قصف الجيش الإسرائيلي، الأربعاء 21 أغسطس/آب الجاري، مدرسة صلاح الدين التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تُؤوي عشرات النازحين. وراح ضحية القصف سبعة أشخاص وأصيب نحو 15 آخرون، بينهم 10 أطفال، وفق ما أكده جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة ونقلته وسائل إعلام عربية ودولية.
وجاء هذا القصف بعد دقائق قليلة من شنّ قوات الاحتلال غارات على محيط مدرسة أبو نويرة في بلدة عبسان شرقي مدينة خان يونس، وبعد ساعات قليلة من قصف مدرسة مصطفى حافظ التي تقع في حي الرمال غربي مدينة غزة، وتُؤوي المدرستان مئات النازحين الذين لجأوا إليها على اعتبار أنها آمنة ومحمية بالقانون الدولي.
وبحسب بيان صادر عن الدفاع المدني، فقد راح ضحية القصف الإسرائيلي على مدرسة مصطفى حافظ 12 فلسطينيًا وأصيب آخرون بجروح متفاوتة الخطورة، في وقت لا يزال فيه الرأي العام والمنظمات الحقوقية على وقع حصيلة دموية أخرى بعد مجزرة مدرسة التابعين التي استهدفتها إسرائيل بالقنابل في العاشر من أغسطس/آب وسقط فيها أكثر من 100 نازح فلسطيني.
وقبل هذا التاريخ، استهدفت إسرائيل ستّ مدارس داخل قطاع غزة، تُؤوي جميعها مئات النازحين، ما أدى إلى وقوع نحو 79 ضحية، أغلبهم من النساء والأطفال، إضافة إلى إصابة العشرات بجروح وحروق جسدية، بينما تبرر إسرائيل استهدافها المتواصل للمدارس بكون حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تستخدم أقسامًا منها كمراكز للقيادة والسيطرة.
الجيش الإسرائيلي يدعي وجود مسلحين داخل المدارس التي تؤوي نازحين
تعليقًا على استهدافه مدرسة صلاح الدين، قال الجيش الإسرائيلي إنّ سلاح الجو وجه ضربة دقيقة استهدفت مسلحين من حركة حماس كانوا يستخدمون المدرسة كمخبئ وقاعدة لتخطيط وتنفيذ هجمات ضد قواته، دون تقديم أدلة واضحة وكافية.
واكتفى الجيش الإسرائيلي بنشر صورة جوية لمبنى المدرسة مدعيًا أنّ طائراته استهدفت بشكل دقيق غرفة (تم الإشارة إليها باللون الأحمر)، يستخدمها مسلحون من حماس كمركز للقيادة والسيطرة، وهو ذات الادعاء التي تروج له إسرائيل منذ بداية الحرب عند قصف مدرسة أو مستشفى.
كما ادعى الجيش أنه تم اتخاذ العديد من الخطوات للتخفيف من مخاطر إلحاق الأذى بالمدنيين، بما في ذلك استخدام الذخائر الدقيقة والمراقبة الجوية والمعلومات الاستخبارية الإضافية، غير أنّ الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة أثبتت أنّ أغلب ضحايا الغارة الجوية من الأطفال والنساء.
ويتحدث الجيش الإسرائيلي باستمرار عن لجوء حركة حماس، لاستخدام المدنيين كدروع بشرية واستخدام المدارس والمستشفيات كمراكز للقيادة والتخطيط لتنفيذ هجمات ضدّ قواتها، وهو ادعاء تنفيه الحركة باستمرار وتعتبره مجرد دعاية مضللة تستخدمها إسرائيل لتبرير جرائمها ضدّ المدنيين الأبرياء.
ويوم الثلاثاء 20 أغسطس الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن قصف مدرسة مصطفى حافظ، مدعيًا أنّ القصف استهدف "إرهابيين" كانوا يعملون داخل مركز القيادة والسيطرة التابع لحماس.
وقال الجيش في بيان نشره عبر حسابه الرسمي على موقع إكس، أنه "تم اتخاذ العديد من الخطوات للتخفيف من مخاطر إلحاق الأذى بالمدنيين، بما في ذلك استخدام الذخائر الدقيقة والمراقبة الجوية والمعلومات الاستخبارية الإضافية".
