أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، عن قتل 622 فلسطينيًا في الضفة الغربية بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 و26 أغسطس/آب 2024، منهم 602 قتلوا على يد القوات الإسرائيلية.
يُبرز تقرير الأمم المتحدة الارتفاع اللافت في أعداد الضحايا الفلسطينيين على يد المستوطنين الإسرائيليين، إذ أسفرت هجماتهم خلال الفترة ذاتها عن مقتل 11 فلسطينيًا، فيما لا يزال من غير المعروف ما إذا كان سبعة آخرون قد قُتلوا على يد القوات الإسرائيلية أم على يد المستوطنين.
كما سجل مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية خلال الفترة نفسها، ما يقرب من 1270 هجمة شنها المستوطنون الإسرائيليون على الفلسطينيين، أسفرت نحو 120 هجمة منها عن سقوط قتلى وجرحى، ونحو 1030 هجمة عن إلحاق أضرار بممتلكات تعود للفلسطينيين، فيما نتج عن 130 أخرى سقوط ضحايا وإلحاق الأضرار بالممتلكات معًا.
في هذا السياق، أكدت منظمة العفو الدولية أن الفلسطينيين يواجهون تصعيدًا حادًا في عمليات القتل غير المشروع والتهجير تزامنًا مع شن إسرائيل عملية عسكرية في الضفة الغربية، وأشارت المنظمة إلى أنه منذ أكتوبر العام الفائت “ازداد بشكل مروع استخدام القوة المميتة من قبل القوات الإسرائيلية وكذلك هجمات المستوطنين العنيفة والمدعومين من الدولة”.
ورغم التزايد الحاد في هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين وتوثيق العديد من حالات العنف بحقهم، تستمر إسرائيل في ترويج سرديتها التي تتهم فيها الفلسطينيين بالإرهاب لمجرد حملهم الأسلحة، في حين أنها تتغاضى عن عنف المستوطنين وحقيقة أن أغلبهم بات يملك أسلحة بعد السابع من أكتوبر 2023
إسرائيل تشرعن تسليح المستوطنين
يُعزى ارتفاع عدد الهجمات العنيفة التي ينفذها المستوطنون إلى استمرار إسرائيل في تبني سياسة تشرعن حمل الأسلحة، وتسهل شروط الحصول عليها، إذ بات من العادي أن يحمل المستوطنين من فئات مختلفة سواء كانوا شبابًا أو نساء أو حتى أطفالًا أسلحة فردية خفيفة أو رشاشة ويتجولون بها في الأماكن العامة والأسواق والحدائق، وحتى الأماكن التي يوجد فيها الأطفال.
تعتبر إسرائيل هذا الانتشار الواسع للأسلحة بين المدنيين أمرًا مقبولًا بل ويعتبر جزءًا من السياسة الإسرائيلية، إذ يدعو طيف من السياسيين الإسرائيليين إلى مزيد تسليح المستوطنين، خاصة في المناطق القريبة من الضفة الغربية.
ففي يوم 15 أكتوبر الجاري نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن وزير الأمن إيتمار بن غفير قوله، إنه تم توزيع 170 ألف قطعة سلاح على الإسرائيليين خلال ثمانية أشهر، كاشفًا اعتزامه مواصلة تسليحهم.
كما أصبحت مشاهدة الأطفال الإسرائيليين، الذين يحملون أسلحة حقيقية في مناطق وجود الفلسطينيين أمرًا شائعًا. ففي مايو/أيار عام 2021 انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يُظهر طفلًا إسرائيليًا يبلغ من العمر ثماني سنوات يحمل بندقية هجومية حقيقية بجوار جندي في منطقة الخليل، في ظل وجود أطفال آخرين بجواره، ورغم ما يحمله ذلك من مخاطر، فإن هذه المشاهد باتت تُعد عادية في إسرائيل.
وتروج إسرائيل صورًا لأطفال يحملون مختلف الأسلحة في إطار الاحتفال بذكرى “استقلال إسرائيل”، إذ انتشرت صور لاحتفالات الذكرى السادسة والستين لـ "استقلال إسرائيل" في مايو/أيار 2014، في مستوطنة إفرت بالضفة الغربية قرب بيت لحم، وهي مستوطنة غير قانونية، تظهر مشاركة أطفال إسرائيليين في تدريبات عسكرية، حيث يتم تدريبهم على كيفية حمل واستخدام الأسلحة، بما في ذلك الرشاشات والقنابل اليدوية.
وتظهر إحدى الصور طفلًا إسرائيليًا يرتدي سترة عسكرية وهو يلقي قنبلة يدوية، بينما تظهر صورة أخرى طفلة إسرائيلية تحمل بندقية من طراز إم-16. كما تظهر صورة أخرى رجلًا إسرائيليًا يعلّم ابنه كيفية استخدام مدفع رشاش ثقيل، إلى جانب مشهد آخر لطفلة تحمل قاذفة صواريخ.
ارتفاع طلبات الأسلحة في إسرائيل بعد 7 أكتوبر
انعكاسًا لذلك، ارتفعت طلبات ورخص حمل الأسلحة في إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023، إذ تقدم نحو 250 ألف إسرائيلي لاستصدار رخصة حمل سلاح في الفترة من السابع أكتوبر إلى حدود الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2023.
وقال الكنيست الإسرائيلي خلال جلسة للجنة الأمن الوطني البرلمانية: "بحسب المعطيات التي قدمتها وزارة الأمن الوطني خلال جلسة اللجنة، فإنه حتى الثامن من ديسمبر 2023، تم الحصول على أكثر من 250 ألف طلب استصدار رخصة سلاح".
وأضاف الكنيست أنه تمت المصادقة على 33 ألف طلب، فيما رفض 20 ألف طلب، ومنح 53 ألف طلب مصادقة مشروطة. وتابع "من أصل الطلبات المرفوضة، فإن 8500 طلب رفضت بسبب تحديد الشرطة أن مقدم الطلب خطير جنائيًا، و2129 طلبًا رفض بسبب عدم الأهلية الطبية، و57 طلبًا رفض بسبب أوامر محكمة، كما أن 28 ألف طلب رفضت بسبب عدم استيفاء الشروط المطلوبة".
ومنذ السابع من أكتوبر الفائت وحتى 22 يونيو/حزيران 2024، تقدمت 42 ألف امرأة إسرائيلية بطلبات للحصول على تصاريح لاقتناء أسلحة نارية. ووفقًا لوزارة الأمن القومي الإسرائيلية، تمت الموافقة على 18 ألفًا من هذه الطلبات، وهو عدد يزيد بثلاثة أضعاف عن عدد التراخيص التي كانت بحوزة النساء قبل العدوان.
وبحسب الوزارة أيضًا، حصلت نحو خمسة آلاف امرأة على تراخيص لحمل السلاح، مستفيدات من تخفيف القيود على اقتناء الأسلحة الذي أقره وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير. كما وأشارت أيضًا إلى وجود أكثر من 15 ألف مدني مسلح حاليًا في إسرائيل والضفة الغربية، بينما يخضع 10 آلاف آخرين للتدريبات اللازمة.
أدى انتشار الأسلحة بين الإسرائيليين بمختلف فئاتهم، إلى بروز ظاهرة التباهي بحمل السلاح حتى في الأماكن العامة أو الأماكن التي لا تستدعي حمله. ومثال على ذلك ما حدث في يناير/كانون الثاني 2024، عندما انتشرت صورة للمذيعة الإسرائيلية ليتال شيمش، مقدمة البرامج على القناة العبرية 14، وهي تحمل سلاحًا ناريًا على خصرها بجانب الميكروفون أثناء تقديمها لأحد البرامج التلفزيونية. راجت الصورة ونالت انتشارًا واسعًا وتم تداولها بشكل إيجابي، إذ قُدمت ليتال كنموذج للمرأة الإسرائيلية القوية والشجاعة.
ازدواجية المعايير لدى إسرائيل بشأن حمل الفلسطينيين السلاح
في المقابل، يصف الاحتلال بشكل منهجي ومستمر الشباب الفلسطيني وخاصة المنخرطين في المقاومة بـ "الإرهاب"، ويعمل في سرديته على شرعنة وتبرير استهدافهم أمام المجتمع الدولي.
ففي سبتمبر/أيلول الفائت نشرت حسابات إسرائيلية منها حساب الناطق باللغة العربية باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، صورة عبر حسابه على منصة إكس تظهر مجموعة من الشباب الفلسطينيين المنتمين إلى المقاومة وهم يحملون أسلحة. وصف أدرعي هؤلاء الشباب بأنهم "إرهابيون جبناء"، واتهمهم باستخدام الأطفال كدروع بشرية، معتبرًا أن هذا "إجرام بحق الأطفال".
ولم يُستثنَ الأطفال أيضًا من اتهامات الإرهاب، إذ يعمل الاحتلال على استغلال أي فرصة لتشويه صورتهم وإظهار أن الأطفال الفلسطينيين متأثرون بثقافة العنف، حتى لو كان الأمر يتعلّق بمشاركتهم في فعاليات أو عروض عسكرية أو حتى لمجرد حملهم لأسلحة بلاستيكية (ألعاب)، إذ يعمل على توظيف كل ذلك لتغذية سرديته حول "ثقافة الإرهاب" في المجتمع الفلسطيني.
وقد رصد مسبار محاولات من الاحتلال لترويج هذه السردية، في أحدها عمد أفيخاي أدرعي وحسابات إسرائيلية أخرى إلى ترويج بعض الصور من مشاركة أطفال فلسطينيين في معرض عسكري وترويجها على أنها من تدريبات حماس للأطفال على حمل الأسلحة.
تسلط هذه الازدواجية في المعايير الضوء على الفجوة الواضحة في التعامل مع حاملي السلاح بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فبينما يصور المقاومون الفلسطينيون على أنهم إرهابيون، يتم تجاهل أو حتى تشجيع ظاهرة حمل السلاح بين "المدنيين" الإسرائيليين.
يأتي هذا التشويه الإسرائيلي والذي تتبناه في الغالب جهات دبلوماسية وإعلامية غربية، على الرغم من أن القانون الدولي يشرعن حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في المقاومة والدفاع عن النفس ضد الاحتلال بكل الأشكال المتاحة. تشمل هذه الأشكال المقاومة السلمية مثل الدبلوماسية والإضرابات والمظاهرات، أو المقاومة المسلحة التي تتضمن العمليات العسكرية أو شبه العسكرية ضد قوات الاحتلال بهدف تحرير الأرض وإضعاف معنويات العدو.
ويستند هذا الحق إلى قرارات أممية متعددة، أبرزها القرار الأممي عدد 3236 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1974، والذي نص على أن الأمم المتحدة "تعترف كذلك بحق الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه بكل الوسائل وفقا لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.. وتناشد جميع الدول والمنظمات الدولية أن تمد بدعمها الشعب الفلسطيني في كفاحه لاسترداد حقوقه، وفقاً للميثاق".
وحتى تكون المقاومة مشروعة وفقًا لشروط وقواعد القانون الدولي وحتى يختلف تعريفها عن الإرهاب، يجب أن تتوفر فيها عدة شروط في المقاومة أبرزها أن تكون هناك حالة احتلال فعلي ووجود لقوات الاحتلال على الأراضي المحتلة، وأن ينتمي المقاومون إلى الشعب الذي تعرضت أرضه للاحتلال، وأن تستهدف أعمال المقاومة القوات العسكرية للاحتلال فقط، كما يجب أن تظل المقاومة ضمن حدود الأراضي المحتلة.
ازدواجية معايير غربية حول مفهموم الإرهاب
وفي ظل ارتفاع عدد وخطورة هجمات المستوطنين المسلحين ضد الفلسطينيين، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية في 12 فبراير/شباط 2024، أن فرنسا ستفرض حظر سفر على عدد من المستوطنين الإسرائيليين "العنيفين"، وقالت الوزارة في بيان "تأتي هذه الإجراءات في ظل تزايد العنف الذي يمارسه المستوطنون ضد السكان الفلسطينيين في الأشهر الأخيرة. وتؤكد فرنسا إدانتها الشديدة لهذا العنف غير المقبول".
علاوة على ذلك، أعربت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا عن مخاوف مماثلة بشأن عنف المستوطنين، حيث فرضتا في وقت سابق عقوبات على عدد من المستوطنين الذين يقولان إنهم مسؤولون عن أعمال العنف في الضفة الغربية.
وفي ذات السياق، قال بيان مشترك صادر عن وزراء خارجية فرنسا وبولندا وألمانيا إن عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية أمر غير مقبول و"يجب معاقبته".
ورغم توثيق هذه الاعتداءات التي تتضمن أفعالًا تعكس مفهوم الإرهاب، على غرار الرعب وبث الفوضى وإرهاب المدنيين، إلا أن هذه الدول لم تصف أفعال المستوطنين بالإرهاب، في الوقت الذي لا تنفك به عن وصف كل أفعال المقاومة الفلسطينية بمختلف أشكالها بالإرها، ما يعكس ازدواجية واضحة في توصيف الإرهاب وفقًا للجهة الفاعلة.
اقرأ/ي أيضًا
تقرير إسرائيلي قديم عن إنهاء ضباط احتياط خدمتهم في الجيش وليس خلال الحرب الجارية
شبكة إن بي سي الأميركية لم تنشر خبرًا عن مقتل أبو عبيدة في عملية استهداف