تداولت حسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، حديثًا، ادعاءات مضللة حول انتشار الحشرة القرمزية في أشجار الرمان، وذلك بعد أن أصابت غراسات التين الشوكي في العديد من مناطق البلاد.
وقد تم تداول صور لحبات رمان مكسوة بالبياض وبعض النمل وأرفقت الصور بتعليقات مفادها أن "الحشرة القرمزية تغزو أشجار الرمان".
ما هي الحشرة القرمزية؟
عرّفت وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري بتونس، الحشرة القرمزية "Dactylopius opuntua" على أنها من الآفات الخطيرة التي تلحق أضرارًا بليغة بغراسات التين الشوكي، لأنها تمتص عصارة النبتة فتظهر على الألواح مناطق مصفرة تأخذ في التوسع شيئًا فشيئًا لتؤدي في النهاية إلى سقوط اللوح المصاب وموت الجذع في حالة شدة الإصابة.
كما لفتت الوزارة إلى أنّ انتشار هذه الآفة سريع جدًا، وذلك لأن الرياح تقوم بحملها من مكان إلى آخر، كما يمكن أن تنتقل هذه الحشرات عبر التصاقها بالآلات الفلاحية والشاحنات وأصواف الأغنام والأعلاف القادمة من المناطق الموبوءة.
مختصون يشرحون لمسبار أسباب صعوبة ظهور الحشرة القرمزية بشجر الرمان
لا تصيب الحشرة القرمزية أشجار الرمان، إذ إنّ الحشرة لا تعيش إلا في غراسات التين الشوكي ولا يمكن لها أن تعيش في الأشجار المثمرة الأخرى، وهو ما ذهب إليه الخبير في السياسات الفلاحية، فوزي الزياني، الذي أكد علميًا أنه حتى في الدول التي اجتاحتها الحشرة كالمغرب والمكسيك لا وجود لما يثبت بأن الحشرة القرمزية يمكن أن تعيش في الأشجار المثمرة.
وأضاف الزياني في حديث له مع "مسبار" أنّ هناك العديد من الحشرات الأخرى البيضاء والقطنية الشبيهة بالحشرة القرمزية تصيب الأشجار المثمرة، ولكل مرض اسم وخاصية مختلفة.
ولفت الزياني إلى أنّ الحشرة القرمزية ظهرت رسميًا في تونس و بدأت تتكاثر سنة 2021، بمنطقة الشعرة في المهدية (الساحل التونسي)، وكانت المنطقة الموبوءة آنذاك على مسافة حوالي كيلومتر ونصف، و كان من الممكن علميًا وتقنيًا القضاء عليها خلال أسبوعين من خلال الحرق أو الردم وإنشاء حزام وقائي بمبلغ مالي لا يتجاوز عشرة آلاف دينار، لكن السلط الجهوية لم تكن جدية في التعاطي مع هذه الآفة.
وأشار أنّه كان بالإمكان أيضًا استجلاب الدعسوقة لتتصدى للحشرة القرمزية وبطريقة طبيعية لا تلحق الضرر بالبيئة كالمواد الكيميائية، التي تم استعمالها فيما بعد.
وأعرب المتحدث عن أسفه لتوسع رقعة انتشار الحشرة القرمزية التي أصابت غراسات التين الشوكي بنسبة 100% وانتقلت إلى محافظات صفاقس (الجنوب) والقيروان (الوسط) وسوسة والمنستير (الشريط الساحلي) ونابل (الشمال الشرقي) وسيدي بوزيد (الوسط الغربي) وحتى محافظة القصرين (الوسط الغربي) المعروفة بإنتاج التين الشوكي البيولوجي المعد للتصدير، مُنوهًا إلى التبعات السلبية لانتشار هذه الآفة والتي ستتسبب في خسارة الثروة الطبيعية المتمثلة في زراعة التين الشوكي، كذلك ستؤثر على الفلاحة الذين يستعملون ألواح التين الشوكي كمادة علفية مجانية للأغنام علاوة على أن التين الشوكي يمثل مصدر رزق العديد من التونسيين كما أصبح باعثو المشاريع يستعملونه لاستخلاص زيوت طبيعية وغيرها.
من جهته أكد عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحة المكلف بالفلاحة البيولوجية عادل كريم، في تصريح لمسبار، أنّ الحشرة القرمزية يمكن أن تكون قد انتقلت إلى أشجار الرمان المحاذية للتين الشوكي المصاب عبر الرياح أو الحيوانات، لكن لا يمكن أن تكون هذه الأشجار مصابة لأن الحشرة القرمزية تخص التين الشوكي، ولا يمكن لها العيش على أشجار الرمان.