ورغم ادّعاء الجيش الإسرائيلي بدقة الضربة الجوية واستهدافها فقط لمقاتلين من حركة حماس، أظهرت صور ومقاطع فيديو أنّ الضحايا هم من الأطفال والنساء الذين كانوا يتخذون من المدرسة ملجأً لهم.
وأظهر مقطع فيديو نشره الصحفي بقناة الجزيرة أنس الشريف، جثث أكثر من 10 أطفال.
وقال المتحدث باسم الدفاع المدني الفلسطيني في غزة محمود بصل، في حديث لـ "التلفزيون العربي"، إنّ مدرسة مصطفى حافظ تؤوي أكثر من 700 نازح في منطقة غرب غزة، لجأوا إليها بعد تدمير منازلهم.
وأضاف بصل، أنّ الاحتلال قصف جناحًا كاملًا من المدرسة مكون من ثلاثة طوابق تمت تسويتها جميعها بالأرض، مؤكدًا أنّ طواقم الدفاع المدني والطواقم الإغاثية عاجزة عن الوصول إلى العالقين تحت الأنقاض جراء عدم امتلاكها آليات متخصصة.
وأشار إلى أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي “كثف من استهدافه للمدارس التي تُؤوي مئات النازحين منذ بداية شهر أغسطس الجاري، وأنّ في كل عملية استهداف لا يقل عدد الشهداء عن 15 شهيدًا”، وفقه.
من جهته، قال مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسماعيل الثوابتة، لـ "التلفزيون العربي"، إنّ الاحتلال قصف مدرسة مصطفى حافظ، على الرغم من علمه أنّها لا تضم سوى نازحين.
وأكد الثوابتة أنّ الاحتلال يُواصل ممارسة أسلوب التضليل لقتل أكبر عدد من سكان القطاع، كما يكثّف استهداف المدنيين في القطاع للضغط سياسيًا، مضيفًا، "نحن أمام كارثة إنسانية وحرب إبادة في القطاع ويجب أن تتوقف فورًا".
المفوض العام للأونروا: “هل بقي من الإنسانية شيء؟"
تعليقًا على مواصلة قوات الاحتلال قصف المدارس، قال المفوض العام لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني، إنّ "غزة لم تعد مكانًا آمنًا للأطفال"، واعتبرهم "الضحية الأولى لهذه الحرب التي لا ترحم".
وأضاف لازاريني في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع إكس، إن تقارير أفادت بوقوع "هجوم مروع" على إحدى مدارس الأونروا مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من الأطفال واحتراق آخرين حتى الموت، متسائلًا: “هل بقي من الإنسانية شيء؟”.
حماس تنفي استخدام المدارس كمراكز للقيادة
تنفي حركة حماس، باستمرار، الرواية الإسرائيلية بخصوص استخدام مقاتليها المدارس والمستشفيات كمراكز سرية للعمل، كما تنفي التهم الموجهة إليها باستخدام المدنيين كدروع بشرية.
والسبت 10 أغسطس الجاري، أكد عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أنّ "السياسة المؤكدة والصارمة والمعمول بها لدى المقاتلين من كل الفصائل هي عدم التواجد بين المدنيين لتجنيبهم الاستهداف الصهيوني".
وقال الرشق في تصريحات له عقب قصف مدرسة التابعين أو ما باتت تعرف إعلاميًا بـ"مذبحة صلاة الفجر"، إنّ جيش الاحتلال استهدف جموع المصلين والمدنيين العزل داخل المدرسة واصفًا ما حدث بـ "جريمة إبادة جماعية وتصعيد خطير".
وأضاف الرشق، "جيش العدو الإرهابي يكذب مجدداً ويختلق الذرائع والحجج السخيفة، لاستهداف المدنيين، والمدارس والمستشفيات وخيام النازحين، وكلها ذرائع واهية، وأكاذيب مفضوحة لتبرير جرائمه"، مؤكدًا على أنه "لم يكن في مدرسة التابعين أي مسلح".
وأشار الرشق إلى "أن مزاعم جيش العدو المجرم بأنه اتخذ الوسائل لتقليل الضحايا بين المدنيين، وأنه استخدم أسلحة ذكية لذلك، استخفاف بعقول العالم، فكل الشهداء الـ 100 وعشرات الجرحى مدنيون، ليس بينهم مقاتل واحد".
