` `

التفكير النقديّ ودوره في الوقاية من الأخبار الزائفة

أنس سمحان أنس سمحان
أخبار
10 مارس 2020
التفكير النقديّ ودوره في الوقاية من الأخبار الزائفة
الأخبار الكاذبة، قَديمة قِدم الأخبار نفسها (Getty).

شهدت العقود الفائتة الكثير من الأحداث الغنيّة بالمواد الإخبارية، مثل الانتخابات الأميركية الأخيرة وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وزلازل وحرائق، وغيرها من الأخبار التي صارت جزءً من ذاكرة أغلب قرَّاء العالم. ولكن كل هذا القصص الإخبارية الحقيقية والمدروسة جيداً، كان هناك أمرٌ ما يمتزج معها، أمر خبيث: أخبار زائفة، وقصص بدت وكأنها دقيقة، ولكنها كانت خاطئة ومَكذوبة تمامًا.

الكثير من الحديث يدور عن أنَّ الأخبار الكاذبة، قَديمة قِدم الأخبار نفسها، إلا أنها مؤخراً صارت حاضرة أكثر، وهذا بسبب الطريقة التي "يستهلك" فيها المستخدمُ المعلومة، والحديث هُنا عن الاستهلاك، بدلاً من القراءة ضَروري، في عصر تسيطر فيه ثقافة الاستهلاك على وعي الجماهير والشركات. وفقاً لمركز بيو للدراسات، فإنَّ الناس تحت عمر الخمسين، يتلقون نصف الأخبار في حياتهم عبر الإنترنت، وبالنسبة لمن هم دون الثلاثين، فإن تلقي الأخبار عبر الإنترنت أكثر رواجاً بينهم من تلقيها من التلفاز.

وفي الحديث عن أخبار المنشورة على الإنترنت، هل سمعت خبراً يفيد بأن الأب فرانسيس يمدح دونالد ترامب؟ أو خبراً يقول إنَّ كوريا الشمالية تُعدم المصابين بفايروس كورونا؟ أو حتى خبراً يفيد بقانون إخصاء المغتصبين في المغرب؟ لو سمعت عن هذه العناوين، فجميعها صُنفّت على أنها أخبارٌ زائفة.

لماذا تلقى الأخبار الزائفة رواجًا هائلًا؟

شاركَ آلاف الناس تلك القصص الزائفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن لماذا؟ والسؤال هنا ليسَ عن السبب المنطقي للقصة، وإنما لماذا تنتشر هذه الأخبار سَريعاً؟ رُبَّما لأن العناوين المُلفتة والمُستفزة لتلك الأخبار في مواقع التواصل الاجتماعي، تجعل منها سهلة المُشاركة، وبالتالي، يكون فعل المُشاركة أسهل، وأسرع من فِعل القراءة والتقييم. وفي عِصر يقوم على سرعة المعلومات، والمعلومات الكبسولية المُختصرة، لا يقرأ روَّاد مواقع التواصل الاجتماعي الأخبار، ولا يفتحون المواقع، وإنما يكتفون بقراءة العنوان والمُلخص المرفق. كل هذا الانتشار العام، يخلق رواجاً كبيراً لعناوين جذَّابة ومُضلِّلة، بل وصارت هناك وحدات متخصصة فِي كِتابة مثل تلك العناوين في بعض المؤسسات الإعلامية، بهدف جَذب المُشاهد ودفعه للمشاركة بأقل قدر ممكن من المعلومات، وهو ما يخلق Click Bite أو Sound Bite بمعنى طُعماً نقريًّا أو طُعماً شكليًّا، يعمل على استدراج الزوّار للإعجاب بالعنوان إما للنقر عليهِ أو مشاركته بناءً على وقعهِ على حقيقته.

وأحد العوامل المؤثرة أيضاً وفقاً لمركز بيو للدراسات، هي حالة التحيّز التأكيدي Confirmation Bias، حيث يميل الناس لتصديق الأخبار التي تؤكّد المعلومات والمتعقدات المُسبقة لديهم ورفض الأخبار التي تخالفها، وهو ما يحصل عادة في الإطار السياسي والديني والخرافات وغيرها.

بعد هذا المُلخَّص البسيط، هل تعتقد أن ما يحصل هو سوء تقديم للمعلومة فقط؟ أو تقديم معلومات خاطئة فحسب؟ على العكس، قد تكون لمثل هذه المعلومات/الأخبار الزائفة عواقب وتبعات وخيمة تودي بحياة بعض الناس وتؤدي إلى اضطهاد آخرين.  دائماً هناك من يحاول استغلال الفقاعات الإعلامية مثلاً لإثارة الضوضاء والجدل وحالة الهستيريا عند القراء والمشاهدين من باب التخويف؛ لتحقيق مصالح إما مادية أو سياسية أو أي مصالح أخرى، مثل ما يحصل مع بيع كمامات التنفس وحالة فايروس كورونا مثلاً، أو التحذير من المسلمين عبر الأخبار الكاذبة قبيل الانتخابات الأميركية، أو حالة جذب التعاطف الكاذب، لتوسعة مجال دوّامة الصمت في الوسط الإعلامي الاجتماعي.

