` `

ما آليات المؤسسات الصحية في مواجهة المعلومات الطبية المضللة؟

محمود حسن محمود حسن
صحة
20 أغسطس 2024
ما آليات المؤسسات الصحية في مواجهة المعلومات الطبية المضللة؟
تسعى المؤسسات الصحية حديثًا لتطوير برامج أبسط لمكافحة المعلومات المضللة

في ظل الاعتماد المستمر على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومة الطبية، كشفت مؤسسة “Kaiser Family Foundation” أنه بالرغم من أنّ الناس مازالوا يثقون بأطبائهم ووسائل الإعلام التقليدية بشكل أكبر، فيما يتعلق بالمعلومة الطبية، إلا أنه ما يقرب من 25 في المئة من البالغين الأميركيين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للعثور على معلومات أو نصائح صحية أسبوعيًا.

إن منشورًا واحدًا خاطئًا على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن يحدث أثرًا صحيًا سلبيًا واسع النطاق وبسرعة كبيرة. وتدرك المؤسسات الصحية والكيانات المرتبطة بها باختلاف مجالاتها الخطر المتزايد للمعلومات المضللة في المجال الصحي، وخاصة مع تطوّر تكنلوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي وبيئتها وما صاحب ذلك من تدفق هائل للمعلومات المضللة.

أقسام تصحيح المعلومات المضللة في المجال الصحي في تزايد

في مواجهة تحدي التضليل في المجال الصحي، أصبحت أقسام تصحيح المعلومات المضللة جزءًا أساسيًا من استراتيجية العديد من المؤسسات، حيث تخصص وتطوّر منظمة الصحة العالمية (WHO) نافذتها الخاصة على موقعها الإلكتروني لتصحيح المعلومات المغلوطة. 

هذا التوجه أصبح يشمل بشكل متزايد منظمات كبرى مثل الأمم المتحدة (UN) وجمعية علم النفس الأمريكية (APA) والوزارات والمكاتب الصحية في مختلف الدول.

يستعرض التقرير أحدث التطورات والإجراءات المرتبطة بمكافحة المعلومات المضللة في المجال الصحي، سواء على مستوى المبادرات الرسمية أو غير الرسمية.

صورة متعلقة توضيحية
نافذة خاصة لتصحيح المعلومات المضللة في المجال الطبي على موقع منظمة الصحة العالمية الرسمي

أبحاث نشطة حول تطوير وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي الجديدة

في مواجهة التحدي والموارد الضخمة التي يحتاجها ذلك، تسعى المؤسسات الصحية والحكومات بشكل أكبر إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في توفير طرق أكثر فعالية وأقل تكلفة في مواجهة المعلومات الطبية المضللة.

مؤخرًا، زاد الحديث عن توظيف “الذكاء الاصطناعي التفاعلي” المدعوم بتحليلات الكلام. وتعتمد هذه التقنية على جمع وتحليل بيانات المحادثات التي يجريها المرضى مع مؤسسات الرعاية الصحية عبر مختلف القنوات، مثل مراكز الاتصال، والمواقع الإلكترونية، والتطبيقات المتنقلة. من خلال تحليل اللغة الطبيعية، لتوفير رؤية عميقة حول ما يشغل تفكير المرضى والاتجاهات المعززة للتضليل.

تركّز التقنية الجديدة على تحليل المحادثات في الوقت الفعلي (Real Time)، وذلك يُمكن المعنيين من التعرف على ظهور اتجاهات جديدة للتضليل وأنواعها، مثل انتشار معلومات خاطئة في اتجاه معيّن أو حدوث زيادة في الاستفسارات حول موضوع صحي محدد. 

الأمر الذي يسمح للمؤسسات باتخاذ إجراءات سريعة واستباقية لمكافحة هذه المعلومات الخاطئة، مثل تحديث محتوى الأسئلة الشائعة على المواقع الإلكترونية، أو إرسال إشعارات توضيحية عبر التطبيقات المتنقلة، أو تجهيز وكلاء مراكز الاتصال بمعلومات دقيقة للرد على استفسارات المرضى بشكل صحيح.

زيادة إشراك المجتمعات الأهلية في جهود مكافحة التضليل

مؤخرًا، يتزايد الاتجاه نحو تخفيف الاعتماد على الحكومات والمؤسسات الرسمية في مكافحة المعلومات المضللة، وحتى في المجال الصحي وترى الأبحاث الأخيرة أنّ التدخلات المجتمعية تعد أداة فعالة لتعزيز الوعي ومواجهة هذه التحديات.

بناءً على التجارب، كانت البرامج التوعوية تلعب دورًا رئيسيًا في هذا السياق، حيث تنظم منظمات مثل “PEN America” حملات على مستوى المجتمعات المحلية في الولايات المتحدة، تهدف إلى تعليم الأفراد كيفية التعرف على المعلومات المضللة والتعامل معها بفعالية. تشمل هذه البرامج سلسلة من الأنشطة التوعوية التي تسعى إلى تعزيز قدرات التفكير النقدي لدى الجمهور، مما يساعدهم على تمييز الحقائق من الشائعات.

