كشفت منظمة ذا انترسبت الأميركية المستقلة، يوم الإثنين 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في تحقيق، بأنّ مسؤولة كبيرة عملت سابقًا في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وتشغل الآن منصب رئيسة لسياسة إسرائيل في شركة ميتا، دفعت إلى فرض الرقابة على حساب "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام، وهي المجموعة التي لعبت دورًا رائدًا في تنظيم الاحتجاجات والمظاهرات الطلابية في الجامعات الأميركية المتضامنة مع القضية الفلسطينية، وطالبت الجامعات بوقف التعامل مع الشركات الممولة للاحتلال الإسرائيلي، كنوع من أنواع التضامن مع الفلسطينيين وما يعانوه من وطأة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ بدايتها في السابع من أكتوبر 2023.
مسؤولة سابقة في الحكومة الإسرائيلية تساعد في تقويض حريات حسابات فلسطينية
بحسب مداولات السياسات الداخلية للشركة التي اطلعت عليها ذا انترسبت، فإنّ جوردانا كاتلر، وهي مسؤولة سياسة إسرائيل والشتات اليهودي في شركة ميتا، قد استخدمت أدوات تصعيد المحتوى الخاصة بالشركة، للإبلاغ عن أربعة منشورات على الأقل كانت تخص حساب "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" مما عرضها للمراجعة، بالإضافة إلى مراجعة محتوى آخر يعبر عن مواقف مخالفة للسياسة الخارجية لإسرائيل.
وتضيف أنه عندما قامت المسؤولة بالتبليغ عن مشورات خاصة بحساب "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، استشهدت مرارًا وتكرارًا بسياسة ميتا التي تسمى "سياسة المنظمات والأفراد الخطرون"، والتي تمنع مستخدمي مواقع التواصل التابعة للشركة من مناقشة "قائمة سرية سوداء تضم آلاف الكيانات المدرجة لدى ميتا" بحرية تامة على الموقع، بل وتقيد تلك السياسة ما تسميه "تمجيد" تلك الأسماء والكيانات المضمنة في القائمة السوداء، والتي في نفس الوقت تسمح بشكل ما بمداولة "الخطاب الاجتماعي والسياسي والتعليق" على تلك الكيانات والأسماء الموجودة في القائمة السوداء الخاصة بشركة ميتا.
وتقول ذا انترسبت، إنه ليس من الواضح أيضًا، ما إذا كانت محاولات كاتلر لاستخدام نظام الرقابة الداخلي في شركة ميتا قد نجح، إذ رفضت الشركة أن تصرح بما جرى في النهاية بخصوص تلك المنشورات التي أبلغت عنها في وقت سابق، خاصة وأنه ليس لكاتلر قرار نهائي، فيما يتعلق بما إذا كان المحتوى المُشار إليه سيخضع للرقابة أم لا، وذلك لأنّ هناك فريقًا آخر مسؤول عن قرارات من ذلك النوع.
وتؤكد ذا انترسبت أنّ شركة ميتا لم ترد على قائمة مفصلة من الأسئلة حول قيام كاتلر بتعليق عدد من المنشورات حسبما ذكرت سابقًا، ولم تستجب كاتلر من طرفها لطلب التعليق على نتائج التحقيق، ورفضت ميتا طلبًا لإجراء مقابلة معها.
وتُظهر السجلات التي راجعتها المنظمة، أنّ كاتلر ضغطت من أجل إزالة منشور لصفحة "طلاب من أجل العدالة في فلسطين"، مدعية أنه يروج لقائمة قراءة كتب تضم مؤلفين مرتبطين "بميليشيتين ماركسيتين لينينيتين"، وهما الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
علمًا وأن ميتا تدرج المجموعتين في قائمة الإرهاب، وفقًا لنسخة من القائمة التي تحصلت عليها المنظمة في عام 2021، إلا أنّ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين لم تعتبر منظمة إرهابية من قبل حكومة الولايات المتحدة منذ عام 1999، عندما قامت وزارة الخارجية الأميركية بإزالتها من قوائم الإرهاب بسبب "غياب النشاط الإرهابي"، وتظل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مصنفة كمجموعة إرهابية من قبل ميتا والولايات المتحدة الأميركية.
وتقول المنظمة أنه وبحسب مصدر مطلع على قرارات كاتلر، فإنّ هذه الجهود شملت عمليات ضغط من أجل حذف المنشورات التي تقتبس من الروائي الفلسطيني الشهير "غسان كنفاني"، الذي عمل متحدثًا باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين منذ ما يقرب من 60 عامًا واغتالته إسرائيل عام 1972.
وتُظهر السجلات الداخلية التي اطلعت عليها ذا انترسبت، أنّ كاتلر ضغطت لاحقًا من أجل إزالة منشور على إنستغرام لنفس الحساب، يصف ليلى خالد وهي عضو سابق في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تبلغ من العمر 80، بأنها شخصية "مؤثرة".
وتوضح نفس السجلات أنّ كاتلر كانت توجه انتقادات بشكل دائم لمحتوى على موقع إنستغرام، ينشر على حساب "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، مدعية أنّ هذا الفرع كان مرتبطًا باحتجاجات تحض على العنف، مستشهدة بتقرير إخباري إسرائيلي عن اشتباك وقع في 29 إبريل/نيسان الفائت، في مخيم التضامن مع غزة بالجامعة، الذي هاجم خلاله حشد مؤيد لإسرائيل المخيم بالأيدي والأسلحة المختلفة، مما أدى إلى إصابة 15 شخصًا.
ويضيف التحقيق، أنه وعلى مدار العام قامت كاتلر بمراجعة العديد من المنشورات المؤيدة لفلسطين، بما في ذلك تلك التي تذكر قائمة قراءة للمؤلفين المرتبطين بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بالإضافة لمنشور يحتوي على رمز تعبيري يمثل مثلثًا أحمر، في إشارة إلى العمليات العسكرية التي تقوم بها حركة المقاومة الفلسطينية حماس، والتي أصبحت رمزًا لها.
مسؤولون سابقون في الحكومة الأميركية والإسرائيلية يتولون رئاسة أقسام بشركة ميتا
وتُظهِر السجلات أيضًا، أنّ كاتلر طلبت حذف محتوى آخر، لا يتعلق بمنشورات الحراك الطلابي المتضامن مع فلسطين فقط، ففي أعقاب الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران في الأول من أكتوبر الجاري على إسرائيل، سارعت كاتلر إلى الإبلاغ عن مقطع فيديو تم تحميله على موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام لفلسطينيين يهتفون من قطاع غزة، وتُظهِر السجلات أيضًا أنّ كاتلر مارست ضغوطًا متكررة لفرض الرقابة على حساب إنستغرام لشبكة التلفزيون الفضائية اللبنانية "الميادين" عندما نشرت محتوى متعاطفًا مع اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني الأسبق حسن نصر الله، الذي اغتاله الاحتلال الإسرائيلي العام الجاري في الضاحية اللبنانية بيروت.
ويذكر، أنّ كاتلر ليست أول شخصية بارزة أو الوحيدة داخل شركة ميتا التي تعمل على تعزيز العلاقات بين الشركة والحكومات حول العالم، فقد انضم زميلها جويل كابلان، الذي شغل منصب نائب رئيس موظفي البيت الأبيض أثناء إدارة جورج دبليو بوش، إلى موقع فيسبوك في عام 2011 لرئاسة عمليات الشركة في واشنطن العاصمة، وهي الخطوة التي ذكرت صحيفة ذا نيويورك تايمز أنها "ستعزز على الأرجح علاقاتها بالمشرعين الجمهوريين في الكونجرس".
بالإضافة إلى نيك كليج، رئيس الشؤون الدولية في ميتا، وهو نائب رئيس الوزراء السابق للمملكة المتحدة.
ينضم العديد من الموظفين الذين يساعدون ميتا في صياغة وتنفيذ سياستها المتعلقة "بالمنظمات والأفراد الخطرون" بعد سنوات من عملهم في البنتاغون، ووزارة الخارجية الأميركية، ووكالات إنفاذ القانون الفيدرالية ووكالات التجسس. والواقع أنّ التعاون الجاري بين الحكومات وعلى رأسها الحكومة الأميركية، وبين شركات الإنترنت الكبرى واسع ومتغير باستمرار، ليس فقط في شركة ميتا، بل وأيضًا لدى أبرز منافسيها.
وفي السياق ذاته، طُرح اسم كاتلر كرئيس محتمل لوزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية في فبراير/شباط 2023، وهو عبارة عن مكتب دعاية حكومي مكلف بمراقبة وتقويض المتظاهرين والناشطين في الخارج.
اقرأ/ي أيضًا
حجب كراود تانغل: كيف يهدد قرار ميتا نزاهة الانتخابات ومراقبة المعلومات المضللة
كيف تسهم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وأمازون في دعم الجيش الإسرائيلي خلال حربه على غزة؟