وفي تعليقها على استهداف الجيش الإسرائيلي لمدرسة صلاح الدين، اعتبرت حركة حماس، أنّ "القصف الوحشي الذي نفذه جيش الاحتلال الصهيوني المجرم المدرسة التي تؤوي نازحين، هو إمعانٌ في حرب الإبادة على شعبنا في قطاع غزة، وتأكيد على نهج حكومة المتطرفين الصهاينة في تعمدها استهداف المدنيين العزل في مراكز الإيواء والنزوح".
وطالبت حماس، في بيان لها، "المجتمع الدولي بكافة منظماته وهيئاته للتحرك بقوة لوضع حد لإرهاب الدولة الذي يمارسه جيش الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطيني على مدار أكثر من 10 أشهر، ووقف العدوان الهمجي على قطاع غزة، ومحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة على جرائمهم الفاشية".
وأفاد تقرير صادر عن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنّ تحقيقاته الأولية التي أجراها في مكان الاستهداف الإسرائيلي لمصلى في مدرسة التابعين، لم تثبت وجود أي دليل أو مؤشر على أي مظاهر أو تشكيلات مسلحة.
وخلص التقرير، إلى أنّ المدرسة تحتوي بالكامل على مبانٍ ضيقة، أقسامها مكشوفة على بعض وغير مجهزة، اتخذتها عشرات العائلات الفلسطينية ملجأً لها بعد أن نزحت قسرًا من أماكن سكناها، وبعضها الآن مُسح بالكامل من السجل المدني.
وأوضح المرصد أن فريقه الميداني والقانوني أجرى عملية مسح وتحقيق أولي في مدرسة التابعين التي كانت تُؤوي أكثر من 2500 نازح في مدينة غزة، شملت جمع البيانات، وتوثيق شهادات الناجين والشهود، ومعاينة المكان بعد الهجوم. وأظهرت جميع الأدلة والشهادات أن المدرسة كانت خالية من أي تجمعات أو مراكز عسكرية، وأنها لم تُستخدم لأي أغراض عسكرية. وكانت المدرسة تؤوي المئات من الأطفال الذي أمنت عائلاتهم على وجودهم فيها دون الشعور بالخطر، بحسب إفادات الناجين.
كما قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في تقرير ثانٍ له، إنّ الجيش الإسرائيلي كثف من سياسة قصف المدارس المستخدمة كمراكز لإيواء النازحين في مدينة غزة وقتل وأصاب المئات فيها، بالتزامن مع إصدار أوامر إخلاء قسري غير قانونية من شمال غزة إلى جنوبها، ضمن سياسة ممنهجة لطرد السكان من منازلهم وأماكن نزوحهم وحرمانهم من أي استقرار، لأسباب تبدو انتقامية.
وأوضح الأورومتوسطي، أن قصف المدارس وتدميرها على رؤوس النازحين فيها لم يكن له أي مبرر فعلي، وغابت عنه الضرورة الحربية، رغم أن الجيش الإسرائيلي في كل مرة حاول تبرير القصف باستهداف أحد النشطاء العسكريين أو السياسيين، دون أن تثبت صحة هذا الادعاء.
وأكد أن التحقيقات الأولية التي أجراها فريقه الميداني تشير إلى تعمد الجيش تدمير ما تبقى من مراكز الإيواء لحرمان الفلسطينيين مما تبقى من أماكن قليلة تؤويهم بعد التدمير الممنهج للمنازل ومراكز الإيواء، بما فيها المدارس والمنشآت العامة طوال الأشهر العشر الفائتة.
وبيّن أن تتبع منهجية القصف الإسرائيلي، يُشير إلى وجود سياسة واضحة ترمي إلى نزع الأمان عن كل قطاع غزة وحرمان الفلسطينيين من الإيواء أو الاستقرار ولو لحظيًّا، من خلال استمرار القصف على امتداد القطاع والتركيز على استهداف مراكز الإيواء بما فيها تلك المقامة في مدارس وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
كما أظهرت أرقام صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تدمير 117 مدرسة وجامعة بصفة كلية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، وتدمير 332 مدرسة وجامعة جزئيًّا.
اقرأ/ي أيضًا
الجيش الإسرائيلي يروّج لمعلومات مضللة حول ضحايا مجزرة مدرسة التابعين في غزة
دون أدلة: وسائل إعلام تتبنى الرواية الإسرائيلية حول مجزرة مدرسة التابعين