لم تعُد المنصّات الإعلامية والمواقع الإخبارية مساحةً آمنةً لاستقاء المعلومات والأخبار الصحيحة، إذ شهدنا في السنوات الأخيرة تحوّلا في دور الإعلام الذي وضع نصب أعينه هدف كشف الحقيقة، ليصبح مصدراً رئيسياً لنشر الأخبار الزائفة والمضللة. ومع التحول الذي طرأ في المنصات الإعلامية برزت الجهود المبذولة عالمياّ وعربياً لمواجهة الأخبار المضللة والكاذبة والمعروفة بمنصّات التحقق من الأخبار.
لا يعتبر الإعلام الإسرائيلي استثناءً في نشر الأخبار المضللة والزائفة، إذ ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من المنصات الالكترونية لكشف الحقائق للجمهور الاسرائيلي فيما يخص الأخبار الاسرائيلية والعربية والعالمية، وأبرزها موقع Fake News، إذ يعرّف نفسه هذا الموقع بأنه "كلب الحراسة لكلب الحراسة" مشدداً بذلك على دور الإعلام الأساسي في تقديم الحقيقة للجمهور ودوره كموقع في مراقبة الإعلام من أجال "وضع حد للأخبار الكاذبة" كما جاء في تعريف الموقع. لكن ما يلفت النظر في هذه المنصّة هو بعكس المهنيّة والحيادية المتوقّعة من منصات تقصّي الأخبار الزائفة، نشهد انحيازاً تاماً للرواية الصهيونية لا بل أنها تأخذ دوراً فعالاً في ترويجها. كما ذُكر، يعمل الموقع تقصّي الأخبار الزائفة والمضللة من العالم العربي عموماً ومن فلسطين تحديداً، واعتمد النشر الأسبوعي لملفاً يرصد من خلاله أعمال فنية عربية وفلسطينية مناهضة للكيان الصهيوني، إذ يطرح الموقع هدف هذا الرصد بشكلٍ ساخرٍ بأنه: "جزءٌ من متابعتنا المستمرة للتغطية المشجعة لإسرائيل لدى "جيراننا" في العالم العربي، سنقدم لكم كل أسبوع أفضل الرسوم الكاريكاتورية "للفنانين" العرب الذين يُظهرون بأن إسرائيل هي أسوأ أمر حدث للبشرية"، ويشير الموقع إلى دور الرسومات الكاريكاتورية في ترويج المعلومات الزائفة واختراق وعي المشاهد.
يتعامل الموقع مع جميع هذه الرسومات وغيرها أولاً بسخريةٍ وتهكمٍ وثانياً على أنها زائفة، بدون اعتماد الحد الأدنى من المهنية المتوقعة، من منصّة تقصّي حقائق تزعم مهنيّتها، تجاه هذه الرسومات ومعناها وسياقها، ولا يعتبر ذلك افتراضًا مسبقاً لحسن نوايا هذه المنصّة بل للتأكيد على أن هذا النموذج غير مفاجئ عند قراءته في سياق الإعلام الإسرائيلي عامةً، والمرتبط بشكلٍ كبيرٍ في الرواية الصهيونية على الرغم من محاولته لترويج نفسه بأنه سلطة رابعة في إسرائيل معزولةً عن باقي السلطات، إذ يشكّل الإعلام الإسرائيلي إحدى المنصّات الأساسية التي تعمل جاهدةً من أجل شيطنة الانسان الفلسطيني والعربي وكل من يناهض أو يتنقد السياسات الإسرائيلية، وهو خاضع بشكلٍ مباشرٍ لأجهزة الأمن الإسرائيلية ويعمل على غسل أدمغة القراء وتسويق الأكاذيب وتشويه الحقائق[1]، ولا يعتبر موقع تقصّي الحقائق الإسرائيلي Fake News استثناءً لدور الإعلام الإسرائيلي لا بل نرى بأنه امتداداً مباشراً له ولدوره في نشر "البروباغاندا" الإسرائيلية وشيطنة كل ما هو مناهض لإسرائيل وسياساتها. هذا الأمر يدفعنا للتفكير أولاً في موضعة ما نقرأه في الإعلام الإسرائيلي في سياقه السياسي الاستعماري، وثانياً في دور الإعلام عند ارتباطه في أيديولوجيا وانسجامه معها، وبالتالي دور منصّات تقصّي الحقائق عندما تعمل من أجل الترويج لهذه الأيديولوجيا، مما يُسقط عنها دورها ومصداقيتها وشرعيتها.