ما زال اللاجئون السوريون في لبنان يتعرضون بشكل منتظم لحملات تضليل وتحريض وخطاب كراهية، وفقًا لتقارير حديثة. وعلى الرغم من أن معظم هذه الحملات تُدار عبر الإنترنت، إلا أن تأثيراتها تمتد أحيانًا لتترجم إلى اعتداءات على أرض الواقع، خاصة في ظل تصاعد دعوات الترحيل القسري للسوريين في لبنان.
ويشير مراقبون إلى أن المشاعر المعادية للسوريين ازدادت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، مع تركيز الإعلام اللبناني على جرائم يُزعم تورط سوريين فيها، مما يُستغل كمحفز لحملات كراهية أوسع.
يراجع مسبار في هذا التقرير المعلومات المضللة ضد السوريين في لبنان، وفقًا لتقارير حديثة صدرت عن مؤسسات كمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، ومجتمع التحقق العربي ومؤسسة "إنفلوانسورز".
حادثة مقتل باسكال سليمان فاقمت انتشار التضليل الرقمي
يمر لبنان بظروف سياسية واقتصادية بالغة الصعوبة، ما أدى إلى تفاقم الانقسامات والاستقطاب داخل المجتمع، لا سيما في ظل استضافة البلاد لعدد كبير من اللاجئين السوريين. هذه الخلافات الداخلية امتدت إلى الفضاء الإلكتروني، ووفرت منصة إكس، بيئة خصبة لنشر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة. وتشير التقارير إلى أن خطاب الكراهية عقب الحوادث الأمنية في لبنان أصبح ظاهرة تتكرر بشكل ملحوظ.
تساهم الحوادث الأمنية في لبنان بشكل كبير في انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت. ولعل آخرها ما تسببت به حادثة اختطاف وقتل باسكال سليمان في إبريل/نيسان 2024. يُعدّ باسكال شخصية بارزة في حزب القوات اللبنانية، وتسبب حادث مقتله في تدفق كبير للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية.
بينما تبادل أعضاء حزب القوات اللبنانية وخصومهم المحليين ومن بينهم حزب الله، اتهامات متبادلة حول هوية الجاني، والتي كانت غير مستندة إلى أدلة في الغالب. لكن سرعان ما أعلن وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي أن “عصابة من المواطنين السوريين” كانت وراء الحادثة، مضيفًا أن الجناة نقلوا جثة سليمان إلى سوريا. التصريح الذي أثار موجة من ردود الفعل السلبية ضد السوريين في لبنان.
تناول بعض اللبنانيين التصريح باهتمام بالغ أعقبه مئات المنشورات المضللة على منصات “إكس” و “انستغرام”، التي تضمنت صورًا ومقاطع فيديو بعضها قديم وأُعيد نشره خارج سياقه الأصلي. كما كان كثير من مقاطع فيديو تروّج لعنف مفرط ضد السوريين، كتلك التي تُظهر مجموعات من الرجال وهم يهاجمون السوريين، مستهدفين منازلهم، سياراتهم، ومحالهم التجارية.
رالف بيضون، الباحث في “إنفلوانسورز” نشر تحقيقًا حول الخطاب المضلل عبر الإنترنت بعد مقتل سليمان. ووجد بيضون أن الفاعلين الرئيسيين في نشر المعلومات المضللة وخطاب الكراهية عبر الإنترنت بعد مقتل سليمان، كانوا من أنصار التيار الوطني الحر (FPM)، وهو حزب الرئيس اللبناني السابق ميشال عون.
يرى التقرير أن أنصار من التيار الوطني الحر ساهموا "بنسبة 42 بالمئة من المحتوى المعادي للاجئين"، بينما شكلت الحسابات غير المرتبطة سياسيًا أو المحايدة 18 بالمئة من المحتوى المعادي للاجئين. نشرت الحسابات المؤيدة لحزب الله 14 بالمئة من إجمالي المحتوى، بينما نشرت الحسابات المؤيدة للقوات اللبنانية 7 بالمئة، والحسابات "الأجنبية" 8 بالمئة.
منصة إكس أداة رئيسية للحسابات الوهمية التي تنشر معلومات مضللة
رصدت التقارير الجهات الرئيسية التي تروج للتحريض والمعلومات المضللة وخطاب الكراهية، والتي كانت تستخدم حسابات مجهولة الهوية على مدار السنوات الثلاث الماضية. وعلى الرغم من أن محللي وسائل التواصل الاجتماعي والإعلاميين وخبراء التواصل قد أشاروا إلى هذه الحسابات على أنها تسبب الانقسام وتشجع على العنف، إلا أنه لم يتم اتخاذ أي خطوات ملموسة لحظرها من منصة إكس أو الكشف عن هوياتها، وحذر منجزو التقرير بأن ذلك يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن الوطني اللبناني.
وأشارت التقارير بأنه رغم أن تحليل هذه الحسابات المجهولة يكشف عن انتماءاتها السياسية، تبقى هوياتها الحقيقية غير مؤكدة. فمن غير الواضح ما إذا كانت هذه الحسابات تمثل فعليًا ما تدّعيه من معتقدات، أو ما إذا كانت تتبنى شخصيات وانتماءات محددة لتغذية خطاب معادٍ للطرف الآخر.
وتشير تقارير، استعرضها مسبار سابقًا، أن إكس لا تتعامل بجدية كافية مع مسألة ضبط المعلومات المضللة وتصحيحها، مما يسهم في استمرار انتشار السرديات السامة على المنصة.
سياسيون ووسائل إعلام رئيسية شركاء بالتضليل ضد السوريين في لبنان
تشير التقارير إلى أن كبار المسؤولين في لبنان قد أطلقوا حملة تحريضية متصاعدة ضد اللاجئين السوريين، محاولين تصويرهم على أنهم يشكلون "تهديدًا وجوديًا" للبنان. تأتي هذه الحملة في وقت حساس، إذ عبرت جهات سياسية متعددة عن مخاوفها من أن تؤدي هذه التصريحات إلى ردود فعل قد تكون خطيرة على حياة وأمن اللاجئين السوريين في البلاد.
على سبيل المثال ألقى زعيم حزب الله، حسن نصر الله، خطابًا في مايو/أيار 2024، دعا فيه السلطات اللبنانية إلى “فتح البحر” أمام اللاجئين السوريين، مُلمحًا إلى أن بإمكانهم ركوب القوارب نحو أوروبا.
الخطاب المعادي للاجئين لم يكن مقتصرًا على التصريحات السياسية فقط، بل غذته أيضًا وسائل الإعلام التي لعبت دورًا كبيرًا في تأجيج هذه الأجواء المشحونة. ففي مارس/آذار 2024، كشف تحقيق مسبار عن حملة إعلامية واسعة تضمنت نشر لافتات ضخمة في شوارع لبنان تحت شعار "UNDO The Damage Before It's Too Late" (تدارك الضرر قبل فوات الأوان).
مؤسسات حكومية بالشراكة مع مؤسسات إعلامية موّلت وروجت للتضليل
تشير التقارير إلى أن الحملة الإعلامية كانت مدعومة من جهات رئيسية مثل قناة MTV، التي تُعد واحدة من أكثر القنوات التلفزيونية مشاهدة في لبنان، إلى جانب مؤسسات حكومية ومنظمات أخرى. استندت الحملة إلى معلومات مغلوطة وزعمت أن اللاجئين السوريين يشكلون أكثر من 40% من سكان لبنان، وهو رقم يفتقر إلى الدقة وفقًا لمصادر مستقلة.
كما استُخدمت في الحملة صور تعبيرية مأخوذة من سياقات مختلفة، كصور للاجئين سوريين في تركيا والأردن، والزعم أن أصحابها موجودون في لبنان. كما أن بعض هذه الصور لم يكن بالإمكان التحقق من مصدرها أو مكان التقاطها.
حملات تروّج أن السوريين يعيشون حياة مريحة في لبنان
يُواجه السوريون في لبنان اتهامات بأنهم يتمتعون بحياة أفضل من اللبنانيين، إذ تنتشر شائعات تفيد بأنهم يحصلون على أجور أعلى ولا يدفعون الضرائب، ويتلقون رواتبهم بالدولار الأميركي. كما تروج مزاعم بأنهم يشجعون على زيادة الإنجاب، ويميلون إلى ارتكاب الجرائم، ويُحمَّلون مسؤولية تفاقم الأزمة المالية في البلاد.
إلا أن المصادر تشير إلى عكس هذه الادعاءات، في الواقع، يعيش معظم اللاجئين السوريين في ظروف قاسية، إذ تشير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى أن 90٪ منهم يعانون من الفقر المدقع في لبنان، ما يعكس حقيقة مغايرة تمامًا للصورة المضللة المنتشرة عنهم.
تُعدّ المعلومات المضللة الموجهة ضد اللاجئين السوريين في لبنان ظاهرة مستمرة منذُ سنوات، لكنها تشهد تفاقمًا متزايدًا مع كل حادث أمني إلى جانب الأزمات الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها لبنان.
ويعبّر مراقبون عن مخاوفهم من أن تؤدي هذه المعلومات المغلوطة إلى تصاعد أعمال العنف في المستقبل، لا سيما في ظل تطور أساليب النشر وأدواته على وسائل التواصل الاجتماعي، التي تسهم في تضخيم هذه المعلومات بسرعة أكبر من قدرة الجهود المحدودة المتاحة لمكافحتها. ومع استمرار هذه الديناميكية، وضعف قدرة الدولة اللبنانية على احتواء الأزمة، تزداد المخاوف من تحول الشائعات والأخبار الكاذبة في لبنان، إلى محفزات لتوترات مجتمعية أوسع.
اقرأ/ي أيضًا
حملة UNDO تستهدف السوريين في لبنان بمعلومات مضللة وقصص مُختلقة