` `

كيف يمكن لاستطلاعات الرأي توجيه الرأي العام وتضليل الناخبين خلال فترات الانتخابات؟

محمود حسن محمود حسن
سياسة
19 أغسطس 2024
كيف يمكن لاستطلاعات الرأي توجيه الرأي العام وتضليل الناخبين خلال فترات الانتخابات؟
بعض النتائج من استطلاعات الرأي قد تكون مضللة للجمهور عن غير قصد

يرى مركز بيو للأبحاث (Pew Research Center)، وهو مؤسسة بحثية غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، أنه مع القوة التي تتخذها استطلاعات الرأي في التأثير على قرارات الجمهور واكتسابها أهمية كبيرة خلال فترة الانتخابات، فإن فهم نقاط القوة والضعف لهذه الاستطلاعات أمر بالغ الأهمية. 

أشارت دراسة قدّمها المركز كيف أن بعض النتائج من استطلاعات الرأي قد تكون مضللة للجمهور عن غير قصد، وخاصة خلال الفترات الحساسة كالفترات الانتخابية.

الاستطلاعات التي تعتمد على المشاركة الاختيارية قد تكون مضللة

مؤخرًا ازدادت شعبية الاستطلاعات عبر الإنترنت التي تعتمد على المشاركة الاختيارية، والتي يعتبرها كثيرون طريقة فعّالة في بعض الحالات كالفترات الانتخابية. ومع ذلك، توجد أدلة تشير إلى أن البيئة عبر الإنترنت التي تعمل فيها هذه الاستطلاعات قد تكون غير مستقرة إلى حد ما، مما يؤدي لتلقي الجمهور نتائج خاطئة.

كما أظهرت دراسات حديثة أن الاستطلاعات عبر الإنترنت قد تحتوي على أخطاء كبيرة بسبب وجود ما يسمى بـ “المستجيبين الوهميين”، وهم الأشخاص الذين لا يجيبون على الأسئلة بصدق وإنما يحاولون إنهاء الاستبانة بأقل جهد ممكن للحصول على مكافآت معنوية أو غيرها. 

على سبيل المثال، في استطلاع أجري في فبراير 2022، سُئل المشاركون في الاستطلاع الاختياري عبر الإنترنت إذا كانوا يحملون رخصة لقيادة غواصة نووية، ووجد أن 12% من البالغين تحت سن الثلاثين ادعوا أنهم يمتلكون هذه الرخصة، بينما في الواقع هذا الرقم يكاد يكون معدومًا.

الاستطلاعات قد تجعلنا عرضة لاتخاذ قرارات الآخرين

يُعرف تأثير العربة بأنه ظاهرة نفسية تشير إلى تزايد احتمال تبني الأشخاص لمعتقدات أو أفكار أو اتجاهات معينة عندما يلاحظون أن عددًا متزايدًا من الآخرين قد تبناها بالفعل. ببساطة، تعني هذه الظاهرة أن الأفراد يصبحون أكثر ميلًا لتبني فكرة أو سلوك معين كلما ازداد عدد الأشخاص الذين سبقوهم في تبنيها.

إن استطلاعات الرأي التي تظهر تقدم أحد المرشحين يمكن أن تخلق تأثير العربة، فقد ينجذب الناخبون نحو المرشح الذي يُنظر إليه على أنه الفائز المحتمل. وثق هذا التأثير جيدًا في الأبحاث، إذ مال الناخبون في كثير من الأحيان إلى تفضيل أن يكونوا على الجانب الفائز والمتوافق مع الغالبية، وتضخيم التقدم المفترض للمرشح الأوفر حظًا. 

في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 1980 استفاد المرشح الجمهوري رونالد ريغان من تأثير العربة بشكل كبير. إذ خلال الأسابيع الأخيرة من الحملة الانتخابية، أظهرت استطلاعات نشرتها وسائل إعلام كبرى أنّ ريغان تقدم بفارق كبير على منافسه الديمقراطي جيمي كارتر. 

هذا التفوق في الاستطلاعات أدى إلى تحويل المزيد من الناخبين إلى دعم ريغان، إذ شعروا أن فوزه أصبح محتملًا، الأمر الذي أثّر بالفعل على بعض الناخبين المترددين، وكان هذا الأمر جزءًا من عوامل متعددة ساهمت في فوز ريغان في الانتخابات.

يمكن أن يؤدي هذا الأمر إلى تقليص المنافسة الحقيقية وتقليل أهمية المواقف الفردية، إذ قد يجعل مواقف الناخبين تُبنى على قرارات الآخرين بدورة مستمرة وأقل اعتمادًا على الاختيار بناء على تقييم السياسات الفعلية للمرشحين، وهو ما تحرّكه غالبًا استطلاعات الرأي.

ظاهرة الانحياز للأضعف

في الجانب الآخر، وبعكس تأثير العربة، قد تؤدي الاستطلاعات خلال فترات الانتخابات إلى انحياز الناخبين نحو المرشح الذي يُصوَّر على أنه أقل حظًّا. ففي بعض الأحيان، يتعاطف الناخبون مع مرشح يُعتقد أنه غير مرجّح للفوز، مما قد يقود إلى نتائج انتخابية غير متوقعة، خصوصًا في السباقات المتقاربة، إذ يمكن للتغيرات البسيطة في سلوك الناخبين أن تحدث تأثيرًا كبيرًا.

يميل بعض الناخبين لدعم المرشحين الذين يُعتبرون ضعفاء أو غير مرجحين للفوز، بدافع من تحقيق نوع من التوازن أو العدالة، أو رغبة في تحدي التوقعات السائدة. أو قد ينظر هؤلاء الناخبون إلى الاستطلاعات على أنها محاولة لتوجيه الرأي العام، مما يدفعهم إلى دعم المرشحين الأضعف كنوع من المقاومة لتأثير تلك الاستطلاعات. 

في كلتا الحالتين، يظهر تأثير استطلاعات الرأي على توجهات الجمهور، بغض النظر عن السياسات الفعلية للمرشحين وبرامجهم. لذا، قد تؤدي حملة إعلامية مدعومة بنتائج استطلاع للرأي إلى تشكيل قرارات غير دقيقة لدى الناخبين، غير مبنية على تقييم منطقي. 

على سبيل المثال، أشارت مراجعة لجامعة هارفارد إلى أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ربما استفاد في حملته الانتخابية من فكرة “الطرف المستضعف” وعكس صورة الشخصية التي تتغلب على الصعاب رغم قلة الدعم، مما ساهم في كسب تأييد الناخبين كأول رئيس أميركي من أصول أفريقية.

العيوب المنهجية في الاستطلاعات قد تعطي الجمهور صورة مضللة

كثيرًا ما تضخم أهمية استطلاعات الرأي. وتصور في بعض الأحيان لتبدو كنتائج مبكرة للانتخابات، لكن الاستطلاعات تكون غير دقيقة إلى حد كبير بسبب طبيعة تصميمها مثلًا أو ما تحتويه من مشاكل منهجية محتملة، وبشكل عام هنالك صعوبة في ضبط منهجية الاستطلاعات بشكل كُّلي وتجنب مشكلاتها، مثل تحيز العينة والصياغة غير الدقيقة للأسئلة، وكيفية عرض النتائج.

على سبيل المثال في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، كانت هذه العيوب المنهجية سببًا رئيسيًا في إعطاء الجمهور توقعات غير دقيقة والتي فشلت في التنبؤ بفوز دونالد ترامب.

أحد أبرز العيوب كان الفشل في تحقيق تمثيل دقيق لفئات معينة من الناخبين، مثل البيض غير الحاصلين على تعليم جامعي. هذا التحيز في العينة أدى إلى تحريف النتائج لصالح هيلاري كلينتون، مما جعل العديد من الاستطلاعات تتنبأ بفوزها بشكل خاطئ.

بالإضافة إلى ذلك، إن الصياغة غير الدقيقة للأسئلة، يمكن أن تؤدي إلى إجابات منحرفة، إذ أظهرت بعض الدراسات أن المستجيبين قد لا يعبّرون بصدق عن تفضيلاتهم. 

هذا التحيّز يجعل بعض المشاركين يميلون إلى تقديم إجابات يعتبرونها مقبولة اجتماعيًا بدلًا من آرائهم الحقيقية، وفي هذه الحالات لا تتناقض نتائج الاستطلاعات كثيرًا مع الواقع، وتعطي بشكل غير مقصود توقعات خاطئة على النحو الذي حصل في الانتخابات الرئاسية التركية عام 2023، عندما فشلت الاستطلاعات في تقديم صورة دقيقة حول النتائج الفعلية.

تحيّز وسائل الإعلام في تغطية الاستطلاعات

قد تقوم وسائل الإعلام أحيانًا بتغطية استطلاعات معيّنة تتماشى مع سياستها التحريرية أو تعزز السرد المفضل لديها، أو قد تتحيّز نحو مرشح ما باستخدام بعض استطلاعات الرأي كدليل داعم لوجهة نظرها.

وقد تستخدم هذه الوسائل نوع من التغطية الانتقائية التي يمكن أن يؤدي إلى خلق صورة مشوّهة عن السباق الانتخابي باستخدام الاستطلاعات كدليل، إذ يتم تسليط الضوء على بعض الاستطلاعات التي تدعم وجهة نظر معينة بينما يتم تجاهل أو تقليل أهمية استطلاعات أخرى قد تقدم نتائج متناقضة. ونتيجة لذلك، قد يتأثر الناخبون يتخذون قراراتهم بناءً على معلومات غير مكتملة أو منحازة.

في الانتخابات العامة البريطانية عام 2017، قامت وسائل الإعلام بتغطية مكثفة لاستطلاعات رأي أظهرت تقدمًا كبيرًا لحزب المحافظين بقيادة تيريزا ماي. هذه التغطية ساهمت في تشكيل توقعات الناخبين بأن فوز المحافظين كان مضمونًا. 

ونتيجة لذلك، يُعتقد أن بعض الناخبين قد شعروا بأن تصويتهم لن يحدث فرقًا كبيرًا، مما أدى إلى انخفاض نسبة المشاركة من بعض الداعمين المحتملين أو توجههم للتصويت على أسس مختلفة. 

هذا الأمر أثر بشكل مباشر على النتائج النهائية للانتخابات، إذ حصل حزب المحافظين على أغلبية ضئيلة، بعيدًا عن النتائج التي توقعتها معظم الاستطلاعات والتي تنبأت بفوز ساحق.

هل يمكن الاعتماد على الاستطلاعات قبل الانتخابات؟

يعتبر البعض استطلاعات الرأي أمرًا غير مهم ومضيعة للوقت، بينما يرى آخرون أنها توفر صورة أولية لنتائج الانتخابات وشكلها.

في الواقع، تشير الأبحاث إلى أنّ استطلاعات الرأي الانتخابية قد تكون أداة قيّمة، فهي توفر صورة فورية عن مشاعر وآراء الجمهور في لحظة زمنية معينة، مما يساعد على فهم الاتجاهات العامة وتوقعات الرأي العام. كما تتيح للحملات الانتخابية وسيلة لتحديد النقاط القوية والضعيفة لدى المرشحين وتوجيه استراتيجياتهم بناءً على ردود الفعل المبكرة.

ومع ذلك، لا يمكن الاعتماد على الاستطلاعات بشكل كامل. فالتقلبات السريعة في الرأي، خصوصًا في الفترات الأخيرة قبل الانتخابات، قد تجعل الاستطلاعات المبكرة غير دقيقة. كما يمكن أن تؤدي التغطية الإعلامية المنحازة وانتقائية التقارير إلى تشويه التصورات حول الوضع الفعلي، كما هو الحال بالنسبة للعوامل العاطفية والطريقة التي يتلقى بها الجمهور هذه الاستطلاعات.

من ناحية أخرى أنّ العيوب المنهجية التي قد تظهر عند تصميم الاستطلاعات، مثل تحيز العينة أو توقيت الاستطلاع، قد تؤدي إلى نتائج غير موثوقة. لذلك، بينما يمكن أن تكون الاستطلاعات أداة مفيدة، إلا أنه يجب النظر لنتائجها بحذر وفهم محدوديتها، ولا ينبغي الاعتماد عليها كأداة وحيدة للتنبؤ بالنتائج الانتخابية، بل كجزء من مجموعة أدوات أوسع تشمل تحليل البيانات وسلوك الناخبين الفعلي.

اقرأ/ي أيضًا

استطلاع الرأي في الانتخابات: لماذا لا تتطابق إحصائيات الشركات مع واقع النتائج؟

موجة من المعلومات المضللة مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية

الأكثر قراءة