مع مرور عام على بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، ما تزال إسرائيل تعتمد على أساليب التضليل الإعلامي كجزء من استراتيجيتها العسكرية والدعائية، وتواصل الترويج لعدد من المزاعم التي تم دحضها مرارًا، أبرزها مزاعم الاعتداءات الجنسية خلال عملية طوفان الأقصى.
وعلى الرغم من عدم وجود أيّ أدلة تثبت صحة هذه المزاعم، تواصل إسرائيل نشرها بشكل مستمر، مكرسة كلّ فرصة لإعادة طرحها بهدف التأثير على الرأي العام الدولي، وتحديدًا للتأثير في الحكومات والمنظمات الحقوقية العالمية.
وتُعدّ هذه المزاعم جزءًا من حملة دعائية ممنهجة تهدف إلى تشويه صورة فصائل المقاومة الفلسطينية، فالترويج لمثل هذه المزاعم يأتي ضمن مخطط لتبرير الجرائم العسكرية الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة، والتهرب من المحاسبة الدولية على الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين الفلسطينيين.
كما تستخدم إسرائيل هذه الادعاءات كأداة لتوجيه الرأي العام العالمي، وتحويل الأنظار بعيدًا عن الانتهاكات الفعلية التي يرتكبها جيشها في قطاع غزة.
نستعرض في المقال التالي، أبرز التحقيقات التي عمل عليها مسبار خلال العام الفائت، والتي ركزت على تفنيد المزاعم المتكررة التي تروج لها إسرائيل دون أيّ أدلة. كما سنلقي الضوء على أدوات البروباغندا الإسرائيلية التي كانت جزءًا من استراتيجيتها الإعلامية على مدار الحرب الجارية.
تكرار مزاعم الاعتداءات الجنسية خلال عام من الحرب رغم نفيها
منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، روّجت وسائل إعلام إسرائيلية، بدعم من تصريحات رسمية، لمزاعم تفيد بارتكاب مقاتلي المقاومة الفلسطينية اعتداءات جنسية بحق إسرائيليات خلال عملية طوفان الأقصى. انتشرت هذه المزاعم بشكل واسع في الصحف والقنوات التلفزيونية الإسرائيلية والعالمية، وأصبحت أداة لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية على الساحة الدولية.
على مدار عام من الحرب، سبق لمسبار أن فند عشرات الادعاءات المتعلقة بالاغتصاب والاعتداءات الجنسية، ولم تجد التحقيقات أي دليل يدعم هذه المزاعم. ومع ذلك، تستمر هذه الادعاءات بالظهور لتبرير الجرائم التي تُرتكب في غزة.
ورغم غياب الأدلة ونفي منظمات حقوقية دولية، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تواصل التلميح لهذه الادعاءات ضمن حملة تضليلية تستهدف التأثير على الرأي العام الدولي. إلى جانب ذلك، قدمت أسيرات إسرائيليات أُفرج عنهن من قِبل حماس شهادات تؤكد أنهن تلقين معاملة إنسانية ولم يتعرضن لأي اعتداء. وتأتي هذه الادعاءات ضمن محاولة شيطنة فصائل المقاومة الفلسطينية وتشبيهها بالتنظيمات الإرهابية، لتبرير المجازر التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة.
ورغم النفي المتكرر من جانب الأسيرات والمنظمات الحقوقية، تواصل إسرائيل والولايات المتحدة الترويج لهذه المزاعم. ومن أبرز المروجين لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كرر هذه الادعاءات في عدة مناسبات، كان آخرها خطابه أمام الأمم المتحدة في 27 سبتمبر/أيلول الفائت، أي قبل أيام قليلة من إكمال الحرب لعامها الأول.
كما تطرقت كامالا هاريس في المناظرة الرئاسية التي جمعتها مع دونالد ترامب، في سبتمبر الفائت، إلى نفس المزاعم المتعلقة بالاعتداءات الجنسية في طوفان الأقصى، وجاء ذلك ضمن سلسلة من التصريحات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون وأميركيون لترويج هذه الادعاءات.
انسياق الإعلام الغربي وراء المزاعم الإسرائيلية
لاحظ مسبار خلال عام من الحرب انسياق وسائل الإعلام الغربية وراء التصريحات التي تروّج للمزاعم الإسرائيلية، مع تجاهل كبير للأدلة التي تعارض هذه المزاعم، مثل شهادات الأسيرات الإسرائيليات اللواتي أكدن تلقيهن معاملة إنسانية لدى حماس. كما أظهرت مراجعة مسبار لتغطية الإعلام الغربي تجاهلًا لتقارير أممية وحقوقية تسلط الضوء على "الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان" التي تتعرض لها النساء الفلسطينيات على أيدي الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر 2023.
كما بيّنت المراجعة وجود انحياز واضح في تغطية وسائل الإعلام الغربية، إذ ركزت معظم الصحف الكبرى على ترويج مزاعم العنف الجنسي ضد الإسرائيليات، بينما تم التعتيم بشكل كبير على تقرير الأمم المتحدة الذي ندد بالعنف الجنسي الممارس ضد الفلسطينيات. ويظهر ذلك بوضوح في عدم تغطية كبرى وسائل الإعلام لهذا التقرير بشكل عادل وموازٍ.
مزاعم استهداف المواقع العسكرية فقط وتجنب استهداف المدنيين
منذ بداية الحرب على غزة، تواصل إسرائيل الترويج لمزاعم أن عملياتها العسكرية تستهدف المواقع العسكرية ومقاتلي حماس فقط، مع التأكيد على بذل جهود لتجنّب استهداف المدنيين. هذه المزاعم المتكرّرة، رغم نفيها من قِبَل منظمات حقوقية دولية، تتكرّر في التصريحات الرسمية وعبر وسائل الإعلام، إذ يروّج المسؤولون الإسرائيليون أن قواتهم تقدّم تحذيرات مسبقة للمدنيين قبل أي هجوم لتقليل الخسائر البشرية، وأنها تعمل على تجنّب استهداف المدنيين بشتى الطرق.
ورغم هذه المزاعم المتواصلة، فإن الواقع الميداني في غزة يكشف عن حقائق مغايرة. إذ وثّقت وسائل الإعلام مئات المشاهد التي تؤكد استهداف المدنيين بشكل مباشر. كما أشارت تقارير أممية وحقوقية إلى أن الغارات الإسرائيلية استهدفت منازل المدنيين، والمدارس، والمستشفيات، وحتى أماكن اللجوء مثل خيام النازحين.
وفي الوقت الذي تدّعي فيه إسرائيل حرصها على حياة المدنيين، أودت الحرب بحياة أكثر من 41 ألفًا و909 فلسطينيين، وأصابت 97 ألفًا و303 آخرين، وذلك حتى السابع من أكتوبر 2024. وخلال العام، نشر مسبار عشرات التحقيقات التي أكدت استهداف المدنيين بشكل مباشر.
كما أكدت شهادات جنود إسرائيليين أنهم استهدفوا النساء والأطفال والمدنيين العُزّل للتسلية والتقليل من الملل. وأشاروا إلى أنهم كانوا يطلقون النار دون تمييز بين المدنيين والمسلحين.
ويكشف تحليل هذه المزاعم، عن استراتيجية إعلامية تهدف إلى تبرير العمليات العسكرية أمام المجتمع الدولي.
وبينما تستمر إسرائيل في مزاعمها حول تقليل الخسائر بين المدنيين، تؤكد الشهادات الموثّقة والتقارير الحقوقية الدولية أن المدنيين كانوا هدفًا مباشرًا لإسرائيل.
المزاعم الإسرائيلية حول استخدام المدنيين كدروع بشرية
وما تزال أبرز المزاعم الإسرائيلية التي تتكرر في كل مناسبة، والتي صرّح بها رئيس الوزراء الإسرائيلي في عدة مناسبات، منها أمام الكونغرس الأميركي في يوليو/تموز الفائت، ويشاركه فيها المتحدثون باسم الجيش الإسرائيلي بشكل مستمر على حساباتهم وعلى وسائل الإعلام العربية والغربية، تدور حول أن حماس تستخدم المدنيين كدروع بشرية.
ورغم تكرار هذه المزاعم على مدار عام، لم تقدّم إسرائيل أي أدلة مادية قاطعة تمّ قبولها من قبل أي جهة رسمية أممية أو دولية، مكتفية بالإعلان عن فتح تحقيق في الموضوع دون إصدار نتائجه حتى الآن، ليظل الأمر مجرد مزاعم غير مدعومة بأدلة.
في المقابل، نشر مسبار خلال العام عدة مقالات مدعومة بأدلة ومؤشرات توثّق عشرات الجرائم التي تثبت استخدام إسرائيل للفلسطينيين المدنيين كدروع بشرية خلال الحرب على غزة، وفي الضفة الغربية أيضًا، ما يشير إلى أن استخدام المدنيين كدروع بشرية هو سياسة منهجية يتبعها الجيش الإسرائيلي، الذي يحاول التنصل من المسؤولية بعد ارتكاب الجرائم عبر توجيه الاتهامات إلى فصائل المقاومة الفلسطينية، في محاولة لقلب الحقائق.
مزاعم حول تحسين الظروف الإنسانية في غزة
خلال عام من الحرب على غزة، تواصل إسرائيل التروّيج لمزاعم أنها تعمل على تحسين الظروف الإنسانية في القطاع، مدّعية أنها تسهّل مرور المساعدات عبر المعابر الحدودية، وتتكرر هذه المزاعم على لسان المسؤولين الإسرائيليين في المحافل الدولية ووسائل الإعلام، إذ يزعمون أن إسرائيل تبذل جهودًا كبيرة لتقديم التسهيلات الإنسانية، وتحسين الوضع المعيشي في غزة.
ورغم هذه المزاعم، فإن تقارير منظمات حقوقية دولية تكشف عن واقع مختلف. بدلًا من تسهيل مرور المساعدات، تُشير التقارير إلى أن إسرائيل تفرض قيودًا صارمة على المعابر، مما يعيق بشكل مستمر دخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الغذاء، الدواء، والمستلزمات الطبية الضرورية. هذه القيود تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في غزة وتزيد من معاناة المدنيين، الذين يواجهون نقصًا حادًا في الإمدادات الأساسية نتيجة الحصار المستمر وتبعات الحرب.
ورغم الضغوط الدولية المتواصلة على إسرائيل لرفع القيود وتسهيل مرور المساعدات، فإنها غالبًا ما تبرّر سياساتها بأسباب أمنية، مدّعية أن هذه القيود ضرورية لمنع تهريب الأسلحة إلى فصائل المقاومة في القطاع، غير أن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن هذا التبرير لا يخفّف من المعاناة المتزايدة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة، إذ يعانون من نقص في الغذاء والدواء والمياه.
وفي عدة مقالات سابقة، فنّد مسبار هذه المزاعم الإسرائيلية، موضّحًا أن إسرائيل تستمر في فرض القيود على دخول المساعدات الإنسانية، ما يبرز التناقض بين المزاعم المتكررة والواقع على الأرض.
محاولات شيطنة فصائل المقاومة وربطها بداعش
بعد مرور عام على الحرب الإسرائيلية على غزة، ما تزال بعض المزاعم التي روّجت لها إسرائيل حاضرة في الخطاب الإعلامي والدبلوماسي، رغم النفي المتكرر وتفنيدها، ويظهر هذا التوجه في محاولة إسرائيل لتشكيل صورة إعلامية مشوهة لما يحدث على الأرض، مما يجعل التحقق من الحقائق ومواجهة التضليل الإعلامي أمرًا بالغ الأهمية.
إذ يُعدّ التضليل الإعلامي أحد أهم أدوات الحرب النفسية، وفي الحرب على غزة، تحاول إسرائيل تقديم نفسها كضحية تحارب "مخربين" لا يحترمون قوانين الحرب أو حقوق الإنسان، وهي استراتيجية تُستخدم لتبرير العنف الممارس ضد المدنيين الفلسطينيين، وتحويل الانتباه عن الجرائم المرتكبة. في المقابل، يُصبح توثيق ونشر الحقيقة تحديًا في ظل هذه الحملات المكثفة للتضليل الإعلامي، التي تهدف إلى تبرير الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.
وفي السياق، تعمدت إسرائيل وأميركا ربط حماس بتنظيم داعش في عدة مناسبات، مع اعتماد استراتيجيات متعددة للترويج لهذا الربط.
من بين هذه الاستراتيجيات، نشر مزاعم تتعلق بالاغتصاب وحرق الأطفال. فعلى سبيل المثال، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية مقطع فيديو على أنه لمقاتل من حماس يهدد بسفك دماء الفرنسيين قبل أولمبياد باريس. كما تقوم حسابات صحفيين إسرائيليين بنشر مقاطع فيديو تدّعي أنها تُظهر تدريب حماس للأطفال على حمل السلاح، ونشر صور لعلم داعش في مواقع تنفيذ عملية طوفان الأقصى.
الاستراتيجيات الإسرائيلية في الترويج للمزاعم المضللة
لم يقتصر التضليل الإسرائيلي على تصريحات غير مدعومة فحسب، بل اتخذ أشكالًا متعددة خلال عام من الحرب. تستخدم إسرائيل جميع الوسائل للترويج لمزاعمها، مثل نشر مشاهد تمثيلية مضللة على أنها تمثل أحداث السابع من أكتوبر. كما تستفيد من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بمختلف اللغات، بما في ذلك اللغة العربية، عبر الناطقين باسمها وحسابات وهمية تنشر التضليل باللغة العربية.
وسبق لمسبار أن تناول هذه الأساليب في تقاريره، التي كشفت عن حملات إلكترونية تُستخدم فيها وسوم بالعربية والإنجليزية للتشكيك في حقيقة الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين. إلى جانب ذلك، تستغل إسرائيل الذكاء الاصطناعي في الترويج لمزاعمها، وتشكك في أي مشاهد توضيحية تهدف إلى إظهار حجم الكارثة الواقعة في قطاع غزة، رغم وضوحها.
اقرأ/ي أيضًا
جهود مسبار في 365 يومًا من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة
تعاون في مواجهة التضليل: دور منصات التدقيق مسبار وتحقّق وصواب خلال الحرب على غزة وجنوبي لبنان