تصدر تحالف الجبهة الشعبية الجديدة اليساري، نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا بعد دورتين أقيمتا في 30 يونيو/حزيران و7 يوليو/تموز 2024، احتل بموجبهما التجمع الوطني اليميني المتطرف المركز الثالث في البرلمان الفرنسي بـ143 مقعدًا فقط، بعد أن كانت نتائج الانتخابات في صالحه خلال الدورة الأولى.
وتزامنًا مع هذا الصعود التاريخي لليسار في فرنسا، انتشرت ادعاءات مضللة على مواقع التواصل الاجتماعي تستهدف المهاجرين خاصة العرب والمسلمين منهم.
ونشرت حسابات فرنسية مشاهد ادعت أنّها تظهر آلاف الفرنسيين وهم يتظاهرون عقب فوز تحالف اليسار في الانتخابات البرلمانية، رافعين الأعلام الفلسطينية، في غياب للأعلام الفرنسية.
لكن الفيديو قديم، ولا علاقة له بالانتخابات التشريعية الفرنسية، ويوثٌّق مظاهرة خرجت في مدينة ليون الفرنسية، في مطلع شهر يونيو/حزيران الفائت، احتجاجًا على الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة.
ونشرت حسابات، صورة ادّعت أنّها لجزائريين رفعوا علم بلادهم احتفالًا بفوز الجبهة الشعبية الجديدة في الانتخابات، في ساحة الجمهورية في باريس.
إلا أنّ المشاهد لمتظاهرين جزائريين يحتجون عام 2019، على ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة على التوالي.
ونشر حساب على موقع إكس باسم "Daily Reports" مقطع فيديو نسب فيه لأحد المهاجرين في فرنسا القول "سنغتصب جميع النساء البيض في أوروبا ونقطع رؤوس جميع الرجال".
لكن تبين أنّ الفيديو قديم ومنشور منذ عام 2019، عقب مرور المنتخب الجزائري إلى الدور النهائي من بطولة كأس أفريقيا لكرة القدم، المقامة في مصر، حينها. والترجمة مفبركة. إذ قال المتدخل، الذي عرف نفسه بأنه تونسي في المقطع الأصلي، "رغم اختلاف أصولنا كلنا فرنسيون.. أنظر لم تحدث أي مشاجرة، أو أي مشاكل، ولم يحترق أي شيء".. "لسنا السترات الصفراء، أو حركة البلاك بلوك، نحن هنا وستبقى هنا".. "نحن فرنسيون ولدنا في فرنسا ونبقى أفارقة".
صور مضللة مولدة بالذكاء الاصطناعي
انتشرت على موقع إكس، العديد من الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي منها صورة لبرج إيفل يعلوه وجه امرأة ترتدي النقاب، وأرفقت بالعديد من التعليقات المسيئة من بينها "فرنسا من عصر التنوير إلى كابوس الظلام". وحصدت الصورة أكثر من 14 مليون مشاهدة و118 ألف إعجاب و14 ألف مشاركة.
كما نشرت صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي تظهر تجمهرًا لرجال ملتحين أمام برج إيفل وهم بصدد التظاهر رافعين علم فلسطين، وتحيط بهم أكوام من القمامة. وأرفقت بتعليق "الحضارة تتلاشى شيئًا فشيئًا ونحن نشاهد" في إيحاء إلى أن العرب والمسلمين سيكونون سببًا في فوضى عارمة ستحدث في فرنسا.
وانتشر خبر مفاده أن 875 كنيسة تعرضت للاعتداء سنة 2018 في فرنسا، وتم إرفاق الخبر بصورة مولدة بالذكاء الاصطناعي تظهر تعمد رجال ملتحين إضرام النار في الكنائس وتحطيمها.
لكن وفق تقرير صحيفة ليبراسيون الفرنسية، فإنّ الأرقام التي نشرت حول الاعتداءات على الكنائس والتي قالت إنّ الدرك صرح بأنها 877، فيما وفق وزارة الداخلية بلغت حوالي 700 اعتداء، تجمع وقائع ذات طبيعة مختلفة. وأشارت أنّ الكتابة على الجدران مثلًا تعتبر اعتداءً.
وحين استفسرت الصحيفة حول مصادر الضرر، إن كانت لها خلفية دينية أو قومية أو فوضوية، رفضت الوزارة تقديم التفاصيل، مذكّرة فقط بأنه "يجب احترام جميع المباني الدينية"، وفقها.
فأي تبعات لهذه الحملات المضللة على المهاجرين العرب والمسلمين في فرنسا؟
ادعاءات مضللة تحاول ربط العرب والمسلمين بالفوضى والخراب
تسعى الحملات المضللة ضد العرب والمسلمين التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التسويق بأن صعود اليسار سيجلب الفوضى والخراب لفرنسا بسبب دعمه لحقوق المهاجرين.
يقول رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إنه منذ صعود التيارات اليمينية المتطرفة يتعرض العرب والمسلمون في الفضاء الأوروبي إلى تضييقات وممارسات عنصرية وإسلاموفوبيا.
كما تواترت في السنوات الأخيرة، وفقه، قوانين هدفها التضييق على وجودهم في الفضاء الأوروبي ووصمهم بالإرهاب والجريمة والعنف، وأصبحوا كذلك ورقة انتخابية ليس فقط لليمين المتطرف بل كذلك للقوى المحافظة، وحتى بعض القوى التي كانت تعتبر يسارية أصبحت مواقفها من الهجرة أكثر تشددًا.
وأضاف بن عمر في حديثه لـ"مسبار" أن العرب والمسلمين مكون أساسي في فرنسا لكن العديد من التصريحات العنصرية أصبحت تستعمل ضدهم مما يجعل وضعيتهم في الفضاء الفرنسي حرجة ودقيقة، مبينًا أن التوافق الذي حدث على قانون الهجرة الفرنسي جردهم من العديد من الحقوق، وأصبح العديد منهم مهددون بالطرد تحت عنوان مخالفة قيم الجمهورية الفرنسية، وهي عناوين فضفاضة وقابلة للتأويل ويمكن الارتكاز عليها لعملية تبرير حملات التجريد من الجنسية والطرد الواسعة للمهاجرين وحرمانهم من الامتيازات الاجتماعية.
ويضيف المتحدث أنه خلال السنوات الأخيرة بعض القوى المتطرفة تستعمل الشبكات الاجتماعية وأدوات الذكاء الاصطناعي للترويج لخطابها الدعائي وللتهرب من أي ملاحقة قانونية نتيجة خطاب العنصرية والكراهية والهدف هو التخويف من المهاجرين خاصة العرب والمسلمين والترويج لأنهم تهديد أمني وديمغرافي وتهديد للهوية الأوروبية والفرنسية وغيرها وتصويرهم على أنهم خطر قادم على القيم التي يعتقدون أنهم يمتلكونها.
كما أشار إلى أن هذا الخطاب يلقى رواجًا لدى العديد من الفئات ويستفيد من الانفلات الموجود على الأدوات الإلكترونية ويستعمل بكثرة في الخطابات والدعايات الانتخابية لتشويه المنافسين، لافتًا إلى أن ما حدث في فرنسا هو عملية إيقاف للمد اليميني المتطرف لكن على مستوى السياسة لن يمنع الحملات المتصاعدة ضد المهاجرين خاصة العرب والمسلمين التي مازالت متواصلة.
حسب بن رمضان، فإنّ الحكومات العربية لا تبذل جهدًا كاف للدفاع عن مواطنيها لدى هذه الدول. ويضيف “الدول الغربية تدافع على مصالحها الاقتصادية والمالية في دول الجنوب وتستعمل حتى القوة العسكرية، في حين دول الجنوب لا تبذل مجهودًا على المستوى الدبلوماسي والثقافي والعلاقات للدفاع عن حقوق منظوريها”.
ويختم "للأسف أحيانًا تتواطأ هذه الدول وتنخرط في مقاربات مع القوى اليمينية في عمليات طرد المهاجرين".
اقرأ/ي أيضًا
مشاهد مضللة رافقت الانتخابات الفرنسية وفوز تحالف اليسار
لا أدلة على تورّط مهاجرين جزائريين في اعتداءين بالسكين في ألمانيا وفرنسا