` `

على غرار تغطيتها لحرب غزة.. وسائل إعلام غربية تنحاز لإسرائيل في تقاريرها حول العدوان على لبنان

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
3 أكتوبر 2024
على غرار تغطيتها لحرب غزة.. وسائل إعلام غربية تنحاز لإسرائيل في تقاريرها حول العدوان على لبنان
عمدت وسائل إعلام كبرى إلى استعمال مصطلحات غامضة ومضللة حول أخبار لبنان

منذُ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كشف مسبار في تقارير عدة تحيّز بعض وسائل الاعلام الغربية الكبرى لصالح إسرائيل في تغطيتها لمجريات الأحداث، كان هذا الانحياز واضحًا على مستويات عديدة كاللغة والأسلوب وعرض الحقائق.

على نحو مشابه كانت تغطية بعض وسائل الإعلام الغربية مؤخرًا فيما يتعلق بالتصعيد الإسرائيلي والعدوان على لبنان تتسم في بعض الأحيان بالتحيّز والانتقائية والغموض على مستوى اللغة، الأمر الذي قد ينظر إليه في بعض الأحيان على أنه تشويه للسردية الأصلية، وحجب للحقائق، وتحيّز لصالح إسرائيل.

عناوين غامضة تدفن معها الحقائق

لعناوين الأخبار أهمية كبرى، وهي أول عنصر يتعرض له المتلقي، كثير من القراء يكتفون فقط بالتعرض وقراءة العنوان ولا يتابعون متن الخبر أو تفاصيله، وفقًا لدراسة فإنّ 59% من الأشخاص (عيّنة الدراسة) يقرؤون العنوان على منصات التواصل الاجتماعي دون أن يقرؤوا كلمة واحدة من النص، وكثير منهم يشاركون الخبر بناء على العنوان أو الصورة المرفقة به. 

لهذا تلعب العناوين دورًا كبيرًا في تشكيل تصور القراء للمحتوى. وإذا كانت متحيزة أو غامضة، فقد تشوّه الحقيقة وتخلق تصورات غير دقيقة.

رغم وضوح المنفِّذ.. تجنب الإشارة له عند ذكر الضربات الجوية 

في 26 سبتمبر/أيلول الفائت، وخلال تغطيتها للضربات الجوية الاسرائيلية على لبنان، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) خبرًا يحمل عنوانًا غامضًا ومضللًا. كان العنوان: “القنابل في كل مكان-الناس يفرون من الضربات الجوية في لبنان”، تغاضى العنوان عن الإشارة إلى الفاعل الحقيقي وراء تلك الضربات، وهو اسرائيل. 

عنوان بي بي سي حول الضربات على لبنان
عنوان BBC  في 26 سبتمبر حول الضربات الجوية الإسرائيلية

على نحو مماثل، قامت ABC News بعنونة العديد من الأخبار المتعلقة بتعرض لبنان لضربات جوية، وإغفال حقائق أساسية، إذ كانت عناوين الوكالة تفتقر إلى الإشارة إلى الجهة التي نفذت عمليات القصف، أي إسرائيل. حتى في مقدمة الخبر، كانت الضربات توصف وكأنها مجهولة المصدر.

عنوان ABC News حول الضربات الاسرائيلية
مثال لعنوان خبر حول لبنان كانت قد نشرته ABC News في الأول من أكتوبر الجاري

هذا النهج في صياغة الأخبار قد يعدّ مضللًا لأسباب عدة. إنّ عدم ذكر مصدر القصف بشكل صريح يحجب جزءًا جوهريًا من القصة، ويؤدي إلى ضبابية في فهم المتلقي للحدث، مما يضعف من إمكانية إدراكه للسياق السياسي والعسكري الحقيقي.

عندما لا يتم توضيح الطرف المعتدي، قد يتم استنتاج أسباب خاطئة عن طبيعة الأحداث، مما يفتح الباب أمام التفسيرات المضللة، خاصة بالنسبة للمتلقي الغربي البعيد عن المنطقة الجغرافية التي تدور بها الأحداث. 

وقد يخلق هذا النوع من العناوين إحساسًا بالتكافؤ بين الطرفين، وكأن الضربات الجوية جزء من حالة عامة من الفوضى أو العنف، دون التمييز بين المعتدي والمعتدى عليه. هذا من شأنه أيضًا تقليل المسؤولية التي يتحملها الطرف المتسبب في هذه الهجمات، وهو في هذه الحالة إسرائيل، ما قد يؤثر على الرأي العام العالمي، وخاصة الغربي، وقد يخفف من وطأة الإدانات الدولية للانتهاكات.

فوكس نيوز وتبني الرواية الإسرائيلية في العنوان ومتن الخبر

تغطية قناة فوكس نيوز للأحداث في لبنان كانت متحيزة بشكل واضح لصالح إسرائيل، مقارنةً بغيرها من وسائل الإعلام الغربية، إذ ركزت القناة على تبني الرواية الإسرائيلية الرسمية، وحجبت عن المتلقي وجهات النظر الأخرى.

وعلى النحو الذي غطت فيه القناة أخبار الحرب على غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 ضمن نافذتها، التي عنونتها “الحرب على إسرائيل"، تجاهلت فوكس نيوز الرواية الفلسطينية تمامًا، واستمر هذا النمط في تقاريرها عن لبنان، إذ تركّزت العناوين الرئيسية على تصريحات المسؤولين الإسرائيليين والتركيز على تكرار مصطلحات مثل “الإرهاب” و"الإرهابيين" في العناوين الرئيسية، مع تجنب الإشارة إلى المدنيين وأعداد القتلى منهم، أو حالات النزوح أو تدمير المنازل. 

هذا النهج يعكس انحيازًا مهنيًا واضحًا، إذ يتجاهل التوازن والموضوعية الضروريتان في عرض الأحداث، مما يفقد التغطية صدقيّتها ويجعلها تفتقر إلى المعلومات الحيوية اللازمة لتكوين صورة متكاملة وشفافة.

عناوين فوكس نيوز حول الهجمات على لبنان
بعض العناوين الرئيسية في نافذة فوكس نيوز حول لبنان كانت منحازة بشكل واضح لإسرائيل

اللغة الناعمة والموت كأثر جانبي وضرورة

في أحد الأخبار حول الضربات الجوية على لبنان، وبمعزل عن غموض العنوان صاغت بي بي سي في متن خبرها وبدايته “كانت للهجمات الإسرائيلية على أهداف حزب الله آثار مرعبة على المدنيين المحليين، الذين أجبروا على الفرار من مكان إلى آخر بحثًا عن الأمان”.

لقطة شاشة لمقدمة خبر بي بي سي حول الضربات الجوية على المدنيين
لقطة شاشة لمقدمة خبر بي بي سي حول الضربات الجوية على المدنيين

صوّر أسلوب صياغة بي بي سي الضربات الاسرائيلية وكأنها موجهة بشكل مباشر ضد حزب الله وتراعي حياة المدنيين، ممن فروا (وربما يفهم من ذلك أنهم نجوا)، رغم أن التقرير ذكر فيما بعد بشكل خجول أن المئات منهم فقدوا حياتهم، إلا أنه لم يذكر ذلك كجزء من السردية الرئيسية وفي مقدمة الخبر، ولم يربطه بشكل مباشر مع القصف الإسرائيلي. 

الخبر أعطى المساحة الأكبر لتوضيح أن الهجمات كانت تستهدف حزب الله، بينما تم التطرق إلى معاناة المدنيين بشكل سطحي، مما يُظهر انحيازًا ضمنيًا في السرد، وليصبح موتهم أثرًا جانبيًّا وأمر لا يمكن تجنبه. استخدمت بي بي سي في البداية تعابير فضفاضة مثل "آثار مرعبة" و"أجبر" المدنيين على الفرار، لكنها لم تعكس بوضوح من الذي أجبرهم فعلًا، ولم تمنح الكارثة الناتجة عن الضربات الاسرائيلية الوصف المتوازن مع حجم الحدث.

هذا النوع من المصطلحات المستخدمة يمكن أن يخفف من حجم المعاناة الفعلية التي يعانيها المدنيون، إذ فقد الكثير منهم حياتهم أو يجبرون على النزوح الجماعي، بسبب الضربات الاسرائيلي ولم يكونوا ليختاروا ذلك لولا حدوثها، إذًا ضمن التغطية العامة ذكر ذلك هو عنصر جوهري، كونه السبب المباشر.

كما بدت الضربات الإسرائيلية وكأنها محدودة الضرر أو القصد على المدنيين، وهو ما يتناقض مع التقارير الحقوقية العديدة التي وصفت الضربات بأنها الأعنف على لبنان منذ عقود، من ناحية الحجم ونوعية الأسلحة المستخدمة.

إسرائيل ترسل قواتها: هل هي زيارة! أم غزو  وعملية عسكرية؟

مع بدء العملية العسكرية الإسرائيلية على لبنان في 30 سبتمبر الفائت، وجه مراقبون ومستخدمون انتقادات لتغطية وسائل الإعلام الغربية، مشيرين إلى تحيّز واضح في تغطية الأحداث في لبنان.

ولفت بعض المستخدمين الانتباه إلى عناوين منحازة كانت قد نشرتها عدة وسائل إعلام من بينها صحيفة ذا نيويورك تايمز، كالخبر الذي جاء بعنوان “إسرائيل ترسل قواتها إلى جنوب لبنان” قبل بدء العملية البرية. وعبّرت بعض الانتقادات عن هذا التحيّز من خلال مقارنة تغطية الصحيفة نفسها للغزو الروسي لأوكرانيا، وإختلاف المصطلحات، مشيرين إلى تبني الصحيفة للرواية الإسرائيلية في تغطيتها للعداون الإسرائيلي على لبنان.

أين تختفي ملاحظات التصحيح التابعة لمنصة إكس؟

في 13 أكتوبر 2023، رصد تقرير مسبار تدوينة نشرتها بي بي سي واستخدمت فيها مصطلحات تميل لصالح الجانب الإسرائيلي، خلال الحرب على غزة. تدخل آنذاك برنامج “ملاحظات المجتمع”، وهو مجتمع تابع لمنصة إكس يتيح لبعض المستخدمين تقديم تصحيحات للتغريدات التي قد تكون مضللة أو تفتقر إلى معلومات هامة قد تغير من فهم الأحداث، ونصحت بي بي سي حينها بإعادة مراجعة الخبر لتفادي التحيز الواضح في صياغته. رغم ذلك، اختفى التصحيح في وقت لاحق أو حُذف لأسباب غير معروفة. 

لقطة شاشة من تقرير مسبار
أشار تقرير لمسبار مع بداية الحرب على غزة إلى اختفاء ملاحظة لمجتمع إكس كانت موجهة لبي بي سي

الأمر ذاته تكرر في 27 سبتمبر الفائت حول لبنان، إذ أضاف برنامج ملاحظات المجتمع توضيحًا على منشور آخر لبي بي سي، وأشير إلى أن عنوانها حول الضربات الجوية على لبنان قد يكون مضللًا نظرًا لعدم ذكر الجهة المسؤولة عن القصف. 

وكما حدث في الحالة السابقة، اختفت هذه الملاحظة أيضًا بعد أيام قليلة، إلا أن مسبار احتفظ بلقطة شاشة للتوضيح قبل حذفه. لم توضح منصة إكس هذه الممارسات التي قد تضر بالشفافية والصدقية، وتكرس الانحياز، وقد يساعد في تغذية مناخ التضليل على المنصة.

تغريدة بي بي سي مع ملاحظة من مجتمع إكس
وضع برنامج ملاحظات مجتمع إكس ملاحظة على تغريدة BBC بأنها مضللة في 27 سبتمبر
تغريدة بي بي سي مع ملاحظة محذوفة من مجتمع إكس
اختفت ملاحظة مجتمع إكس لاحقًا أو حذفت لأسباب مجهولة 

منظمات اسرائيلية مازالت تضغط على وسائل الإعلام لضمان توجيه تغطيتها

رغم صدور العديد من التقارير التي تكشف عن التحيّز الواضح لوسائل الإعلام الغربية لصالح إسرائيل، إلا أن منظمات الضغط لا تزال تمارس نفوذها على هذه الوسائل لضمان استمرار تغطيتها بما يتماشى مع الرواية الإسرائيلية.

في الفترة الأخيرة، نشرت منظمات مثل Honest Reporting، وهي منظمة تراقب وسائل الإعلام وتضغط عليها لتكييف أخبارها وفقًا للمصالح الإسرائيلية، تقارير جديدة. وزعمت المنظمة أن وسائل الإعلام الغربية “مجّدت” شخصية حسن نصر الله في أخبارها، بعد اغتياله وتجنبت وصفه بالإرهابي.

تقرير منظمة ضغط إسرائيلية
تقرير نشرته منظمة  Honest Reporting في 29 سبتمبر زعمت فيه أن وسائل إعلام كبرى منحازة ضد إسرائيل

وفي سياق متصل، نشرت صحيفة ذا تليغراف البريطانية في السابع من سبتمبر الفائت، تحقيقًا يزعم أن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) “انتهكت قواعدها التحريرية 1500 مرة” أثناء تغطيتها للحرب على غزة.

التقرير، الذي أعده محامٍ إسرائيلي، اتهم بي بي سي بالتحيّز الشديد ضد إسرائيل. إلا أن مسبار كان قد كشف في تقرير سابق عن أخطاء منهجية تحقيق ذا تليغراف، مشيرًا إلى وجود شكوك حول التزام معدّيه بأساسيات الصحافة. وعلى عكس هذه الادعاءات بيّن تقرير مسبار بالاستناد لأدلة عديدة أن تغطية بي بي سي، كانت منحازة بشكل واضح لصالح إسرائيل.

وسائل الإعلام لها سوابق كثيرة في تكييف عناصر الأخبار لغايات سياسية

تشير تقارير عديدة، بما في ذلك تحقيقات مسبار الواسعة حول التحيّز الإعلامي، إلى أن العديد من وسائل الإعلام التي كانت تدعي المهنية، الشفافية، والحياد، وقعت في فخ هذا التحيز في ظل أحداث سياسية كبرى وضعتها تحت الاختبار، كالحرب على غزة. 

ورغم قلة الدراسات الكبرى التي أجريت حول التغطية الإعلامية الغربية للحرب على غزة ولبنان، يتجلى هذا الأمر بشكل واضح في دراسة أجرتها جامعة روتشستر عام 2023، والتي كشفت أن التحيز في العناوين الإخبارية أصبح أكثر وضوحًا في وسائل الإعلام الأميركية، لا سيما عند تناول القضايا المحلية والسياسية، إذ كشف الباحثون بتحليل 1.8 مليون عنوان إخباري خلال الفترة من 2014 إلى 2022، أن وسائل الإعلام المختلفة تعتمد بشكل كبير على صياغة العنوان وتستخدم كلمات معينة لتعكس توجهات سياسية منحازة. 

اقرأ/ي أيضًا

انحياز الإعلام الغربي في أسلوب صياغة الأخبار عن الحرب على غزة

من مظاهر انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل في تغطية الحرب على غزة

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة