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية، دونالد ترامب، بأنها "فوضوية"، وطالب بإيقافها فورًا.
أما عضوة الكونغرس إليس ستيفانيك، فطالبت في 29 إبريل الفائت، بسحب تأشيرات الطلاب الأجانب الذين يتم إيقافهم في جامعاتهم بتهم معاداة السامية.
وخلال جلسة استماع الكونغرس لرؤساء جامعات إم أي تي وهارفارد وبنسلفانيا في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الفائت، على خلفية الحراك الطلابي المناهض للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت. كررت إليس ستيفانيك سؤالها لرؤساء الجامعات "هل تعدّ الدعوة لإبادة اليهود داخل الحرم الجامعي نوعًا من الاعتداء؟".
وهو السؤال الذي يصفه مصطفى بيومي في مقال نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية، بتاريخ 11 ديسمبر الفائت، بأنه "فخ"، لأسباب أهمها عدم وجود أي دليل على دعوات إبادة اليهود في الحرم الجامعي، ومبدأ الحق في حرية التعبير الذي يحمي حتى أشد التعبيرات تطرفًا، وأخيرًا اعتبار ستيفانيك كلمة "انتفاضة"، وشعار "من النهر إلى البحر، فلسطين حرة"، دعوات لإبادة اليهود. يُذكر أنّه بعد جلسة الاستماع بفترة وجيزة استقالت رئيستا جامعتي هارفارد وبنسلفانيا من منصبيهما.
شخصيات إعلامية ووسائل إعلام أميركية تتهم الاحتجاجات بمعاداة السامية
في مقال بعنوان "طلاب الجامعات لا يمارسون الجنس بشكل كافٍ ولذلك يلجؤون إلى الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل"، نقلت صحيفة ذا نيو يورك بوست، تصريحات الأستاذ في جامعة نيويورك سكوت غالاوي، في برنامج "ذا رييل تايم" مع الإعلامي بيل ماهر، قال فيها إنّ الجامعات أصبحت تذكّر بشكل كبير بألمانيا النازية.
كما صرح غالاوي بالقول إنّ "طلاب الجامعات لا يمارسون الجنس بشكل كافٍ ولذلك يطاردون تهديدات مزيفة، وأكثر التهديدات شعبية على مدار التاريخ هي معاداة السامية". أوضح المقال كذلك أن مذيع سي إن إن السابق، دون ليمون، كان حاضرًا في هذا اللقاء ووافق على تصريحات الأستاذ غالاوي.
وفي خبر آخر، استخدمت صحيفة ذا نيويورك بوست، عنوانًا لخبر عن فض الشرطة احتجاجات جامعة بورتلاند ستات يوم الثاني من مايو/أيار الجاري، مفاده "العثور على أسلحة مرتجلة ومتاريس داخل جامعة بورتلاند ستات بينما قبضت شرطة مكافحة الشغب على المتظاهرين المؤيدين للإرهاب في اشتباكات عنيفة".
في مقابلة مصورة مع مسؤول في شرطة نيويورك، عرض سلاسل حديدية سميكة وادّعى أن المحتجين في جامعة كولومبيا يستخدمونها كأسلحة، ولكن مراسلة صحيفة ذا سيتي نيويورك أخبرته أن هذه سلاسل تستخدمها الجامعة لتأمين الدراجات، وهي تباع داخل الحرم الجامعي، وقدمت له إثباتًا على ذلك، ليحرك مسؤول الشرطة رأسه بالنفي وينسحب.
ادعاء مضلل عن أنّ وجود زوجة أحد الإرهابيين المدانين كان الدافع لمداهمة الشرطة جامعة كولومبيا
في منشور على منصة إكس، في الثاني من مايو الجاري، كتبت ألي بومان، مراسلة قناة سي بي إس نيوز "نقلًا عن مصادر، هناك دليل على وجود زوجة أحد الإرهابيين المعروفين، مع المتظاهرين في جامعة كولومبيا". حذفت بومان منشورها بعد أن تعرضت للنقد، إذ كانت تشير إلى وجود زوجة الناشط السياسي والأستاذ في جامعة جنوب فلوريدا، سامي العريان، الذي اعتقل في الولايات المتحدة سنة 2003 قبل أن يتم ترحيله خارج البلاد.