كما أوضح أنّ خبراء وزارة الفلاحة كانوا قد عاينوا أشجار الزياتين التي قيل إنها أصيبت بالحشرة القرمزية، وكذلك كروم التين وكذبوا مزاعم انتقال الحشرة إلى الأشجار المثمرة.
وبعث برسالة طمأنة للفلاحين قائلًا “في صورة إذا ما تم معاينة الحشرة القرمزية على غراسات أخرى فلا داعي للذعر لأنها لا تلحق أي ضرر إلا بغراسات التين الشوكي، ويمكن التخلص منها باستعمال أدوية بسيطة كتلك التي تستعمل عند التفطن لوجود حشرة دخيلة”، مضيفًا بأنّ "هناك حشرات أكثر خطورة من بينها فراسة الرمان ويمكنها أن تصيب أكثر من 80 بالمائة من الثمار".
وسبق أن تم تداول أخبار تتعلق بعدوى أصابت أشجار الزيتون بالحشرة القرمزية وسارعت وزارة الفلاحة لتفنيدها عبر بلاغ توضيحي أكدت فيه أنّ فريق العمل المتكوّن من ممثلين عن كل من الإدارة العامّة للصحّة النباتيّة ومراقبة المدخلات الفلاحيّة والمعهد الوطني للبحوث الزراعيّة بتونس، تحول إلى أشجار الزياتين المحاذية للتين الشوكي وتبيّن له أنّ الحشرة التي تظهر على أشجار الزيتون هي حشرة "العسيلة" (Psylle)، وأنّ وجود بعض القطنيات الحاملة للحشرة القرمزيّة المعلقة على بعض أغصان أصول الزياتين الملاصقة لـ"طوابي" التين الشّوكي من المرجح أن تكون نقلتها الرياح.
كما بين البلاغ أيضًا أنّ كل الأبحاث العلميّة حول بيولوجيا الحشرة القرمزيّة تؤكّد أنّ هذه الحشرة لا تصيب سوى نباتات الصّبار، بل وتعيش بشكل حصري عليها ولا تلحق أضرارًا بأشجار الزيتون أو الأنواع النباتية الأخرى، كما أنها لا تشكل تهديدًا على صحة الإنسان والحيوان.
تحذيرات من انتشار آفة الحشرة القرمزية على أشجار التين الشوكي
ظهرت الحشرة القرمزية في تونس لأول مرة بولاية المهدية عام 2021، وقد بيّن محمد رشدي البناني رئيس الجمعية الوطنية لتنمية التين الشوكي، لموقع الصباح نيوز في يوليو/تموز الفائت، أنّ حوالي 35 في المئة من المساحات المزروعة بالتين الشوكي مصابة، محذرًا من إمكانية خسارة كل المساحات المزروعة في ظرف سنتين إذا ما استمر النسق البطيء لتفاعل الدولة مع هذه الآفة.
ومن جهته، حذر قسم العدالة البيئية لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من الكلفة الاقتصادية والاجتماعية الباهظة التي يمكن أن تنجر عن اقتلاع أو حرق أشجار التين الشوكي المصابة، وأكد في بيان، على ضرورة التدخل الوقائي قبل الوصول إلى مرحلة الاقتلاع. كما شدد على أنّ مقاومة هذه الآفة بالرجوع لطرق انتشارها هي مسؤولية الجميع وعلى رأسها وزارة الإشراف وباقي الوزارات والفلاحين والمجتمع المدني ومختلف القطاعات المتداخلة.
ووفقًا للمكلف بالإدارة العامّة للصحّة النباتية ومراقبة المدخلات الفلاحية بوزارة الفلاحة، محمد رابح حجلاوي، فإنّ الوزارة رصدت اعتمادات تناهز 11 مليون دينار لتطبيق عناصر بروتوكول مقاومة الحشرة القرمزية، والذي ينص بدوره على وجوب استغلال التين الشوكي للحيوانات قبل إصابته بالحشرة القرمزية، وعلى رصد البؤر الجديدة للحشرة والاقتلاع والحرق لغراسات التين الشوكي حسب الوضعيات.
وقد أقرّ الحجلاوي في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، بأنّ التعامل مع الحشرة القرمزية كان بطيئًا جدًا نظرًا للإجراءات الإدارية، مما تسبب في انتشارها السريع في جل محافظات الساحل لتطال حتى محافظتي سيدي بوزيد وصفاقس.
اقرأ/ي أيضًا
فائض في ميزانية الدولة وتراجع في نسبة البطالة: هل تحسن الوضع الاقتصادي في تونس؟
أبرز الادعاءات المضللة ونظريات المؤامرة التي ارتبطت بجدري القردة