` `

بين نفي سعيّد والواقع السياسي: ما هي التضييقات التي يواجهها مترشحو الرئاسة في تونس؟

زينة البكري زينة البكري
سياسة
7 أغسطس 2024
بين نفي سعيّد والواقع السياسي: ما هي التضييقات التي يواجهها مترشحو الرئاسة في تونس؟
منظمات حقوقية رصدت تعرض المترشحين الرئاسيين لانتهاكات

قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، إنّه لم يتم التضييق على أيّ مترشح للانتخابات الرئاسية، وذلك أثناء وجوده بمقرّ هيئة الانتخابات من أجل الترشح لخوض السباق الرئاسي المقرر في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وأضاف سعيّد، في تصريح للصحفيين بتاريخ الخامس من أغسطس/آب الجاري، أنّ من يتحدث عن هذه التضييقات “يتوهم ويعمل على بث الفوضى والفتنة والإشاعات في البلاد”.

وجاءت تصريحات سعيّد في سياق الرد على الانتقادات بالتضييق على المترشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية 2024، ما جعلهم غير قادرين على إكمال ملفات ترشحهم وجمع التزكيات المطلوبة. 

قيس سعيد ينفي تعرض المترشحين للانتخابات الرئاسية للتضييق
قيس سعيد ينفي تعرض المترشحين للانتخابات الرئاسية للتضييق 

مترشحون محتملون: هناك رغبة في إقصائنا والتضييق علينا

رغم نفي السلطات الرسمية في تونس تعرض أيٍّ من المترشحين المحتملين لتضييقات حالت دون استكمال الوثائق اللازمة وجمع التزكيات المطلوبة للترشح للانتخابات، أكدت بعض الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية، حرمان مترشحين من البطاقة العدلية (البطاقة عدد 3)، وتوقيف مسؤولين عن حملات انتخابية لمترشحين آخرين، إلى جانب إصدار بطاقات إيداع بالسجن ضد مترشحين بارزين. 

وبتاريخ 31 يوليو/تموز الفائت، أعلن 11 مترشحًا محتملًا لرئاسيات تونس تعرضهم لانتهاكات وتجاوزات مع انطلاق المسار الانتخابي، مؤكدين أنّ ذلك "يشي بوجود رغبة جليّة في إقصائهم والتضييق عليهم لفسح المجال أمام مترشح بعينه، ما صار يهدد مصداقية العملية من أساسها"، وفقهم.

وندد المترشحون في بيان لهم، بما اعتبروه "مضايقات تعسفية وأمنية طاولت العديد من النشطاء المنخرطين في حملات تجميع التزكيات، بلغت حد اعتقال العديد من المنسقين وافتكاك التزكيات"، إضافة إلى “حرمان أغلب المترشحين للانتخابات من حقهم في الحصول على البطاقة العدلية” الأمر الذي اعتبروه "انتهاكًا واضحًا لحقوقهم المدنية والدستورية".

وحمل المترشحون هيئة الانتخابات في تونس مسؤولية تعقيد الإجراءات والشروط بما يخالف النصوص النافذة والقانون الانتخابي، داعين إياها إلى "السهر على حرية المواطنين في تزكية أيّ مرشح واحترام معطياتهم الشخصية بعيدًا عن التخويف والترهيب"، بحسب نص البيان.

وعبر المترشحون عن مخاوفهم من أن يتحول الاستحقاق الانتخابي في تونس إلى "مسرحية شكلية فاقدة لأي مصداقية، في حال غياب الحدّ الأدنى من احترام ظروف المنافسة النزيهة".

قرارات قضائية بسجن مترشحين ومنعهم من الترشح مدى الحياة 

يواجه بعض المترشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية في تونس أحكامًا سجنية متفاوتة وملاحقات قضائية بتهم مختلفة، وفي حين تعتبر السلطة هذه الملاحقات تطبيقًا للقانون يرى معارضون لها أنها "أحكام تهدف لإزاحتهم من السباق الرئاسي".

وقبل ساعات من غلق باب الترشح للانتخابات الرئاسية، قضت الدائرة الجناحية بتونس بسجن رئيس حزب العمل والإنجاز عبد اللطيف المكي والناشط السياسي نزار الشعري والمترشح عادل الدو، لمدة ثمانية أشهر مع حرمانهم من الترشح مدى الحياة وذلك على خلفية توجيه تهمٍ لهم تتعلق بافتعال التزكيات الخاصة بالانتخابات الرئاسية وتقديم عطايا قصد التأثير على الناخبين. 

كما قضت الدائرة نفسها بسجن القاضي السابق مراد المسعودي والناشطة السياسية ليلي الهمامي -والتي تم قبول ملف ترشحها قبل صدور الحكم- بثمانية أشهر سجنًا مع النفاذ العاجل، باعتبار أنهما محالان بحالة فرار، وذلك وفق ما نقلته إذاعة موازييك المحلية.

إضافة إلى ذلك، تم إصدار أحكام بالسجن تتراوح بين ثمانية أشهر وعامين ضدّ أعضاء الحملة الانتخابية لكل من المترشحين نزار الشعري وعبد اللطيف المكي.

القضاء بالسجن للمترشحين الرئاسيين لنزار الشعري وعبد الللطيف المكي
القضاء بالسجن للمترشحين الرئاسيين لنزار الشعري وعبد الللطيف المكي

ولم يكن هذا الحكم الأول الصادر في حق السياسي والوزير الأسبق عبد اللطيف المكي، فقد سبق أن تم إصدار قرار قضائي ضدّه بتاريخ 12 يونيو الفائت يمنعه من مغادرة الحدود الترابية لمعتمدية الوردية (مقر إقامته)، إضافة إلى منعه من الظهور الإعلامي، وذلك عقب إعلانه عن نيته الترشح لرئاسيات 2024.

وبتاريخ الثالث من يوليو 2024، أوقفت السلطات الأمنية المترشح المحتمل للانتخابات الرئاسية ورئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي، ليتمّ بتاريخ 19 يوليو، الحكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أشهر مع منعه من الترشح للانتخابات مدى الحياة.

وكان المرايحي قد أعلن بداية شهر إبريل/نيسان الفائت، في مقطع فيديو نشره عبر حسابه على فيسبوك، نيته الترشح للانتخابات الرئاسية في البلاد، وانتقد فيه سياسة الرئيس التونسي قيس سعيّد.

ووفق الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في تونس، محمد زيتونة، فإنّ قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس أصدر بطاقة إيداع بالسجن حينها ضد لطفي المرايحي والكاتبة العامة لحزبه، من أجل شبهة "تكوين وفاق قصد غسل الأموال وتهريب مكاسب للخارج، والتعامل بين مقيم وغير مقيم".

بين النفي والتأكيد: ما حقيقة حرمان مترشحين من بطاقة السوابق العدلية 

بعد تنقيح القرار عدد 18 لسنة 2014 المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات الرئاسية، اشترطت هيئة الانتخابات تضمين بطاقة السوابق العدلية في ملف الترشح، وهي وثيقة إدارية تمنحها وزارة الداخلية التونسية.

وأكد عدد من المترشحين المحتملين للسباق الرئاسي في تونس، عدم تمكنهم من الحصول عليها، رغم تقديمهم للمطالب اللازمة، قبل أسابيع من فتح باب الترشحات، الأمر الذي أثار جدلًا في الساحة السياسية، إذ أعلن كلّ من الوزير الأسبق منذر الزنايدي والناشط السياسي عماد الدايمي ومدير الأمن السابق كمال العكروت والمخرج نصر الدين السهيلي ورجل الأعمال والمغني كريم الغربي، أنهم لم يتمكنوا من تحصيل البطاقة العدلية لاستكمال ملف ترشحاتهم.

وقالت ليلى الوسلاتي محامية منذر الزنايدي، في تصريحات صحفية، إنها قامت بتقديم ملف ترشح موكلها الموجود خارج البلاد، مشيرة إلى أنّ الملف مكتمل وتنقصه فقط بطاقة السوابق العدلية لأسباب خارج عن إرادتهم.

من جهته، قال الناشط السياسي عماد الدايمي إنه تلقى مراسلة من وزارة الداخلية التونسية أكدت فيها “حجب البطاقة عدد 3 عنه، دون انتظار الأوراق الجديدة التي طلبوها منه” في بيان صدر عنه يوم أمس السادس من أغسطس الجاري.

واعتبر الدايمي الذي قدم ملف ترشحه منقوصًا، أنّ “نية الإقصاء والاستبعاد من السباق واضحة وجلية، خصوصًا وأنه نجح في جمع التزكيات الشعبية وملفه مكتمل وجاهز للإيداع” مؤكدًا أنه وجه تنبيهًا إلى وزير الداخلية بضرورة الامتثال للقانون ومده بالبطاقة العدلية دون أي شروط، غير أنّ الوزارة رفضت استلام التنبيه.

وفي السياق نفسه، قدم المترشح كمال العكروت ملف ترشحه منقوصًا، مشيرًا في منشور له في حسابه على موقع فيسبوك، أنّه قدّم مطلبًا للحصول على بطاقة السوابق العدلية بتاريخ 26 يونيو الفائت ولكن لم يتحصل عليها.

وأوضح العكروت، أنّه تلقى برقية من الإدارة المكلفة، تقول إنّه يتعذّر عليها تسليم البطاقة وتدعوه إلى تحيين بطاقة هويته، مشيرًا إلى أنّ "الممارسة عبر المسار الإداري للترشح للانتخابات الرئاسية أثبتت أن السلطة القائمة قررت إقصاء كل صوت معارض والاستقواء بالإدارة للمضي نحو نظام غير ديمقراطي رافض للتعددية والتناوب السلمي على الحكم".

ولم يتمكن رجل الأعمال التونسي كريم الغربي المشهور باسم "كادوريم" من تقديم ملف ترشحه رغم أنه أعلن في وقت سابق نيته الترشح لخوض السباق الرئاسي.

وقال في بيان نشره عبر حسابه على فيسبوك، إنّ فريق حملته الانتخابية تعرض للإيقاف وتم الحكم عليهم من سنتين إلى 4 سنوات سجنًا، واصفًا الأحكام يـ "الجائرة والقاسية". 

كما أكد الغربي أنه لم يتحصل على بطاقة السوابق العدلية وبطاقة الإقامة وشهادة الجنسية، وهي وثائق مطلوبة لاستكمال ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية.

وبعد تصريحات الغربي، أكد الناطق باسم المحكمة الابتدائية بمحافظة جندوبة علاء الدين العوادي، أنه تم فتح  بحث تحقيقي ضده وكل من سيكشف عنه البحث وذلك من أجل "القيام بتقديم عطايا نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخب أو استعمال نفس الوسائل لحمل الناخب على الامساك على التصويت".
وأضاف العوادي، في حديث لوكالة الأنباء الرسمية، أن قرار الإحالة جاء كاستتباع للأبحاث التي أجريت في شهر  يوليو الفائت، ضد أربع نساء، وذلك على خلفية اتهامهن بتجميع تزكيات بمقابل لفائدة الراغب في الترشح للانتخابات الرئاسية كريم الغربي المُحال على التحقيق.

بدوره، أعلن المترشح نصر الدين السهيلي انسحابه من السباق الرئاسي، مرجعًا ذلك إلى ما اعتبره "إمعان السلطة في المسرحية الانتخابية وحرمانها عنوة ودون حرج عديد المترشحات والمترشحين الجادين من تقديم ملفاتهم، بوضعهم في السجن وعدم إطلاق سراحهم".

كما أكد السهيلي أنه توجه بتاريخ السادس من أغسطس الجاري وهو آخر يوم لقبول الترشحات، للحصول على بطاقة السوابق العدلية الخاصة به، غير أنه أُعلم بوجوب تقديم ما يثبت مآل الحكم في قضية تعود إلى عام 2013، عقب رشقه وزير الثقافة مهدي مبروك، ببيضة، حينها.

الداخلية التونسية: عدم منح البطاقة العدلية لمن تعلقت بهم قضايا جزائية 

في بلاغ صدر يوم السادس من أغسطس الجاري، قالت وزارة الداخلية التونسية إنّ كل من تقدم بطلب للحصول على بطاقة السوابق العدلية تم تمكينه منها، باستثناء من تعلقت بهم قضايا جزائية أو من كان محل تفتيش لفائدة العدالة.

وأكدت الداخلية أنها قامت بدعوة هؤلاء إلى الاتصال بمختلف الوحدات الأمنية وتمكينهم من أعداد وتواريخ القضايا المتعلقة بهم قصد الإفادة بآلاتها ونتائجها، وذلك لتحيين سجلاتهم العدلية المعتمدة أساسًا في استخراج بطاقة السوابق العدلية والتي لا يمكن بدونها إسداء هذه الخدمة، وفقها.

بلاغ  الداخلية التونسية حول منح البطاقة العدلية للمترشحين الرئاسيين

 بوعسكر ينفي وجود تضييقات بشأن منح بطاقة السوابق العدلية للمترشحين

من جهته، نفى رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، في تصريحات للصحفيين بتاريخ الرابع من أغسطس الجاري، وجود تضييقات بشأن منح بطاقة السوابق العدلية، مؤكدًا أنّ جزءً كبيرًا من المترشحين المحتملين لرئاسية 2024 لم يتقدموا بمطالب للحصول على تلك البطاقة، وفقه. 

منظمات غير حكومية: المناخ السياسي في تونس متوتر 

قالت لجنة العدالة، وهي جمعية مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان، ومقرها جنيف، في تقرير صدر عنها، مؤخرًا، إنّ المناخ السياسي المحيط بالانتخابات في تونس متوتر، مع إعلان أحزاب المعارضة مقاطعة الانتخابات بسبب المخاوف من عدم وجود منافسة عادلة، واعتقال الخصوم السياسيين، وتنديدهم بما يرونه "مهزلة انتخابية" قادمة.

وأضاف التقرير، أن المدة التي سبقت الانتخابات الرئاسية شهدت العديد من الإجراءات من قبل الرئيس التونسي قيس سعيد وإدارته؛ والتي قد تشكل انتهاكات للقانون الدولي، من أهمها؛ قمع حرية التعبير ووسائل الإعلام بشكل منهجي، ووضع قيود على حرية التجمع وتكوين الجمعيات، والاحتجاز التعسفي والاضطهاد السياسي، وعدم نزاهة الانتخابات وتقييد المنافسة العادلة من خلال مراسيم قانونية، وتقويض استقلالية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وقمع المعارضة السياسية.

وذكر تقرير اللجنة ما اعتبره "حالات القمع التي مارستها السلطات التونسية مع معارضين رئيسين قُبيل انتخابات الرئاسة، مثل؛ عبير موسى، زعيمة الحزب الدستوري الحر، وراشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة ورئيس البرلمان السابق قبل حله من قبل قيس سعيد، وأيضًا العجمي الوريمي، الأمين العام لحزب النهضة، وعصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري، وغيرهم ممن تم اعتقالهم.

لجنة العدالة ترصد انتهاكات بحق المترشحين التونسيين لانتخابات الرئاسة 2024
لجنة العدالة ترصد انتهاكات قبل الانتخابات الرئاسية في تونس 2024

من جهتها، قالت منظمة أنا يقظ في 30 يوليو الفائت، إنها تابعت منذ الإعلان عن الرزنامة الانتخابية للانتخابات الرئاسية لسنة 2024، عملية الاستعداد لفترة قبول الترشحات وقد سجّلت عديد الخروقات التي من شأنها أن تمسّ من الحقّ الكوني في الترشّح للانتخابات.

وأكدت المنظمة، أنّ “الهرسلة” التي يتعرض لها عدد من المترشحين المحتملين وممثليهم خلال عملية جمع التزكيات من قبل بعض هياكل الدولة، و"وقوف الهيئة صامتة أمام هذه الممارسات رغم أنها مسؤولة عن حسن سير العملية الانتخابية" هو مؤشر على عدم تعاملها بحيادية أمام جميع المترشحين المحتملين.

وأوضحت أنّ عدم مدّ عدد من المترشحين بالبطاقة المتعلّقة بالخلو من السوابق العدلية (بطاقة عدد 3) هو انخراط لهياكل الدولة، خاصّة وزارة الدّاخلية، في حرمان عدد من المترشحين المحتملين دون غيرهم من حقّهم في الترشّح، وهو ضرب لمبدأ حياد الإدارة المحمول عليهم.

ودعت المنظمة في ختام بيانها، الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى تحمل مسؤوليتها كاملة في خلق مناخ انتخابي سويّ يسوده الحياد والاستقلالية، وتنبهها بوجوب احترامها لمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص أمام المترشحين المحتملين وفق ما ينص عليه القانون.

منظمة أنا يقظ تصدر بيانًا بخصوص الانتخابات الرئاسية التونسية 2024

غلق باب الترشحات للانتخابات الرئاسية وقبول 17 ملفًا 

أكد مرصد شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية، أنّ هيئة الانتخابات تلقت 17 ملف ترشح للانتخابات الرئاسية في الفترة الممتدة بين 29 يوليو و6 أغسطس 2024.

وأكد المرصد أنّ مجلس هيئة الانتخابات يشرع بداية من يوم السابع من أغسطس الجاري، في دراسة ملفات الترشح، على أن يكون الإعلان عن القائمة الأولية للملفات المقبولة يوم 11 أغسطس، ليتم بعد ذلك فتح باب الطعون.

ووفق ذات المصدر، فإنه سيتم الإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين يوم الرابع من سبتمبر/أيلول المقبل. 

اقرأ/ي أيضًا

واقع مكافحة الأخبار الزائفة في تونس قبل الانتخابات الرئاسية

هل ساهم المرسوم 54 في مكافحة الإشاعات والحدّ من انتشارها في تونس؟

الأكثر قراءة