في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، أعلنت شركة ميتا، الشركة الأم لموقعي فيسبوك وإنستغرام، عن حجب أداة كراود تانغل (CrowdTangle)، يوم الأربعاء 14 أغسطس/آب الجاري، وهي أداة كانت تُستخدم بشكل واسع من قبل الصحفيين والباحثين ومدققي المعلومات بالإضافة إلى منظمات الرقابة، وتُعدّ أحد الأدوات الرئيسية لمراقبة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وتتبع انتشار المعلومات المضللة.
وأثار هذا القرار احتجاجات قوية من قبل العديد من الجهات الأكاديمية والمنظمات غير الربحية التي اعتمدت على أداة كراود تانغل، لتوفير الشفافية في بيئة تزداد فيها التحديات المتعلقة بالمعلومات المضللة.
قرار ميتا يثير القلق بشأن مراقبة المعلومات المضللة خلال الانتخابات
تزامن إعلان ميتا، عن حجب أداة كراود تانغل مع فترة تعتبرها المؤسسات البحثية والأكاديمية حساسة للغاية، حيث تستعد العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، لخوض الانتخابات. تعتبر هذه الفترة شديدة الأهمية فيما يتعلق بانتشار المعلومات المضللة والتدخلات الانتخابية، وهو ما جعل توقيت الإغلاق مثيرًا للقلق ودفع العديد من المؤسسات إلى الاعتراض على هذا القرار.
إذ كانت الأداة تُستخدم على نطاق واسع لمراقبة هذا النوع من المحتوى، ويعتبر حجبها في هذا التوقيت خطيرًا، مما دفع عشرات المجموعات، بما في ذلك مركز الديمقراطية والتكنولوجيا، إلى توجيه رسالة في مايو/أيار الفائت إلى مارك زوكربيرغ، تحث فيها شركة ميتا على إبقاء الأداة قيد التشغيل حتى يناير/كانون الثاني 2025 على الأقل، لضمان توفرها خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني. وأشارت الرسالة إلى أن حجب كراود تانغل يعرّض آليات الرقابة الأساسية للخطر ويقوض جهود الشفافية التي تتبناها ميتا في فترة تعتبر الأكثر حساسية للديمقراطية الرقمية.
كما حذرت من أن هذا القرار قد يترك فراغًا كبيرًا في مجال مراقبة المعلومات المضللة، حيث لم تثبت الأدوات البديلة التي قدمتها ميتا، مثل مكتبة محتوى ميتا، قدرتها على سد الفجوة التي ستتركها كراود تانغل.
البدائل المقدمة من ميتا: هل تكفي؟
وكانت ميتا قد أعلنت أنها ستستبدل أداة كراود تانغل بأداتين جديدتين، هما مكتبة محتوى ميتا وواجهة برمجة مكتبة المحتوى (Content Library API). ووفقًا للشركة، من المفترض أن توفر هذه الأدوات بيانات أكثر شمولية وجودة عالية للباحثين.
ومع ذلك، يرى النقاد أن هذه الأدوات ليست بديلًا مكافئًا في الواقع، وأعرب العديد من الباحثين عن مخاوفهم بشأن قدرة هذه الأدوات على تقديم نفس المستوى من الشفافية والفعالية التي كانت تقدمها الأداة المغلقة.
ولعل أحد أبرز العيوب التي أشار إليها النقاد هو أن الوصول إلى هذه الأدوات سيكون محدودًا على الباحثين الأكاديميين والمنظمات غير الربحية، مما يستبعد معظم المؤسسات الإخبارية التي كانت تعتمد على كراود تانغل في عملها اليومي. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر الأدوات الجديدة إلى بعض الميزات التي جعلت كراود تانغل فريدة من نوعها، مثل القدرة على تتبع الأداء في الوقت الفعلي وتحليل البيانات بشكل شامل وسهل.
وفي مارس/آذار الفائت، أعلنت شركة ميتا عن نيتها حجب أداة كراود تانغل، في أغسطس 2024. هذا القرار أثار قلق براندون سيلفرمان، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي السابق للأداة، الذي عبر عن مخاوفه حينها ووقع على الرسالة المفتوحة التي نظمتها مؤسسة موزيلا، طالب فيها ميتا بإعادة النظر في قرارها، خاصة في ظل الانتخابات العديدة التي تُجرى حول العالم هذا العام.
