` `

بعد تسببها في أحداث عنف: كيف يتم التصدي لموجة المعلومات المضللة التي تجتاح العالم حديثًا؟

محمود حسن محمود حسن
سياسة
12 أغسطس 2024
بعد تسببها في أحداث عنف: كيف يتم التصدي لموجة المعلومات المضللة التي تجتاح العالم حديثًا؟
التصدي للمعلومات المضللة أصبح ضرورة ملحة بعد حوادث العنف الأخيرة

تشهد الفترة الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في موجات الكراهية المدفوعة بالمعلومات المضللة، والتي بلغت مستويات مقلقة وفقًا لتقارير عديدة.  أحدث الأمثلة على هذا الخطر المتزايد تمثّل في موجة العنف العارمة التي اجتاحت المملكة المتحدة ضد المسلمين، بعد حادثة طعن مأساوية وقعت في مدينة ساوثبورت في يوليو/تموز الفائت. ونُسب الهجوم الذي أودى بحياة ثلاثة أطفال زورًا إلى مهاجر مسلم.

أمام التحديات المتزايدة الناتجة عن انتشار المعلومات المضللة، تجد الحكومات والمؤسسات المعنية نفسها في موقف حرج. القوانين الحالية غالبًا ما تقيّد قدرتها على التدخل الفعّال ضد هذا النوع من التضليل، مما يعقّد عملية سن تشريعات جديدة تهدف إلى ضبط انتشار المعلومات المضللة. 

تجد هذه الحكومات نفسها تحت ضغوط كبيرة من جهات متعددة، فمن جهة هناك من يعدّ إجراءتها تهديدًا لحرية التعبير، ومن جهة أخرى، تستغل جهات عديدة كجماعات اليمين المتطرف حق حرية التعبير لمحاربة هذه القوانين، معتبرةً إياها أدوات قمعية.

هذه التوترات بين الحاجة إلى مكافحة المعلومات المضللة وحماية حرية التعبير، تجعل من الصعب تحقيق التوازن المطلوب. نتيجة لذلك، تبحث الحكومات والمؤسسات عن طرق جديدة ومبتكرة لمواجهة هذا الموقف الحرج، بما في ذلك تعزيز التعاون مع المجتمع المدني وزيادة الشفافية في إدارة المحتوى عبر الإنترنت، وهو ما جاء التركيز عليه حديثًا.

حزمة إجراءات بريطانية للتدخل المبكر في مكافحة التضليل

حتى مع تسبب التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي أعمال عنف، تجد (Ofcom) وهي الهيئة التنظيمية للسلامة على الإنترنت في بريطانيا، نفسها غير قادرة على اتخاذ إجراءات إنفاذ فعالة وسريعة. فلن يدخل قانون السلامة البريطاني على الإنترنت الذي يهدف إلى مكافحة خطاب الكراهية، حيز التنفيذ إلا في أوائل عام 2025 وقد لا يكون كافيًا للحماية من بعض أشكال المعلومات المضللة، بحسب مراقبين.

إلا أن الهيئة البريطانية الناظمة أرسلت مؤخرًا طلبًا مستعجلًا إلى منصات التواصل الاجتماعي، حثت فيه القائمين على إدارة المحتوى في المنصات ألا ينتظروا تنفيذ القانون الجديد، وأنهم يجب أن يفعلوا المزيد لضمان مكافحة المعلومات المضللة، بشكل أسرع.

وشددت بريطانيا مؤخرًا القيود على مروّجي المعلومات المضللة، وجاء على لسان رئيس وزرائها كير ستارمر أن الحكومة ستتخذ إجراءات جنائية ضد من ينشر معلومات مضللة على الإنترنت، وخاصة تلك التي تتسبب بحوادث عنف.

إصلاح المناهج الدراسية وإدخال مواد لاكتشاف الأخبار المضللة

كخطوات أولية يمكن تطبيقها بسرعة، أعلنت وزيرة التعليم في المملكة المتحدة، عن إجراء تغييرات على المناهج الدراسية لتعليم الأطفال كيفية اكتشاف المحتوى المتطرف والأخبار المزيفة على الإنترنت.

ستنفذ الخطوات من خلال تضمين مهارات التفكير النقدي في دروس اللغة الإنجليزية، وتكنولوجيا المعلومات، والرياضيات. وهو تغيير يهدف إلى تسليح الطلاب بالمعرفة والمهارات اللازمة لتحدي المعلومات المضللة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب الحكومة البريطانية.

