في 25 أغسطس/آب الفائت، اعتقلت السلطات الفرنسية مؤسس تطبيق تيلغرام بافيل دوروف، في مطار “لو بورجيه” شمالي باريس، بناءً على مذكرة توقيف صادرة عن السلطات.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة رويترز، فقد ألقي القبض على دوروف بموجب مذكرة اعتقال، كجزء من تحقيق أولي للشرطة، بتهم تتعلق بالأنشطة الإجرامية على تطبيق المراسلة، فيما قال الإعلام الفرنسي إن التحقيق يركز على نقص المشرفين على تيلغرام، وإن الشرطة ترى أن طريقة تيلغرام الحالية تؤدي لاستمرار النشاط الإجرامي على التطبيق دون رادع.
وبحسب تقرير رويترز، فإن السلطات الفرنسية تريد التحقيق في اتهامات تشمل الاحتيال والاتجار بالمخدرات والتنمر الإلكتروني والجريمة المنظمة والترويج للإرهاب. ويشتبه في أن دوروف فشل في اتخاذ إجراءات للحد من الاستخدام الإجرامي لمنصته.
أثار خبر الاعتقال جدلًا على المستوى العالمي حول طبيعة التطبيق ودوره في المجتمع الرقمي. وبينما يُروج له على أنه ملاذ آمن للمستخدمين الباحثين عن الخصوصية، تزايدت الاتهامات حول استخدامه كمنصة تسهل الأنشطة الإجرامية، وتداول المعلومات المضللة.
ميزات عديدة تجعل تيلغرام منصة مفيدة لكن قد تكون خطرة
يتمتع تيلغرام بميزات قوية من بينها التشفير الطرفي الذي يحمي الخصوصية بشكل كبير، وهو ما يجذب المستخدمين الباحثين عن حماية معلوماتهم من التجسس أو الرقابة. ومع ذلك، يواجه التطبيق اتهامات متزايدة بأنه أصبح ملاذًا للأنشطة الإجرامية، والمعلومات المضللة، وانتهاك الخصوصية.
وتعد الميزات التقنية المتقدمة والتشفير الذي يتمتع بها سببًا رئيسيًا لوضعه تحت المجهر من قبل بعض الحكومات منذ ظهوره. فهل يمثل تيلغرام فعلًا ملاذًا آمنًا للمستخدمين الباحثين عن الخصوصية، أم أنه يشكل تهديدًا خطيرًا على الأمن ويساهم بشكل أكبر في انتشار المعلومات المضللة؟
تتدفق المعلومات المضللة بكثرة على التطبيق
إن مبدأ حرية المشاركة والتعبير التي يتخذها التطبيق شعارًا له، قد استغلت مرارًا وأدت بحسب تقارير إلى انتشار سيل من المعلومات غير الدقيقة والمضللة، باستغلال كثير من المستخدمين الحرية التي يمنحها التطبيق في تبادل المعلومات.
وفقًا لتقرير استقصائي نشره موقع VSquare عام 2023 يركز الموقع على التحقيقات الصحفية العابرة للحدود، ، أصبح تيلغرام ملاذًا مفتوحًا لنشر المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة، خاصة في أوروبا الوسطى والشرقية.
القنوات التي تبث بلغات أوروبية، مثل الألمانية، تلعب دورًا مهمًا في نشر الآراء المتطرفة التي تؤثر على الجمهور والمعلومات التي يتلقاها في أوربا. ويشير التقرير إلى أن المقالات الصادرة عن مواقع الإعلام المضلل الألمانية يتم تداولها بشكل واسع عبر منصات أخرى، بما في ذلك قنوات تيلغرام. هذا الانتشار يؤدي إلى تعزيز التطرف الخفي للإعلام الأوروبي، والذي لم يلقَ الاهتمام والمواجهة الكافية.
تيلغرام متهم بأنه يتساهل مع السلوك غير القانوني
ذكرت دراسة نشرتها المجلة الدولية للبحوث المبتكرة في التكنولوجيا (IJIRT) في يونيو/حزيران 2024 أن المجموعات والمحادثات العامة على تطبيق تيلغرام تعزز السلوك غير القانوني، بما في ذلك تداول المواد الإباحية، المقامرة، والقرصنة، مما يساهم في ارتفاع معدل الجرائم العالمية.
وأظهرت الدراسة سهولة الوصول المقلقة إلى هذه المجموعات والمحادثات التي تروج للأنشطة الإجرامية. حيث كشف تحليل سجلات المحادثات لعينة مستهدفة من 300 مجموعة، بالإضافة إلى فحص المواقع المرتبطة بها، عن انتشار مقلق للنشاط الإجرامي ضمن مجتمعات تيلغرام. وأكدت الدراسة وجود علاقة حاسمة بين سهولة الوصول إلى تيلغرام وزيادة النشاط الإجرامي في منتدياته العامة.
ارتفاع الأنشطة الإجرامية على تيلغرام بنسبة 53%
أفاد فريق مختبر كاسبرسكي وهي شركة متخصصة في أمن الحواسيب في دراسة بحثية حديثة، عن تزايد مقلق في الأنشطة الإجرامية على تطبيق تيلغرام، حيث ارتفعت بنسبة 53% خلال العام الحالي. وفي تقرير نشرته مجلة (Security Review)، نقلت المجلة عن كاسبرسكي أن المجرمين الإلكترونيين ينشطون على قنوات ومجموعات مخصصة على تيلغرام لمناقشة مخططات الاحتيال، توزيع قواعد البيانات المسروقة، وتداول خدمات إجرامية متنوعة مثل تحويل الأموال وتزوير المستندات.
وصرح فريق كاسبرسكي بأن الاهتمام المتزايد بتيلغرام من قبل مجتمع الجريمة الإلكترونية مدفوع بعدة عوامل رئيسية. أولاً، يتمتع التطبيق بشعبية كبيرة حيث وصل عدد مستخدميه إلى 900 مليون شهريًا، وفقًا لمؤسسه بافيل دوروف.
ثانيًا، يُسوَّق تيلغرام على أنه من أكثر التطبيقات أمانًا وخصوصيةً، إذ لا يجمع بيانات المستخدمين، مما يمنح المجرمين الإلكترونيين شعورًا بالأمان وفرصة أكبر للإفلات من العقاب. بالإضافة إلى ذلك، يُعد العثور على مجتمع أو إنشاء واحد على تيلغرام أمراً سهلًا نسبيًّا، مما يتيح، إلى جانب عوامل أخرى، للقنوات الإجرامية تجميع جمهور كبير بسرعة"، وفقًا لتحليل أليكسي بانيكوف، المحلل في استخبارات بصمة كاسبرسكي الرقمية.
التطبيق تستغله شبكات ابتزاز واستغلال وتعنيف
في مارس/آذار 2024، نشرت ذا صحيفة واشنطن بوست، تحقيقًا صحفيًا، يؤكد اعتقال السلطات الأميركية لشبكة تبتز الأطفال والمراهقين القاصرين، وتدفعهم لأذى أنفسهم عبر منصات التواصل الاجتماعي وبالتحديد منصة تيلغرام. وبحسب التحقيق الذي أورد مقابلات مع الضحايا، ينشر أعضاء الشبكة على مجموعات ضمن تطبيق تيلغرام صورًا إباحية للأطفال، ومقاطع فيديو للتنكيل بالجثث، وصور الجروح التي تسببوا فيها للأطفال بعد ابتزازهم ودفعهم لأذى أو حتى قتل أنفسهم.
وذكرت الصحيفة أن إحدى مجموعات الدردشة التي تضم الآلاف من الأعضاء، شهدت سلوكيات تباهي من قبل أفراد شبكة إجرامية بأفعالهم المسيئة، مع تبادل النصائح حول كيفية العثور على ضحايا والتلاعب بهم.
لم تقدم إدارة التطبيق ردودًا تفصيلية حول الشبكة التي كشفت عنها الصحيفة، لكنها أصدرت بيانًا أشارت فيه إلى أن المنصة تقوم يوميًّا بإزالة ملايين المحتويات الضارة من خلال "المراقبة الاستباقية للأجزاء العامة من المنصة وتلقي بلاغات المستخدمين". وصرح المتحدث باسم "تيلغرام"، رييمي فون، قائلًا "إن إساءة معاملة الأطفال والدعوات للعنف محظورة تماماً وفق شروط خدمة المنصة".
هل تيلغرام المتهم الوحيد؟
تواجه معظم منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك فيسبوك، إكس، إنستغرام وغيرها، تحديات مماثلة فيما يتعلق بإساءة الاستخدام. ومع ذلك، صرّح مصدر في الشرطة الفرنسية لصحيفة نيويورك تايمز هذا الأسبوع بأن تيلغرام يُعتبر أقل تعاونًا مع السلطات مقارنةً بغيره من منصات التواصل الاجتماعي.
وفي تقرير صادر عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي حول دور منصتي فيسبوك وتيلغرام في نشر خطاب الكراهية وتأجيج العنف، أشارت الأمم المتحدة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا في تأجيج النزاعات مثل حرب تيغراي في إثيوبيا والإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار. ورغم التقدم في مراقبة المحتوى، تواجه هذه المنصات انتقادات لعدم اتخاذ إجراءات كافية لمنع الأذى، بما في ذلك الاستخدام الخاطئ للخوارزميات التي تضخم المحتوى الضار. المقالة تقدم حلولًا لمراقبة المحتوى وتدعو لتعزيز الرقابة والتنظيم لمواجهة خطاب الكراهية.
ورغم التدقيق الدولي المكثف الذي خضعت له المنصات بعد النزاعات، صرّح مستشار الأمم المتحدة الخاص لمنع الإبادة الجماعية في أكتوبر 2022 بأن خطاب الكراهية والتحريض على العنف الإبادي على وسائل التواصل الاجتماعي مازال مستمرًا في "تأجيج تطبيع العنف الشديد" في إثيوبيا.
وفي ديسمبر 2022، رُفعت دعوى قضائية بقيمة 1.6 مليار دولار أمام المحكمة العليا في كينيا ضد شركة ميتا، متهمةً إياها بتضخيم خطاب الكراهية والتحريض على العنف عبر فيسبوك فيما يتعلق بحرب تيغراي في إثيوبيا بين عامي 2020 و2022.
وأفاد تقرير مؤسسة كارنيجي، بأن شركات التواصل الاجتماعي قد أحرزت تقدمًا حقيقيًا في ممارساتها للحد من الأفعال المسيئة، إلا أن هذه الشركات، إلى جانب الهيئات التنظيمية والمجتمع المدني، لا تزال عاجزة عن معالجة جميع الأضرار المحتملة المرتبطة بمنصاتها ومنعها بشكل كامل.
تيلغرام: بين منصة آمنة إلى مركز للجريمة الإلكترونية
أفاد تقرير صادر عن شركة "KELA Cyber" المتخصصة في التهديدات السيبرانية، أن تيلغرام أصبح الوجهة المفضلة للباحثين عن الخصوصية، وذلك بفضل خاصية التشفير السحابي التي تتيح للمستخدمين تبادل الرسائل، الفيديوهات، الدردشات، والوثائق المختلفة بأمان، بما في ذلك ملفات الوسائط المتعددة. ومع ذلك، فإن هذا المستوى العالي من الأمان حوّله تدريجيًا إلى منصة رئيسية لنشاط الجريمة الإلكترونية. فبفضل التشفير المتقدم وإمكانية إنشاء قنوات ومجموعات دردشة خاصة، يجد مسؤولو إنفاذ القانون صعوبة في مراقبة هذه الأنشطة الإجرامية وتتبعها.
إضافة إلى ماسبق، يوفر التطبيق عملة مشفرة تُعرف باسم TON أو "Toncoin "، التي تمكن المستخدمين من إجراء تبادلات مالية مباشرة داخل الدردشات. وفقًا للتقرير، يستخدم المجرمون الإلكترونيون تيلغرام لتسريب وبيع البيانات الشخصية وبيانات الشركات، مستفيدين من التطبيق لنشر وتسويق المعلومات المسروقة من خلال هجمات الفدية والعصابات الإلكترونية. كما يُستغل في تجارة غير قانونية تشمل بيع بطاقات الائتمان، الشيكات، والأدوات المالية.
كذلك، تستخدمه بعض المجموعات الاجرامية لنشر تفاصيل هجماتهم، بينما يتم بيع المنتجات غير القانونية من خلاله، مثل الأسلحة، المخدرات، المنتجات المقلدة، وحتى الوثائق الطبية المزورة كتلك المتعلقة بجائحة COVID-19. كما يشهد التطبيق تبادل أدوات الاختراق مثل برامج سرقة كلمات المرور، وبرمجيات الفدية. كل هذه العوامل جعلت من تيلغرام كما تشير التقارير “بيئة مثالية للجريمة الإلكترونية”، حيث يتمتع بحماية قوية ضد تدخل وكالات إنفاذ القانون، الأمر الذي أدى لزيادة الضغوط على الشركة، وعقد جهود الرقابة والملاحقة.
تيلغرام بين مجهولية الهوية والأمان الرقمي: سلاح ذو حدين
يقدم تيلغرام العديد من الميزات التي تمنح المستخدمين مستوى عالٍ من المجهولية على الإنترنت، يلتزم التطبيق بسياسة خصوصية صارمة، حيث لا تشارك المنصة عناوين "IP" أو أرقام الهواتف أو أي معلومات شخصية مع وكالات إنفاذ القانون. كما تتيح منصة البلوكشين “Fragment” للمستخدمين شراء أرقام مجهولة باستخدام عملة "Toncoin"، مما يمكّنهم من التسجيل في تيلغرام دون الحاجة إلى بطاقة "SIM" وهو ما يطمح إليه الكثيرون.
على الرغم من أن إخفاء الهوية قد يكون ضروريًا في بعض الأحيان، خاصة للصحفيين والشهود والناشطين وغيرهم ممن يحتاجون إلى الحفاظ على سرية معلوماتهم، إلا أن هذه الميزة قد تُستغل أحيانًا في أنشطة غير قانونية.
وفقًا لتقرير نشرته مجلة “Cybersecurity” الأميركية، فإن أبرز الأسباب التي تجعل تيلغرام مفضلًا لدى المتسللين هي خاصية "الدردشة السرية"، التي توفر تشفيرًا من طرف إلى طرف، مما يمنع أي جهة ثالثة، بما في ذلك التطبيق نفسه، من الوصول إلى الرسائل، باستثناء المرسل والمستقبل. بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر التسجيل المجهول أحد العوامل الرئيسية، حيث يتيح للمستخدمين إنشاء حسابات دون الحاجة إلى الكشف عن معلومات شخصية، مما يسهل عليهم إنشاء هويات مزيفة، ويمنحهم سهولة أكبر بالقيام بأنشطة غير مشروعة.
تيلغرام: الاتهامات غير صحيحة وليس لدينا ما نخفيه
أصدر تيلغرام بيانًا يؤكد فيه أن الرئيس التنفيذي للشركة، بافيل دوروف، 'ليس لديه ما يخفيه'، مشددًا أن قواعد الإشراف ضمن التطبيق تتحسن باستمرار. وأكد البيان أن 'الادعاءات بأن المنصة أو مالكها يتحملون مسؤولية إساءة استخدام المنصة هي سخيفة وغير واقعية".
كما أشار البيان إلى أن دوروف يسافر بانتظام داخل أوروبا، وأن تيلغرام يلتزم بقوانين الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك قانون الخدمات الرقمية، الذي يهدف إلى ضمان بيئة آمنة ومسؤولة على الإنترنت. ولفت أيضًا إلى أن ما "يقرب من مليار مستخدم حول العالم يعتمدون على تيلغرام كوسيلة للتواصل ومصدر للمعلومات الحيوية". واختتم البيان قائلًا "نحن نسعى لحل هذا الوضع بسرعة. تيلغرام يقف إلى جانب جميع مستخدميه.
اقرأ/ي أيضًا
حرية التعبير والأمن القومي: تطور العلاقة بين الحكومات وكبرى شركات التواصل الاجتماعي