وأكد تقرير لموقع إنترسبت أنّ نهلة العريان تواجدت في الجامعة لمدة أقل من ساعة مع ابنتها، وأضاف التقرير أنها كانت نائمة في فيرجينيا ليلة اقتحام جامعة كولمبيا. غير أن شائعة وجودها في الجامعة لحظة المداهمة، انطلقت من ادّعاء عمدة نيويورك إيريك آدامز، بأنّ قرار مداهمة الشرطة لجامعة كولومبيا كان بسبب وجود نهلة العريان في حرم الجامعة هناك.
أكد تقرير لموقع إنترسبت أن نهلة العريان تواجدت في الجامعة لمدة ساعة فقط. ورغم تقرير إنترسبت السابق ظل آدامز يكرر ادعاءه على منصات إعلامية مختلفة، منها سي بي إس مورنينجز، ومورنينج إيديشن.
ورغم اعتراف شرطة نيويورك في الأول من مايو الجاري، خلال مؤتمر صحفي، أن نهلة العريان لم تكن في الجامعة أثناء المداهمات، إلا أن ريبيكا وينر، نائبة مفوض شرطة نيويورك للاستخبارات ومكافحة الإرهاب قالت إنه "في الأسبوع الماضي، كانت هناك زوجة شخص أدين بتقديم الدعم المادي للإرهاب في الحرم الجامعي".
وأضافت "ليس لدينا أي دليل على ارتكاب أي مخالفات جنائية من جانبها، ولكن هذا ليس الشخص الذي أريده بالضرورة أن يؤثر على طفلتي إذا كنتُ والدًا لطالب/ة ما في كولومبيا".
كما نشرت الممثلة الإسرائيلية نوعا تشيبي، صورة نهلة العريان في جامعة كولومبيا، وادعت أنها أدينت بتمويل الإرهاب، في حين لم ينشر أي تقرير أو خبر يفيد بتورطها في قضايا تمويل إرهاب أو غيرها.
كما ونشرت صحيفة ذا نيويورك بوست، في الأول من مايو الجاري، مقالًا بعنوان "زوجة الإرهابي المدان سامي العريان تتجول في احتجاجات كولومبيا قبل المداهمة"، أما موقع فوكس نيوز فنشر بعدها بيوم واحد مقالًا بعنوان "كولومبيا تتعفن علنًا، حيث يشيد أستاذ إرهابي مرحّل بمشاركة زوجته للغوغاء".
والجدير بالذكر أن قضية سامي العريان، التي بدأت في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، وقبل وقت قصير من غزو العراق، وُصفت بأنها قضية سياسية، ولم تتم إدانته بتهم تمويل الإرهاب، بل قال المدّعون العامون المسؤولون عن قضيته في عام 2003، أنّ لا علاقة له بأي عنف، بعد أن فشلوا في تقديم الدليل على ذلك.
مشاركة أساتذة جامعيين ومنظمات يهودية في الحراك الجامعي
يشارك في احتجاجات الجامعات الأميركية طلاب وأساتذة ومنظمات يهودية، مثل منظمتي "صوت يهودي من أجل السلام"، و"يهود من أجل إيقاف إطلاق النار"، و"يهود هارفارد من أجل السلام"، ومجموعة "شافوره جامعة بنسلفانيا".
ومن المنظمات اليهودية المشاركة كذلك منظمة "أتيدنا" الساعية للحوار مع الآخر، ومؤسسها الطالب اليهودي في جامعة تكساس إليجاه كالينبيرج، المتخصص في الدراسات اليهودية والحكومات وشؤون الشرق الأوسط، والذي يصف ما يحدث في غزة حاليًا بأنه إبادة جماعية وعليه يشارك في الاحتجاجات الجامعية القائمة.
كما يشارك عدد من الحاخامات اليهود في هذه الاحتجاجات، إذ يظهر أحدهم على المنصة في جامعة نيويورك في مقطع فيديو، ويصف الطلاب بأنهم أذكياء ويطرحون الأسئلة لتوقهم للمعرفة، ويتهم من يصفهم بمعاداة السامية بأنهم يحاولون إسكاتهم.
اقرأ/ي أيضًا
ما حقيقة الادعاء بأن جورج سوروس هو الممول الفعلي لتظاهرات الجامعات الأميركية؟
الفيديو ليس لتجمع الشرطة الأميركية لفض الاحتجاجات الطلابية المنددة بالحرب على غزة