مع التطور التكنولوجي، يزداد تدفق المعلومات المضللة ليصبح أحد أكبر التحديات التي تركز عليها الحكومات والمؤسسات المعنية. في 10 يناير/كانون الثاني الفائت، أصدر منتدى الاقتصاد العالمي (منتدى دافوس) تقريرًا عن المخاطر العالمية المتوقعة خلال العقد المقبل. وفقًا لنتائج الاستطلاع عن المنتدى، تصدرت المعلومات المضللة قائمة المخاطر العالمية على المدى القصير.
في السياق ذاته، تزايدت الدراسات العلمية حول الموضوع، حيث أشارت دراسة نشرت في مجلة "نيتشر" إلى وجود فجوات معلوماتية (Information Voids) في نتائج محركات البحث كمحرك "غوغل". وأوضحت الدراسة أن البيانات التي توفرها محركات البحث حول موضوع معين كثيرًا ما تفتقر إلى الأدلة، مما يؤدي إلى انتشار معلومات غير موثوقة بكثرة.
كما أشارت الدراسة، إلى أن هذه الفجوات مثلت فرصة لنشر المعلومات المضللة وأداة حجب للحقيقة خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يسعون للتأكد من صحة المواضيع المثيرة للشكوك. تقترح الورقة البحثية أن حملات التوعية الإعلامية التي تركز على "البحث فقط" عبر الإنترنت للتحقق من صحة المعلومة غير كافية، فمحركات البحث بحاجة إلى تطوير كي تصبح أكثر كفاءة ودقة في النتائج.
تأثير الحقيقة الوهمية في تصديق المعلومات المضللة
ركّز الباحثون في دراستهم على "تأثير الحقيقة الوهمية" وهو ميل الناس إلى تصديق المعلومات كلما تعرضوا إليها بشكل متكرر، حتى لو كانت هذه المعلومات غير صحيحة. وأشارت الدراسة إلى أن هذا الأمر كان موجودًا قبل العصر الرقمي، لكنه أصبح أكثر وضوحًا الآن بسبب تطور محركات البحث وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
في دراسة حديثة أشارت إليها مجلة "نيتشر"، وجد كيفين أسليت، عالم السياسة في جامعة سنترال فلوريدا، أن الأشخاص الذين استخدموا محرك البحث "غوغل" للتحقق من دقة الأخبار غير الصحيحة انتهى بهم الأمر إلى الثقة بهذه الأخبار أكثر. ذلك لأن محاولات البحث عن مثل هذه الأخبار جعلتهم أكثر عرضة لمصادر تدعم قصصًا غير دقيقة.
على سبيل المثال في تجربة أجريت، حاول المشاركون التحقق من صحة ادعاء مفاده أن الحكومة الأميركية تسببت في مجاعة بسبب الإغلاق أثناء جائحة كوفيد 19. عندما بحث المشاركون على محركات البحث حول الموضوع، باستخدام مصطلحات مثل "مجاعة مُدبَّرة"، وجدوا مصادر تؤكد حدوث هذه المجاعة بالرغم من افتقار هذه المزاعم للأدلة. النتائج كانت مشابهة عندما استخدم المشاركون في الدراسة مصطلحات بحث أخرى غير مثبتة حول فايروس كورونا، كالادعاء أنه لا ينتشر بين الأشخاص الذين لا يعانون من أعراض، أو أنه ينتشر بين الناس حتى بعد تلقيهم اللقاح.
غوغل ترد على نتائج الدراسة
تواصلت مجلة "نيتشر" مع غوغل لمناقشة نتائج دراستها، وللسؤال أيضًا عن كيفية تحسين جودة المعلومات في نتائج البحث. ردت الشركة بأنها تستخدم خوارزميات تصنف النتائج بناءً على جودتها وتوافقها، مع إجماع مصادر الخبراء حول موضوع ما، وبهذه الطريقة، يقلل محرك البحث من ظهور المعلومات غير المثبتة. بالإضافة إلى ذلك، قالت غوغل إن نتائج البحث لديها ترفق أحيانًا بتحذيرات كتلك التي تظهر بجوار الاخبار مثل "خبر عاجل" والتي تفيد بالإشارة إلى أن القصة قد تتغير وأنه يجب على القراء العودة لاحقًا للحصول على المزيد من المعلومات، كما أشارت أيضًا إلى إرفاقها لنتائج البحث بعلامة "حول هذه النتيجة" التي تشرح المزيد عن مصدر الخبر، عند الضغط عليها.
ما الذي يمكن القيام به لتوجيه الناس إلى مصادر تحقق أفضل؟
تقول مجلة "نيتشر" بأنه من الواضح أن عملية نسخ ونشر المعلومات غير الدقيقة على محركات البحث هو أمر يحدث بشكل متكرر مما يعزز المعلومات الخاطئة. ووجدت الدراسة أن "غوغل" لا تزيل المحتوى يدويًا أو ترتب النتائج بحسب جودتها ولا تراقب أو تعدل المحتوى كما تفعل مواقع التواصل الاجتماعي. وترى الدراسة أنه في المستقبل سوف تتطور آليات تصنيف نتائج البحث على أساس مقاييس الجودة. ولكن يمكن أن تكون هناك أساليب إضافية لمنع الأشخاص من الوقوع في فراغ البيانات والمعلومات الخاطئة.
تقترح الدراسة تحسين آليات التحقق من المعلومات والنتائج على محركات البحث، عن طريق إدخال عنصر بشري يسهم في تعزيز نظم التحقق، خصوصًا في الموضوعات التي تفتقر إلى بيانات موثوقة. وترى الدراسة أن كيفية تحقيق ذلك هو تحدٍ كبير لكنه أمر مهم، ولا يهدف للرقابة على المحتوى، بل لحماية الناس من الضرر الذي تسببه المعلومات المضللة.
تحسين الثقافة الإعلامية
تقترح الدراسة، أيضًا، دعم الأبحاث الموجهة نحو تحسين الوعي الإعلامي، بما في ذلك تطوير نظم تعليم أفضل حول كيفية التمييز بين المصادر المختلفة في نتائج البحث. مايك كولفيلد، الذي يدرس الوعي الإعلامي ومهارات التحقق عبر الإنترنت في جامعة واشنطن، يؤكد على أهمية تعليم مهارات البحث لشرائح أكبر من الناس. ويوصي بالبدء بالاستعانة بالأشخاص المشهورين على وسائل التواصل الاجتماعي، نظرًا لتأثيرهم الكبير على الجمهور. وأشارت الدراسة إلى أن المجلات البحثية، مثل مجلة "نيتشر" تلعب دورًا في سد فراغ البيانات ولا يمكن أن يكون الموضوع هو مسؤولية شركات محركات البحث فقط. إذ إن أي استجابة لمكافحة المعلومات الخاطئة والمضللة يجب أن تكون نتيجة جهود مشتركة.
مكافحة المعلومات المضللة حاجة ملحة
تختم الدراسة القول بأن هناك حاجة مستقبلية وملحة للعمل على معالجة التدفق الهائل للمعلومات المضللة، خصوصًا أن الذكاء الاصطناعي التوليدي والنماذج اللغوية الكبيرة تزيد من انتشارها. وتلاحظ الدراسة أن العبارة الشائعة "ابحث عبر الإنترنت" للتحقق من صحة المعلومات، أدت إلى زيادة تدفق المعلومات غير الدقيقة بدلًا من تقليلها.
اقرأ/ي أيضًا
دراسة: نتائج محركات البحث حول المعلومات المضللة تزيد من احتمال تصديقها
دراسة: برامج شات بوت لم تقدم إجابات جديرة بالثقة بشأن الانتخابات الأوروبية