إلى جانب ذلك، يجري التفكير بتعزيز تأثير هذه البرامج من خلال التعاون الوثيق مع المجتمع المحلي. وهو ما يتضمن تنظيم ندوات وورش عمل تستهدف جميع فئات المجتمع، وتهدف إلى بناء وعي جماعي حول أخطار المعلومات المضللة وكيفية مواجهتها.

الأسلوب العاطفي والقيّمي في مكافحة المعلومات المضللة

تشير الأبحاث الحديثة، إلى أن الأساليب الحالية في مكافحة المعلومات المضللة في المجال الصحي، غالبًا ما تكون مجردة وغير جذابة للجمهور بسبب تعقيدها، وهو ما يؤدي إلى تراجع الاهتمام بمكافحة المعلومات المضللة، من قبل الجمهور وتفضيلهم تفادي العبء الذهني الملقى عليهم عند محاولتهم التفكير بالمعلومة الصحيحة. 

لذلك، يسعى الباحثون إلى تطوير طرق جديدة أقرب إلى حياة الناس اليومية، مثل تعزيز التغيرات الثقافية التي تجعل من نشر المعلومات الخاطئة سلوكًا مرفوضًا اجتماعيًا وأخلاقيًا. تهدف هذه الاستراتيجية إلى تغيير السلوكيات الاجتماعية تدريجيًا من خلال ترسيخ قيم ومعايير جديدة تعتبر نشر المعلومات المضللة أمرًا غير مقبول، ويتم ذلك عبر الحوار والتواصل المستمر. 

ورغم أن هذا النهج قد ينظر له بأنه مثالي، خاصة في ظل وجود عوامل لا واعية عند الأفراد تدفعهم لمشاركة المعلومات المضللة مثل دور الخوارزميات الرقمية التي تشجع تقليد السلوكيات على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن القائمين على هذه المبادرات يؤمنون بأن تحقيق هذا الهدف ممكن عبر تغييرات تدريجية في القيم والمعايير الاجتماعية بمرور الوقت.

هذه التغيرات الثقافية يمكن أن تسهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا ومسؤولية، مما يقلل من تأثير المعلومات المضللة على القرارات الفردية والجماعية.

الاستفادة من دور الشخصيات المؤثرة

 ترى آخر وجهات النظر في مكافحة التضليل نشرتها الجمعية الأمريكية لعلم النفس، أن الانتباه للدور الإيجابي الذي من المحتمل أن تلعبه كثير من الشخصيات المؤثرة يمكن أن يوّفر استراتيجيات فعالة في مكافحة المعلومات الصحية المضللة، حيث يمكن للشخصيات العامة التي تتمتع بشعبية كبيرة مثل السياسيين أو المشاهير أن تلعب دورًا حاسمًا في توجيه الرأي العام نحو الحقائق والمعلومات الصحيحة. 

تأثير هذه الشخصيات ينبع من قدرتها على الوصول إلى جماهير، واسعة، وتشكيل مواقفهم، وآرائهم. من خلال مشاركة المعلومات الصحيحة وتبني القضايا الصحية المهمة، ونشر الحقائق حولها، مما يقلل من تأثير المعلومات الخاطئة على الجمهور ويساعد في بناء ثقافة قائمة على المعرفة الدقيقة.

على سبيل المثال، يُعتبر بيل غيتس، المؤسس لشركة مايكروسوفت والملياردير الشهير، نموذجًا بارزًا لهذا الدور. فمنذ بداية جائحة كوفيد-19، استخدم غيتس منصاته الرقمية بشكل متواصل للترويج لمكافحة المعلومات المضللة، خاصة فيما يتعلق بالصحة العامة، مثل اللقاحات والتغير المناخي. 

تركيز مستمر على أهمية توفير الرعاية الصحية للجميع

تستمر الأبحاث، حديثًا، بالإشارة إلى أن توفير الخدمات الصحية المناسبة، لا يقتصر أثرها على تعزيز الصحة العامة فحسب، بل يلعب أيضًا دورًا محوريًا في تقليل تأثير المعلومات الخاطئة. فقد يؤدي توفير خدمات صحية ميّسرة مثل اللقاحات المجانية إلى تعزيز الثقة في النظام الصحي، مما يقلل من تأثر الأفراد بالمعلومات المضللة التي قد تشكك في فعالية هذه الخدمات. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن سهولة الوصول إلى الرعاية الصحية يجعل الناس أقل اعتمادًا على مصادر غير موثوقة أو بدائل مشكوك فيها، والتي غالبًا ما تكون محفوفة بالمخاطر. كما أن توفير البدائل الآمنة والموثوقة بشكل مجاني أو بأسعار معقولة، يُقلل من الدافع لدى الأفراد للجوء إلى علاجات غير معتمدة، وبالنتيجة تقويض انتشار الشائعات والمعلومات الصحية الخاطئة.

اقرأ/ي أيضًا

ما حقيقة الادعاء بأنّ الطائرة البرازيلية التي تحطمت كانت تنقل أطباء اكتشفوا صلة بين لقاحات كورونا والسرطان؟

المرض إكس: مصطلح تعبيري انتشرت حوله نظريات المؤامرة والأخبار المضللة

الأكثر قراءة