وفي حديثه مع مجلة “فاست كومبني”، أعرب سيلفرمان عن مخاوفه من تقليل استثمارات المنصات في ضمان نزاهة الانتخابات، مما قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية، خاصة في ظل الانتخابات الأميركية المقبلة، وأشار إلى القلق من تأثير المحتوى الذي يولده الذكاء الاصطناعي على الانتخابات، والتكرار المحتمل للشكوك التي أثيرت حول نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة، والتي أدت إلى أعمال عنف وزعزعت الثقة في الإدارة الأميركية الحالية.
وأضاف سيلفرمان أن قرار حجب الأداة لم يكن مفاجئًا بالنسبة إليه، حيث لاحظ أن ميتا بدأت تدريجيًا في تهميش الأداة منذ سنوات، مشيرًا إلى أن هناك دلائل واضحة على أن الشركة أصبحت أقل اهتمامًا بتقديم الشفافية التي كانت تميز كراود تانغل.
المفوضية الأوروبية تحقق في امتثال ميتا بعد حجب أداة كراود تانغل
ومن جانبها، طلبت المفوضية الأوروبية من شركة ميتا تقديم معلومات حول مدى امتثالها لقواعد الاتحاد الأوروبي بعد حجب أداة كراود تانغل في 14 أغسطس. وتسعى بروكسل للحصول على تفاصيل حول التدابير التي اتخذتها ميتا لضمان وصول الباحثين إلى البيانات وفقًا لقانون الخدمات الرقمية (DSA)، وتطلب من الشركة تقديم قراراتها بشأن هذا الموضوع بحلول السادس من سبتمبر/أيلول المقبل.
ويأتي هذا الطلب ضمن تحقيق بدأ في إبريل/نيسان الفائت، للتحقق من مدى التزام فيسبوك وإنستغرام بمكافحة المعلومات المضللة، مع اقتراب الانتخابات الأوروبية. وقد أعربت المفوضية عن قلقها بشأن حجب كراود تانغل دون توفير بديل مناسب، مما أثار انتقادات واسعة لضمان نزاهة الانتخابات.
ما هي كراود تانغل (CrowdTangle)؟
تُعدّ كراود تانغل أداة تحليل بيانات قوية تم إطلاقها في عام 2011، واستحوذت عليها شركة ميتا في عام 2016، وتم تصميم الأداة في الأصل كوسيلة لتنظيم المجتمع، لكنها سرعان ما تحولت إلى مورد لا غنى عنه للناشرين والباحثين لفهم تدفق المعلومات عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام، وتقدم كراود تانغل تحليلات شاملة حول أداء المنشورات، بما في ذلك تعقب المشاركة، تحديد الاتجاهات الشائعة، ورصد المحتوى الفيروسي.
وتتميز الأداة بقدرتها على تقديم رؤى تفصيلية حول كيفية انتشار المعلومات على منصات التواصل الاجتماعي، مما يسمح للباحثين والصحفيين بفهم أفضل لكيفية تأثير الخوارزميات على نشر المحتوى، بما في ذلك المعلومات المضللة.
وفي عام 2016، أعلنت فيسبوك عن استحواذها على كراود تانغل، وذلك في وقت كانت تواجه فيه الشركة ضغوطًا متزايدة بسبب انتشار الأخبار الزائفة على منصتها، وساعدت الأدوات الصحفيين في تتبع تدفق هذه الأخبار الزائفة، وبعد الاستحواذ، أكدت كراود تانغل أن علامتها التجارية ستظل تعمل كجزء من فيسبوك، بينما أشارت فيسبوك إلى أن الصفقة ستمكنها من تقديم المزيد من الرؤى للناشرين عبر منصاتها.
اقرأ/ي أيضًا:
ميتا تفرض قيودًا جديدة على استخدام تعبير الصهاينة لمهاجمة الإسرائيليين أو اليهود
ميتا تعتذر عن وسم حسابات فلسطينية على انستغرام بكلمة "إرهابي"