في هذه المقالة، سنحاول تفعيل التفكير النقديّ لدى القراء للوقاية من الأخبار الزائفة. هُنا 4 نصائح تساعدك على تقييم الأخبار لحظة قراءتها:

تأكّد من مصداقية الناشر:

  • هل يلتزم الموقع الناشر بمبادئ التوثيق الأكاديمي (في حالة الأوراق البحثية) أو توثيق مصادر الأخبار التزاماً صحفيًّا حقيقيًّا؟ كون أي موقع مشهور ورائج بينك وبين أصدقائك، فإنَّ ذلك لا يعطيه أي مصداقية أو لا يعني أنه ينشر أخباراً دقيقة على الدّوام.
  • اطّلع على نطاق الموقع (الدومين/الرابط). كيف هو شكل هذا الرابط الإلكتروني؟ انتبه للمواقع التي تبدو روابطها احترافية مثل (.com.co) أو الروابط التي تبدو من بعيد على أنها صحيحة، ولكنها عند التفحص تكون منتحلة مثل Abcnews، وعند تفحصك لما يظهر خلف هذا الاسم، تجده abcnew.com.co، فهذه المواقع غير شرعية ومختلفة عن مواقع الأخبار الرسمية والتي تنتهي عادة بالنطاق .Com فقط!
  • ما هي سياسة الناشر أو ما هو مصدر تمويله أو حتى ما يسعى إلى تحقيقه من موقعه؟ اتجه إلى صفحة "عنّا/من نحن" للاطلاع على بعض المعلومات عن الناشر وإدارته ومهمته ورؤيته التي يسعى إلى تحقيقها، وتأكد من أنك لم تدخل إلى أحد مواقع الأخبار الساخرة مثل موقع الحدود العربي أو موقع Onion الإنجليزي.
  • من هو مؤلّف/كاتب الخَبر/المادة؟ هل نشر الكاتب مواد أخرى؟ ابدأ بالشك حين تجد أنَّ سطر الوصف للكاتب، يشير إلى أنه يكتب في موقع آخر (غير شهير)، أو إذا كانت معلومات الاتصال بالكاتب عبر حسابه على جي ميل (لأنَّ المؤسسات الإعلامية الكبيرة تخصص لكتّابها عناوين بريد إلكترونية مرتبطة بنطاق/دومين موقعها).

انتبه إلى جودة المادّة الصحفية والخط الزمني للنشر لديها:

  • هل تلحظ أخطاء إملائية؟ أو عناوين تميل لكونها درامية أكثر منها صحفية؟ أو الإكثار من علامات الترقيم في غير موضعها؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فتوقف عن القراءة، وأغلق الموقع، لأنَّ المؤسسات الصحفية المشهود لها، تملك قدرات عالية في التدقيق اللغوي والإملائي، واهتمام عالٍ بالقواعد النحوية. مُلاحظة هامّة (هذا لا يعني بالضرورة أن كل المواقع ذات المحتوى عال الجودة صحيحة ويؤخذ بها، لأنَّ بعض المواقف الساخرة تتبنى هذا الاتجاه على أنه نوع من الكوميديا السوداء للسخرية من المؤسسات الإعلامية الكبيرة التي تنشر محتويات زائفة).
  • هل القصة التي تقرأها الآن حَديثة أم مُعاد تدويرها؟ تأكد لحظة قراءتك أن َّالقصة الإخبارية ليست قديمة ومأخوذة من سياقها الأصلي.

تفحَّص المصادر والمراجع:

  • كيف وصلتَ إلى المادة؟ إذا ظهر المحتوى أمامك على مواقع التواصل الاجتماعي أو وجدته مُروجٌ له على موقع معروف بأنه يستخدم تقنية الطُعم النقري، فاقرأ المادة بحذر شديد. حتى ولو كان الخبر منشور على صفحة صديقٍ لك، فتأكد من تتبع الخطوات أعلاه للتحقق من مصداقية الناشر.
  • من هو الشخص الذي اُقتبِس منه (أو لم يُقتبس منه) وما الذي يقولونه؟ إذا لاحظت نقصاً صارخاً في الاقتباسات والمصادر لا سيما فيما يتعلق بمسألة معقدة، فهذا يعني أنَّ الخبر مثير للريبة. تُغذّى الصحافة الموثوقة بالحقائق، لذا فإنَّ الافتقار إلى العمق والبحث الدقيق يعني على الأرجح نقص في المعلومات المستندة إلى الحقائق.
  • هل المعلومة متوفرة على مواقع أخرى؟ إذا كانت الإجابة لا، فهذا يعني أنَّ مصداقية المعلومة مشكوك فيها.
  • هل يمكنك إجراء عملية بحث عكسي للمصادر والصُّور؟ عبر التحقق من المصادر الموثَّقة، فأنت تتأكد من أنَّ المعلومات قد استخدمت استخداماً صحيحاً، وليس بما يخدم وجهة نظر كاتب المقالة. الأمر نفسه ينطبق على الصور، ففي عصر الفوتوشوب، وصار من المستحيل تصديق الصور من أول مرة، قم بعملية بحث عكسي عبر محركات البحث الصُوري مثل غوغل، لتتأكد من تاريخ الصورة ومعلومات عنها وأماكن نشرها وتتبع المواقع التي نشرتها أيضًا.

اسأل المُختصِّين:

  • هل زرتَ قبلاً أيًّا من مواقع فحص الحقائق؟ هناك العديد من المواقع مثل موقعنا (موقع مسبار) أو مواقع أجنبية مثل (Factcheck.org) و (Snopes.com)، وغيرها من مئات المواقع التي وُجدت لمحاربة الأخبار الزائفة عبر أثير الانترنت والشبكات الإخبارية عالميًّا ومحليًّا.
  • لا تتردد في التواصل مع مثل هذه المنصات في حالة الشك في صحة خبرٍ أو معلوماتٍ ما، ولا تجعل انحيازك الإدراكي يمنعك من التفكير النقديّ. إذ أنَّ حقيقة مُرة، أفضل مئة مَرة من كِذبة خادعة حُلوة، فأنت لا تعلم تبعات مثل هذه الأكاذيب.

المراجع

Harvard Summer School

News Literacy Project

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة