نفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم الثامن من يونيو/حزيران الجاري، عملية عسكرية مفاجئة هاجم بها مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، واستعاد من خلالها أربعة من أسراه لدى المقاومة الفلسطينية. خلفت هذه العملية العسكرية مجزرة راح ضحيتها 274 فلسطينيًّا غالبيتهم من النساء والأطفال. إلى جانب أكثر من 400 إصابة. كما أدت المجزرة أيضًا إلى مقتل ثلاثة من أسرى الاحتلال الآخرين لدى المقاومة إلى جانب مقتل قائد الفرقة المهاجمة والتي نفذت العملية.
الاحتلال ينفي استغلاله شاحنات المساعدات في الدخول إلى النصيرات
بعد دقائق على ارتكاب الاحتلال للمجزرة وانسحابه تحت غطاء من القصف العنيف للمخيم، بدأت الصور ومقاطع الفيديو التي تصور شهادات عن مختلف مراحل العملية العسكرية في الانتشار عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
وعكست الصور بشاعة ما ارتكبه الاحتلال، ما ساهم في بروز عدد من الأصوات والمواقف الدولية المنددة لما قام به الاحتلال، خاصة في ظل تداول معلومات عن اقتحام جنود الاحتلال للمخيم متنكرين في زي مدني، وعبر شاحنات مساعدات انطلقت من الممر المائي الأميركي على شواطئ غزة.
هذه الإدانات التي وصلت حد اتهام الاحتلال بارتكاب جرائم حرب، دفعت إسرائيل للخروج ونفي ما يتم تداوله بخصوص تنكّر القوات الإسرائيلية في أزياء لاجئين، أو استغلالها شاحنات مساعدات أو استعمالها الممر المائي الأميركي لتنفيذ عملية اقتحام المخيم.
تتبع “مسبار” تفاصيل المجزرة، ورصد أبرز التفاصيل والمعلومات بخصوص بدايتها وطريقة تنفيذها، وخلُص إلى مؤشرات عدة تفند ادعاءات جيش الاحتلال وتدين إسرائيل بالتمويه الإنساني لتنفيذ مجزرة النصيرات وتحرير أربعة من أسراه.
صور وشهادات تؤكد استغلال الاحتلال سيارات مساعدات
تناقلت حسابات ووسائل إعلام عربية شهادات عديدة لفلسطينيين ناجين من مجزرة النصيرات، تحدثوا عن اللحظات الأولى لاقتحام قوات الاحتلال لمخيم النصيرات، وعن الجرائم التي تعمّد الاحتلال ارتكابها على غرار استهداف المدنيين العزل والقيام بعمليات إعدام ميدانية.
وفي تصريح للتلفزيون العربي، قال أحد الشهود العيان إنّ القوات الإسرائيلية اقتحمت المخيم في سيارة مدنية، حيث نزلت القوات من السيارة بشكل مفاجئ وشرعت في إطلاق النار بشكل مباشر وعشوائي.
وفي شهادة أخرى لشبكة القدس فيد الإعلامية، وصف عبد الكريم النقلة وهو من ساكني مخيم النصيرات، اللحظات الأولى لوصول القوات الخاصة، إذ قال إنه بينما كان جالسًا في الشارع، وصلت شاحنة محملة بأغراض نازحين "عفش"، ألقوا عليهم التحية وسألوهم حول ما إذا كانت هناك منازل للإيجار في المنطقة، وفي هذا إشارة إلى أن القوات إلى جانب كونها متنكرة في ملابس لاجئين فإنها كانت تتقن اللغة العربية أيضًا واللهجة الفلسطينية، وتابع بأن الشاحنة واصلت طريقها إلى أن وصلت إلى نقطة نزلت فيها القوات من الشاحنة وثمّ أغلقت الطريق.
وفي السياق ذاته، نشر الصحفي الفلسطيني عمرو طبش على حسابه في منصة انستغرام شهادة أخرى لأحد الفلسطينيين الذين تعرضوا إلى إصابة لحظة اقتحام الجيش الإسرائيلي مخيم النصيرات، إذ قال إنه وفي لحظة مروره في الشارع، توقفت شاحنة تبدو وكأنها لنازحين نظرًا لما تحمله من أغراض، نزل منها نحو 10 جنود من القوة الخاصة المقتحمة ثم شرعوا في إطلاق النار بشكل مباشر تجاه المدنيين ما أدى إلى إصابته بثلاث طلقات في صدره وإصابة في يده.
مشاهد من لحظة انسحاب القوات الإسرائيلية من مخيم النصيرات
وتأكيدًا للشهادات، نشرت قناة الجزيرة الإخبارية صورًا قالت إنها ترصد لحظة انسحاب موكب لآليات الاحتلال من مخيم النصيرات بعد ارتكابه المجزرة، وتُظهر الصور أن من بين الآليات مركبة تشبه شاحنة المساعدات وسيارة مدنية. وقالت القناة إن تلك المركبات استخدمتها القوات الخاصة الإسرائيلية للتمويه عند دخولها المخيم، وهو ما يتطابق مع ما ذكره شهود العيان بشأن تنكر قوات الاحتلال التي اقتحمت المخيم.
من جهة أخرى، قالت قناة أي بي سي الأميركية عن مصادر أمنية إسرائيلية، إن القوات الإسرائيلية الخاصة التي اقتحمت مخيم النصيرات كانت متنكرة على هيئة نازحين يبحثون عن مكان للإقامة فيه، وتمركزت قرب المبنى الذي يتواجد فيه الأسرى قبل أن تُعطى لهم الأوامر بالانطلاق في تنفيذ العملية.
تضارب حول استخدام الاحتلال الممر المائي في مجزرة النصيرات
احتفت وسائل إعلام إسرائيلية بخبر تحرير أربعة أسرى من قبضة المقاومة في غزة، وتداولت صورًا ومقاطع فيديو لمختلف مراحل إنقاذ الأسرى، وظهر في أحد مقاطع الفيديو المتداولة هبوط المروحية لنقل الأسرى المحررين عند مسافة قريبة جدًا من الممر المائي الأميركي على شواطئ غزة، مع انتشار تقارير عن إمكانية استخدام إسرائيل للممر في العملية.
من جهتها أقرت وزارة الدفاع الأميركية بأن منطقة قريبة من الممر المائي العائم على شواطئ غزة، استُخدمت خلال العملية التي نفذتها قوات الاحتلال لاستعادة الأسرى الأربعة من مخيم النصيرات، لكن الوزارة نفت استخدام الرصيف نفسه في العملية.
وقال المتحدث باسم البنتاغون الجنرال باتريك رايدر، إن تحليق الطائرات المروحية الإسرائيلية قرب الممر المائي كان من قبيل الصدفة.
تعليق توزيع المساعدات الإنسانية عبر الممر المائي الأميركي
بناء على المخاطر التي قد تنجم عن استغلال الممر المائي الأميركي الذي أُعلن عن إنشائه لغايات إنسانية، في عمليات عسكرية، أعلنت مديرة برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، سيندي ماكين، خلال مقابلة مع شبكة سي بي إس الأميركية عن تعليق توزيع المساعدات الإنسانية عبر الممر المائي الأميركي على شواطئ غزة، وذلك بسبب مخاوف أمنية.
وأشارت ماكين إلى تعرض اثنين من مستودعات المنظمة في غزة لقصف صاروخي من قبل الاحتلال خلال عملية تحرير الرهائن، رغم علم الاحتلال بالمستودعات وإحداثياتها، وهو ما تسبب في إصابة أحد الموظفين.
ووصفت مديرة برنامج الأغذية العالمي يوم الثامن من يونيو/حزيران الجاري، بأنه واحد من أكثر أيام الحرب دموية، مشيرة إلى أن المنظمة تريد التأكد من ضرورة توفير بيئة آمنة وظروف مستقرة قبل استئناف عملية تقديم المساعدات في الشمال، مشيرة أيضًا إلى مواصلة المنظمة عملها في بقية مناطق القطاع.
وقالت ماكين إنّ سكان شمال قطاع غزة باتوا مهددين بالمجاعة بشكل كبير، بل وحتى جنوب القطاع أيضًا بات مهددًا بالمجاعة في ظل نقص وصول المساعدات، وبسبب عمليات النزوح المستمر التي يعيشها الفلسطينيون في القطاع. مشيرة إلى النقص الحاد في المياه والصرف الصحي والدواء، ومعتبرة أن المجاعة لا تتعلق بالطعام فقط بل تشمل بقية العناصر الحياتية الأخرى.
إدانات ودعوات لمحاسبة الاحتلال
رغم شعورها بالارتياح لإطلاق سراح أربعة أسرى، استنكرت مقررة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألباني اقتحام قوات الاحتلال لمخيم النصيرات متنكرين في شاحنات مساعدات.
وقالت فرانشيسكا ألباني إنّ إنقاذ أربعة إسرائيليين من الأسر لا يجب أن يأتي على حساب مقتل ما لا يقل عن 200 فلسطيني من بينهم أطفال، وإصابة 400 آخرين.
واعتبرت مقررة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين أنه كان بإمكان إسرائيل إطلاق سراح جميع الرهائن أحياء وسالمين قبل ثمانية أشهر، عندما تم طرح أول وقف لإطلاق النار وتبادل للرهائن على الطاولة، إلا أن إسرائيل رفضت ذلك واستمرت في تدمير غزة والفلسطينيين كشعب.
بدوره دعا المرصد الأورومتوسطي للتحقيق في استخدام الممر المائي الأميركي في غزة لأغراض عسكرية، كما ندد بالمجزرة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.
ونقل المرصد عن وسائل إعلام إسرائيلية بأنّ شاحنة إسرائيلية انطلقت من منطقة الممر المائي الأميركي تحت ستار نقل إمدادات إنسانية، بينما كانت الشاحنة تقل قوات إسرائيلية خاصة نفذت عملية تحرير الأسرى. وأفادت مصادر أخرى للمرصد بأن وسيلة النقل التي كانت تقل القوات الإسرائيلية كانت عبارة عن شاحنة مدنية تم تهيئتها لتبدو وكأنها مخصصة لنقل مساعدات إنسانية، فيما أفاد آخرون بأن الشاحنة كانت تبدو وكأنها تنقل نازحين مدنيين.
وأكد المرصد الأورومتوسطي بأنّ التظاهر بوضع مدني أو استخدام وسائل نقل مدنية أو مخصصة للمساعدات الإنسانية، أو ارتداء لباس مدنيين أو العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، كغطاء لتنفيذ عمليات عسكرية يشكل جريمة غدر وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني، مشيرًا إلى أن ميثاق روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يصنف جريمة الغدر كالتي نفذها الاحتلال في مخيم النصيرات كجريمة حرب.
الهلال الأحمر يحذر من خطورة استخدام الاحتلال شاحنات المساعدات
من جهته حذّر الهلال الأحمر الفلسطيني من خطورة استخدام قوات الاحتلال شاحنة مساعدات إنسانية من أجل التسلل إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، بما قد يعرض سلامة الطواقم العاملة في مجال الإغاثة للخطر.
وقال الهلال الأحمر إنّ تنكر قوات الاحتلال داخل شاحنة مساعدات يعتبر جريمة حرب ضد المدنيين ويشكل خرقًا واضحا للقانون الدولي الإنساني والعرفي الذي يحرم جريمة الغدر، معتبرًا أن قوات الاحتلال غدرت الناس والتنكر بغطاء المساعدات التي يتوق لها المدنيون في ظل معاناتهم من مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي، وطالب بضرورة محاسبة سلطات الاحتلال على هذه الجريمة.
اقرأ/ي أيضًا
بروباغندا الخطاب الإسرائيلي وأساليب تبرير الجرائم خلال الحرب على غزة
شبكة حسابات تعمل بالذكاء الاصطناعي تروّج للرواية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة