أثبتت الدراسات العلمية ارتباطًا وثيقًا بين انتشار المعلومات المضللة والأزمات الإنسانية، إذ ينشط تداول الادعاءات المغلوطة في الأوقات الحرجة مثل الجائحات الصحية والحروب والكوارث الطبيعية.
تتأثر حياة العديد من الأشخاص حول العالم بالمعلومات المضللة التي تنتشر خاصة وقت الأزمات، وأحيانًا قد ينتهي المطاف بموت المتأثرين بالشائعات وفقًا لخطورة الموضوع.
يسلط مسبار الضوء في هذا المقال على خطورة المعلومات المضللة وقت الأزمات الإنسانية، ويتخذ من جائحة كورونا والحرب على غزة، أمثلة يتتبع فيها أبرز الشائعات التي انتشرت خلالها وأثرها المباشر على حياة الناس.
ادعاءات مضللة مرتبطة بالوقاية وعلاج فايروس كوفيد-19
خلال جائحة كورونا، انتشرت العديد من الشائعات المرتبطة بالوقاية والعلاج من الإصابة بفايروس كوفيد-19، من بينها ما تداوله مستخدمون عن كون مادة الكوكايين المخدرة تعالج الفايروس.
راجت هذه الشائعة في الأوساط الإعلامية خاصة الفرنسية، الأمر الذي دفع وزارة الصحة لإصدار بيان تحذيري تتحدث فيه عن مخاطر إدمان الكوكايين، وأن الادعاء المتداول لا أساس له من الصحة.
كما انتشر ادعاء مفاده أن الفياغرا علاج للفايروس، فيما تبيّن بالتحقق من الادعاء أنه ينطوي على إثارة وتضليل إذ إنّ الدراسات السريرية التي أجريت عام 2020، في مستشفى ماساشوستس العام في الولايات المتحدة الأميركية، كانت تهدف لمعرفة ما إذا كان غاز أوكسيد النتريك والذي يدخل في صناعة الفياغرا قادرًا على المساهمة في التخفيف من آثار فايروس كوفيد-19.
وتشير نتائج الدراسات الحالية إلى دور محتمل لأكسيد النيتريك الخارجي في علاج والوقاية من فايروس كوفيد-19، لما له من أثر علاجي على وظائف الأوعية الدموية الرئوية في سياق الالتهابات الفيروسية وحالات أمراض الرئة الأخرى، ولكنها انتهت إلى الحاجة إلى المزيد من الدراسات التي تركز على سلامة وفعالية أنظمة علاج أكسيد النيتريك في المرضى الذين يعانون من فشل وظائف الخلايا البطانية المرتبط بكوفيد-19 أو غيره من الالتهابات الفيروسية التنفسية.
كما أشارت إلى أهمية تطوير بروتوكولات علاجية مخصصة لتحسين تشخيص المرضى المصابين بحالات شديدة.
إلى جانب هذا، راجت منشورات مضللة ادعت أنه يجب أن يشرب الإنسان الماء كل 15 دقيقة، للتأكد من أن الأفواه والحناجر رطبة دائمًا، لما له دور في غسل الفايروس في المريء، بحيث يمكن قتله بواسطة حمض المعدة.
إلا أن الخبراء كذبوا هذه الادعاءات، إذ قالت كالبانا ساباباثي، عالمة الأوبئة السريرية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: “هذا أمر مبسط للغاية، ولا يعكس الواقع”. وأوضحت ساباباثي أن العدوى تبدأ غالبًا بعد تعرضنا لآلاف أو ملايين من الجزيئات الفايروسية، لذا فإن مسح القليل منها عبر المريء من غير المرجح أن يكون له تأثير كبير، بل على العكس فإن غسل آلاف الجزيئات الفايروسية إلى المعدة قد يسبب أضرارًا.
وفي ذات السياق، نُسِب ادعاء إلى منظمة اليونيسف مفاده أنها تنصح بتجنب المثلجات (آيس كريم) لتفادي الإصابة بفايروس كوفيد-19، لكنها اضطرت إلى تكذيب الادعاء وإخلاء مسؤوليتها جراء انتشاره بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكان من بين أخطر الإشاعات المرتبطة بالوقاية من الإصابة بالفايروس، ما تم تداوله على مواقع التواصل بأن شرب مسحوقات التبييض (كلور) يمنع انتشار فايروس كوفيد-19.
من جهته، حذر مركز بلو ريدج للسموم أن بعض النصائح المتداولة على الإنترنت لن تساعد، بل إن جزءًا منها قد يكون خطيرًا تمامًا.مضيفًا أن شرب المبيضات لن يمنع الإصابة بالفايروس ويمكن أن يسبب إصابات خطيرة مثل الحروق عند ابتلاعها أو عند رشها على الجلد أو في العينين.
مئات الوفيات بسبب المعلومات المضللة المرتبطة بكوفيد-19
في السياق، لاحظ مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تزايدًا في المكالمات الواردة لمراكز السموم، بخصوص التعرض للمنظفات والمطهرات خلال جائحة كورونا، لذا أجرى استطلاعًا عبر الإنترنت لـ502 شخصًا بالغًا في الولايات المتحدة بهدف دراسة ممارسات التنظيف والتطهير داخل البيئات المنزلية في الولايات المتحدة.
أفادت نتائج الاستطلاع بأن ستين بالمئة من المستجيبين زادوا في تنظيف المنزل أو تطهيره مقارنة بالأشهر السابقة، فيما انخرط تسعة وثلاثون بالمئة عمدًا في ممارسة واحدة على الأقل عالية الخطورة لا يوصي بها مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، من قبيل وضع المبيض على المواد الغذائية (مثل الفواكه والخضروات) (19٪) واستخدام منتجات التنظيف والمطهرات المنزلية على اليدين أو الجلد (18٪) ورش الجسم برذاذ التنظيف أو المطهر (10٪)، واستنشاق الأبخرة من المنظفات المنزلية أو المطهرات (6٪)؛ وشرب أو المضمضة بمحاليل التبييض المخففة والماء والصابون ومحاليل التنظيف والمطهرات الأخرى (4٪ لكل منهما).
وكنتيجة لانتشار الشائعات والمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة، تم رصد مئات حالات الوفاة خلال جائحة كورونا، إذ أفادت دراسة نُشرت في المجلة الأميركية للطب الاستوائي والصحة أن الشائعة التي تقول إن استهلاك الكحول عالي التركيز يمكن أن يطهر الجسم ويقتل الفايروس تم تداولها في مختلف أنحاء العالم، وعلى إثرها توفي ما يقرب من 800 شخصًا، بينما تم نقل 5876 شخصًا إلى المستشفى، وأصيب 60 آخرين بالعمى التام بعد شرب الميثانول كعلاج لفايروس كورونا.
وووفقًا للدراسة ذاتها، تسببت شائعات مماثلة في 30 حالة وفاة في تركيا. وفي قطر، تناول رجلان سليمان من جنوب آسيا مطهرًا محلوليًا مخصصًا للأسطح واليدين بعد التعرض لمرضى كوفيد-19.
وفي الهند، أصيب 12 شخصًا، بينهم خمسة أطفال، بالمرض بعد شرب مشروب كحولي مصنوع من بذور سامة تسمى الدانورا (نبات أوميتا في اللغة المحلية) كعلاج لمرض فايروس كورونا المستجد، وتبيّن أن الضحايا شاهدوا مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يفيد بأن بذور الدانورا تمنح مناعة ضد كوفيد-19.
حرب غزة مثالًا: أثر المعلومات المضللة في الحروب
يقول الخبراء إن الحروب والنزاعات المسلحة ترتبط بفراغات معلوماتية تملؤها المعلومات المضللة. والحقيقة أن الحرب على غزة ارتبطت بعشرات الادعاءات المضللة والزائفة والتي كان جزءًا كبيرًا منها تنظمه حملات دعائية، تهدف إلى تقويض الرواية الفلسطينية وتبرير جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني عمومًا وفي غزة خصوصًا.
من بين أبرز الحملات الدعائية التي نشطت خلال الحرب الجارية على غزة كانت حملتي باليوود وغزة وود، وهما حملتان إلكترونيتان تنشطان وقت الحروب على قطاع غزة أو العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية عمومًا، عبر نشر مستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي، منشورات يشككون خلالها بصدقية مشاهد القتلى الفلسطينيين، وحجم الدمار الناجم عن القصف الإسرائيلي، باستخدام وسوم #Pallywood و #Gazawood.
ومصطلح "باليوود" هو مزيج من كلمتي "فلسطين" و"هوليوود"، صاغه المؤرخ الأميركي ريتشارد لانديس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ويشير إلى أن التقارير الواردة من غزة، وفلسطين عمومًا مفبركة وأن المشاهد المنتشرة من طرفهم هي مشاهد تمثيلية وليست حقيقية.
روجت حملتي باليوود وغزة وود إلى العديد من الادعاءات التي بالتدقيق في صحتها تبيّن أنها مضللة ولا صلة لها بالحقيقة.
ومن بين هذه الادعاءات، مقطع فيديو قالت حسابات داعمة للاحتلال إنه يظهر مشاهد مفبركة لإصابات خلال الحرب الجارية على قطاع غزة، فيما تبيّن أن الفيديو في الحقيقة مُجتزأ من فيلم لبناني قصير صدر في 28 أكتوبر الفائت، صوّر للعالم ما يعيشه أطفال غزة جراء العدوان الإسرائيلي على القطاع.
واستغلت هذه الحسابات مشهدًا آخر لجريح فلسطيني، يحاول أشخاص من حوله طمأنة والدته بأنّ إصابته ليست خطيرة ولا تستدعي قلقها وخوفها عليه، عبر إزاحة الضماد عن رأسه لتتأكد من ذلك، لتروّج أنّ المشهد تمثيلي.
إلى جانب ذلك، تداولت مقطع فيديو ادّعت أنّه يُوثق استخدام بعض الفلسطينيين لمساحيق التجميل والمواد الكيميائية، لإظهار أنفسهم كضحايا لاعتداءات إسرائيلية. وبالبحث تبين أن الفيديو الأصلي من كواليس تصوير عمل فني، وأن المشاهد نُشرت في مارس/آذار عام 2017، ضمن تقرير لقناة TRT World التركية، عن أعمال للخبيرة في فن المكياج السينمائي، الفلسطينية مريم صلاح، خلال تصوير فيلم سينمائي في غزة، عن المخاطر التي يواجهها سكان القطاع.
وأعادت نشر صورة قديمة مأخوذة من عمل درامي كوميدي ماليزي، عُرض عبر قنوات تلفزيونية ماليزية كوميدية سابقًا، وادّعت أنها تُظهر فلسطينيًّا داخل مستشفى في غزة وجهه مغطى ببعض المعدات الطبية، ويزعم أنه مصاب في الحرب الجارية على القطاع.
ولبيان أثر مثل هذه الحملات على الرأي العام، فقد تبيّن أن مصطلح "باليوود" كان الأكثر استخدامًا على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار العقد الفائت، وخاصة على منصة إكس، وذلك وفقًا لتحليل نشرته شبكة بي بي سي البريطانية،
وخلال العدوان الإسرائيلي السابق على فلسطين في أعوام 2014، 2019، و2021، بلغ استخدام وسم "باليوود" ذروته، إذ ارتفع من 9500 استخدام إلى 13 ألف مرة شهريًا.
ومع ذلك، بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ارتفع عدد مرات استخدام الوسم إلى 220 ألف مرة في الشهر نفسه، وفقًا لبي بي سي.
كما أشار التحليل أيضًا إلى استخدام المصطلح من قبل مجموعة من المستخدمين، بمن فيهم مسؤولون إسرائيليون، ومشاهير، ومدونون بارزون من إسرائيل والولايات المتحدة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
حملات إسرائيلية ممهنجة ضد وكالة الأونروا
إن الحصول على معلومات دقيقة أمر بالغ الأهمية في بيئات الصراع، إذ قد يعني معرفة الموقع الصحيح للملاجئ أو المياه الصالحة للشرب أو طريق الإخلاء، الفارق بين الحياة والموت للمدنيين.
ومع غياب المعلومات الدقيقة في ظل الأوضاع المعيشية الحرجة في قطاع غزة الذي يرزح تحت وطأة الحصار منذ سنوات، وانقطاع أغلب أشكال الاتصالات معظم الوقت منذ بدء الحرب الإسرائيلية الجارية، يتزايد انتشار المعلومات المضللة ويتزايد استهداف المدنيين في حملات التضليل التي تلعب دورًا في تقويض حماية المدنيين بطرق متنوعة من خلال التحريض على العنف، وتقويض ثقة الجمهور في الجهات الفاعلة في مجال الحماية.
وفي هذا السياق، اشتكت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين (أونروا)، منذ بدء الحرب على غزة، من استهداف إسرائيل لمبانيها وموظفيها، وتضييق الخناق على عملهم.
وفي أغسطس/آب الفائت أفادت تقارير إعلامية أن إسرائيل تستخدم خاصية الإعلانات المدفوعة لمحرك البحث غوغل للترويج لدعاية معادية للوكالة، تشوه سمعتها أمام المستخدمين في الولايات المتحدة وفي الشرق الأوسط ومناطق من أفريقيا.
من جهتها، كانت الأونروا قد أشارت إلى هذه الحملة في تقرير لها مطلع يوليو/تموز الفائت، جاء فيه أن إسرائيل ما تزال تستخدم المعلومات المضللة والخاطئة كسلاح في الحرب في غزة.
مضيفة “كجزء من حملتها لتقويض وتشويه سمعة الأونروا، قامت حكومة إسرائيل بشراء إعلانات على غوغل لمنع المستخدمين من تقديم التبرعات للوكالة والقيام بحملة تشويه”.
مشيرة إلى أن هذه الحملة لا تضر بسمعة الوكالة فحسب، بل تعرض حياة موظيفها للخطر.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الفائت، تتبع “مسبار” حملة منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى تشويه صورة وكالة الأونروا وربطها بالإرهاب، فعلتها حسابات داعمة لإسرائيل. وارتكزت الحملة على ترويج تقرير يحتوي معلومات مضللة، مصحوبًا بترجمات إلى لغات مختلفة، كالعبرية والعربية والإنجليزية والإسبانية، في محاولة للوصول إلى جمهور واسع ومتنوع، وذلك في سياق سعيها لتبرير قرارها بحظر عمل وكالة أممية تابعة للأمم المتحدة، شنت إسرائيل حملة رقمية استخدمت فيها حسابات رسمية تابعة للحكومة ووزارة الخارجية الإسرائيلية، تحظى بمتابعة واسعة وتعتبر مصدرًا رسميًا رئيسيًا للمعلومات، خصوصًا بالنسبة لوسائل الإعلام الغربية.
من بين تلك الحسابات، حساب الحكومة الإسرائيلية على منصة إكس وحساب وزارة الخارجية، بالإضافة إلى حسابات السفارات الإسرائيلية في دول عدة، وحسابات السفراء والدبلوماسيين.
وفي سياق استمرار الاستهدافات الإسرائيلية للوكالة، التي يحاول الاحتلال تبريرها من خلال حملات التضليل الممهنجة، فإنه وفقًا لآخر تقرير صدر عن الوكالة، في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في الفترة ما بين 6 أكتوبر 2024 و17 نوفمبر 2024، أثرت “العمليات العسكرية” الإسرائيلية على ستة منشآت تابعة للأونروا في مدينة غزة و17 منشأة شمالي القطاع، مضيفة أن العدد الإجمالي لموظفي الأونروا الذين قتلوا منذ السابع من أكتوبر عام 2023، بلغ 247 موظفًا.
اقرأ/ي أيضًا
حسابات إسرائيلية رسمية تقود حملة تضليل جديدة ضد وكالة الأونروا
لم تؤكد صحيفة عبرية أن لقاح كورونا يحوّل الشخص إلى مثلي الجنس