أستراليا تحذو طريق المملكة المتحدة

في السياق ذاته، تريد أستراليا تطبيق نموذج تعليمي مماثل لمكافحة المعلومات المضللة. وأشارت جين هانتر، الأستاذة المساعدة في جامعة سيدني، إلى أن تطبيق خطة بريطانيا المتعلقة لتعليم مكافحة التضليل في أستراليا يمكن أن يساعد في مكافحة التطرف المتزايد بين الشباب عبر الإنترنت. وتوفير تعليم شامل يعزز قدرة الطلاب على التمييز بين الحقائق والكذب، خاصة مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تزيد من صعوبة التمييز بين الحقيقة والزيف. 

ورغم أن الطلاب الأستراليين يظهرون أداءً جيدًا في التفكير الإبداعي والنقدي بحسب تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إلا أن هناك فجوات تعليمية تحتاج إلى معالجة لتعزيز التفكير النقدي لدى الشباب والذي يعد أمرًا بالغ الأهمية في مواجهة التحديات الرقمية المعاصرة، بحسب المصدر الأسترالي.

الولايات المتحدة وأستراليا في مذكرة تفاهم لمواجهة التضليل

على نحو مماثل، تبدو حكومتا الولايات المتحدة وأستراليا مدركتين للخطر المتزايد للمعلومات المضللة. ففي الخامس من أغسطس/آب الحالي، وقّعت الولايات المتحدة وأستراليا مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مكافحة المعلومات المضللة التي تقودها دول أجنبية. وتعزيز قدرة المجتمع المدني وأنظمة المعلومات على مواجهة تهديدات التضليل الإعلامي، وخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. 

صورة متعلقة توضيحية
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ووزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ يوقعان مذكرة التفاهم (Getty)

اليونيسكو تعزز برامج تمكين التثقيف الاعلامي

تقول منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، أنها تعزز جهودها في تمكين الثقافة الإعلامية والمعلوماتية على مستوى عالمي. وذلك من خلال تنظيم العديد من البرامج والفعاليات لتمكين الشباب من مكافحة المعلومات المضللة من خلال تعزيز مهارات التدقيق في الإعلام والمعلومات، وتطوير حلول مبتكرة تمكنهم من التعرف على المعلومات المضللة والتعامل معها بفعالية. 

فيما تهدف فعالية أخيرة أطلقتها اليونسكو تحت اسم "هاكاثون"، إلى تعزيز التفكير النقدي ومهارات الثقافة الرقمية لدى الشباب، مما يساعدهم على التعامل مع تعقيدات المشهد الإعلامي. 

زيادة الحديث عن التعاون العابر للحدود

مؤخرًا أصدرت مؤسسة بيرتلسمان (Bertelsmann)، تقريرًا يؤكد على أهمية التعاون العابر للحدود بين المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والشركات التكنولوجية الكبرى لمواجهة حملات التضليل الممنهجة. 

أشار التقرير إلى ضرورة توجيه الجهود نحو ضرب الجهات التي تقف خلف إنتاج وتوزيع المعلومات المضللة، باعتبار الظاهرة أصبحت تميل لأن تصبح صناعة بدلًا من التركيز فقط على الحوادث الفردية. 

كما أشار التقرير إلى أهمية العمل على "التوضيح المبكر" (Pre-bunking)، كاستراتيجية لتوعية الناس بالمحتوى المزيف قبل انتشاره، وضرورة قطع التمويل عن القائمين على حملات التضليل.

الأوربيون مستمرون بتعزيز التشريعات المتعلقة بمكافحة التضليل

يتزايد حديث المسؤولين في الاتحاد الأوروبي حول ضرورة تحديث قوانين مكافحة المعلومات المضللة بشكل مستمر، لتواكب التحديات الرقمية المتزايدة وتطور تكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك تطور أدوات التضليل. 

يركّز الأوروبيون على تعزيز التشريعات المختلفة في هذا الإطار، ويُعدّ قانون الخدمات الرقمية (Digital Services Act - DSA)، خطوة بارزة في مواجهة سلطات الاتحاد الأوروبي لهذا التهديد. 

يُلزم القانون باستمرار ويضغط على شركات التكنولوجيا الكبرى مثل فيسبوك وإكس وغوغل، لتقديم تقارير شفافية حول كيفية تعاملها مع المحتوى المضلل، بالإضافة إلى إتاحة البيانات للباحثين المستقلين. 

ووفقًا لسلطات حماية المستهلك الأوروبية، فإن القانون يشجع على تطوير أدوات تُمكّن المستخدمين من التحقق بشكل أفضل من صحة المعلومات.

هل من خطوات عربية جديدة؟

بالمقارنة مع الخطط الغربية التي صممت حديثًا لمكافحة المعلومات المضللة بشكل خاص، وجاءت بشكل أساسي نتيجة لظروف وأحداث مثل موجات الكراهية والعنف، لا تزال معظم التشريعات الرسمية في الدول العربية تتعامل مع الظاهرة باعتبارها تهديدًا غير ملحّ. 

وتُعالج المسألة غالبًا ضمن إطار قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية أو تحت مظلة تشريعات حماية الأمن القومي، وذلك نظرًا لاختلاف الظروف والسياق القانوني والاجتماعي والسياسي.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة عربيًّا في هذا المجال مؤخرًا، إلا أن هناك عقبات تعيق تطبيق هذه القوانين وآليات مكافحة التحقق بالسرعة المطلوبة. يعود ذلك، بشكل كبير، إلى نقص المؤسسات الرسمية المتخصصة في مراقبة المحتوى المضلل بشكل فوري وفعّال وبمنهج غير منحاز.

في ظل هذه الظروف، كان العبء الأكبر في مكافحة المعلومات المضللة مؤخرًا يقع على عاتق المؤسسات غير الحكومية ومنصات التحقق العربية، التي تسعى جاهدة لتعزيز آليات وطرق التصدي للتضليل. ومع ذلك، تواجه هذه المنصات ضغوطًا كبيرة بسبب التدفق الكثيف والمتواصل للمعلومات المضللة.

تعترض الإجراءات الرسمية دومًا صعوبات في التطبيق

في ظل التحديات التي تواجه الحكومات في سن التشريعات المتعلقة بمكافحة المعلومات المضللة، يتجلى المأزق بوضوح بين الحفاظ على حرية التعبير وضرورة مكافحة المعلومات المضللة، التي امتد خطرها لتهديد سلامة الدول والمجتمعات.

 القوانين الجديدة التي تسعى لمكافحة المعلومات المضللة غالبًا ما تكون مثيرة للجدل، إذ يحذر العديد من الخبراء من أنها قد تقيّد حرية التعبير بشكل غير مبرر. على سبيل المثال، في أستراليا، أثارت المسودة الأخيرة لقانون مكافحة المعلومات المضللة مخاوف بشأن تعريفاتها الفضفاضة، والتي قد تؤدي إلى تقييد واسع لحرية التعبير. وتستغل الجماعات التي لها مصلحة في نشر المعلومات المضللة هذه الجزئية، لتستمر في نشر التضليل تحت قناع حرية التعبير.

هنالك مخاوف مستمرة أيضًا من أنّ الحكومات قد تحاول إسكات الأصوات المعارضة واستغلال القوانين الجديدة. في ظل ذلك يرى مهتمون أن المجتمع المدني يجب أن يلعب دورًا حيويًّا في محاولة خلق توازن بين مكافحة المعلومات المضللة وضمان حرية التعبير. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، يعد تعزيز الشفافية وبناء قدرات الأفراد على التمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة خطوة أساسية نحو هذا التوازن.

وبعد أعمال العنف الأخيرة التي شهدتها بريطانيا، تصاعدت الدعوات إلى أهمية دور المجتمع المدني في مختلف الدول لمواجهة خطاب الكراهية والعنصرية، بالإضافة إلى مكافحة المعلومات المضللة التي كانت سببًا في تأجيج تلك التوترات. 

الدعوات التي ترجمت إلى مظاهرات واسعة مناهضة للكراهية، إذ نزل الآلاف إلى الشوارع كرد فعل شعبي يعكس ما قيل إنه وعي متزايد بأهمية مكافحة خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة، والتي أصبحت تشكل تهديدًا حقيقيًا للسلام المجتمعي.

اقرأ/ي أيضًا

غرامات وسجن ومصادرة الأموال والعقارات.. كيف تعاقب الدول مروّجي الأخبار الكاذبة؟

كيف ساهمت الأخبار المضللة بصعود خطاب الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا؟

الأكثر قراءة