` `

هل ساهم المرسوم 54 في مكافحة الإشاعات والحدّ من انتشارها في تونس؟

زينة البكري زينة البكري
أخبار
14 يونيو 2024
هل ساهم المرسوم 54 في مكافحة الإشاعات والحدّ من انتشارها في تونس؟
وقفة تضامنية يوم 27 مايو الفائت مع الصحفيين المعتقلين (نقابة الصحفيين التونسيين)

قال الرئيس التونسي قيس سعيّد، في لقاء جمعه بوزيرة العدل ليلى جفال، بتاريخ 24 مايو/أيار 2024، إنّ المرسوم 54 الذي تمّ إصداره في شهر سبتمبر/أيلول 2022، جاء بهدف مكافحة الإشاعات والأخبار الزائفة والمظللة. وتطرق الرئيس التونسي في كلمته إلى الانتقادات التي طاولت هذا المرسوم خصوصًا الفصل 24 منه، قائلاً "يتحدثون عن المرسوم 54 والفصل 24 منه.. أريد أن أوضح لكل التونسيين أننا نرفض المساس بأي كان من أجل فكرة، ولكن هناك أشخاص ليست لهم حرية التفكير فكيف تكون لهم حرية التعبير؟".

وأعاد الرئيس سعيّد قراءة النص الذي ورد في الفصل 24 حسب مقطع فيديو تم نشره في الحساب الرسمي للرئاسة التونسية على موقع فيسبوك، ليؤكد أنّ هذا الفصل تم وضعه لمكافحة الإشاعات، وتابع قوله، "كل يوم وحتى اليوم لم يقع تتبع أحد من أجل رأيه ونحن نرفض أن يُرمى بأحد في السجن من أجل فكرة".

صدر المرسوم عدد 54 لسنة 2022 في 13 سبتمبر 2022، ويتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، وينص الفصل 24 منه على "عقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية قدرها 50 ألف دينار، ضد أي شخص "يستخدم شبكات الاتصال وأنظمة المعلومات عمداً لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال معلومات كاذبة أو شائعات كاذبة"، وتُضاعف العقوبة إذا كانت هذه "المعلومات الكاذبة تستهدف مسؤولي الدولة". 

صورة متعلقة توضيحية
تقرير سابق لمسبار حول موقف المنظمات الحقوقية من المرسوم 54

وجاءت كلمة الرئيس سعيّد، بعد مسيرة شبابية جابت شوارع العاصمة تحت شعار “احكموا الحيوط” (الجدران)، احتجاجًا على وضع الحقوق والحريات في تونس ورفضًا للمرسوم 54، وذلك بعد أيام قليلة من إيقاف ثلاثة إعلاميين بارزين ومحاكمتهم على معنى هذا المرسوم، وهم برهان بسيّس وسنية الدهماني ومراد الزغيدي. ويواجه هذا المرسوم انتقادات ورفضًا واسعًا من قبل المنظمات الحقوقية في تونس، وبينما تقول السلطة إن المرسوم تمّ إصداره لمكافحة انتشار الإشاعات على مواقع التواصل الاجتماعي يرى حقوقيون وصحفيون ومحامون ومعارضون أنه أداة لضرب حرية الرأي والتعبير وسجن المعارضين. 

فهل نجح المرسوم 54 في مكافحة الإشاعات والأخبار الزائفة في تونس؟ 

تؤكد المسؤولة عن وحدة الرصد بنقابة الصحفيين التونسيين خولة شبّح، أنّ 51 تونسيًا أحيلوا على القضاء بين موقوف ومسجون ومحالٍ بحالة سراح على معنى المرسوم 54، منهم 11 شخصًا يعملون في قطاع الإعلام والصحافة.

وأضافت شبّح في حديثها مع مسبار، أنّ الإحالات استهدفت بالأساس محامين وصحفيين ومدونين وسياسيين، وأنّ أغلب القضايا تمت إثارتها من قبل مسؤولين في الدولة (وزراء، نيابة عامة، موظفين عموميين). وحول مسار التقاضي وطرق إثارة القضايا، ترى خولة شبّح أنّ الدولة تستعمل المرسوم 54 لحماية أعوانها وموظفيها من النقد وليس لحماية المواطنين في الأخبار المظللة والزائفة ومكافحة انتشار الإشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. 

ووفق المسؤولة بوحدة الرصد بنقابة الصحفيين التونسيين، فإنّ المرسوم 115 لسنة 2011، المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر، يُجرم في فصله الـ55 نشر الادّعاءات والأخبار الكاذبة، مشيرة في ذات السياق إلى أنّ "جرائم الثلب والتحريض ونشر الأخبار الزائفة تندرج ضمن قضايا النشر وليس ضمن قضايا أنظمة المعلومات". كما أكدت خولة شبّح في حديثها مع "مسبار"، أنّه تم منذ صدور المرسوم 54، إحالة 11 صحفيًا على القضاء بموجب الفصل 24 منه، مضيفة أنّ هناك من هو محال في أربع قضايا على نفس الفصل مثل الإعلامية سنية الدهماني (في السجن)، وأنّ البقية يحاكمون (أغلبهم في السجن) على نحو 20 قضية. وأوضحت أنّ هذه الإحالات جاءت على خلفية قيام الصحفيين والإعلاميين بنقد الوضع السياسي العام أو التعبير عن آرائهم بخصوص الأحداث السياسية التي شهدتها البلاد، مؤكدة أنّ أغلب الآراء كانت ناقدة في إطار دورهم كصحفيين ولم يكن هناك أي ترويج لإشاعات كاذبة أو ادعاءات مظللة، وفقها. 

وتعتبر شبّح أن محاكمة الصحفيين على آرائهم هو اعتداء على حرية التعبير وعلى الدور الناقد التي تقوم به وسائل الإعلام في تونس، كما ترى أنّ الفصل 24 ساهم في ضرب مبدأ المساواة أمام القانون باعتبار أنّه ضاعف العقوبة في الجرائم التي تستهدف الموظفين العموميين وبالتالي أعطاهم حصانة مضاعفة. وتؤكد شبّح في ذات السياق، أنّ المرسوم 54 برمته يتناقض مع تعهدات تونس التي قدمتها أثناء انضمامها إلى اتفاقية مجلس أوروبا، المتعلقة بالجريمة الإلكترونية المعتمدة ببودابست.

وأوضحت أن توطئة اتفاقية "بودابست"، تُلزم الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية على عدم سنّ وإصدار قوانين تمُس من حرية التعبير وحقوق الإنسان والمعطيات الشخصية عند صياغة قوانين خاصة بجرائم أنظمة المعلومات الاتصال. وترى شبح أنّ من حق الدولة التونسية حماية نفسها من جرائم منظومة المعلومات والاتصال مثل القرصنة واختراق قواعد البيانات والتحيل الإلكتروني، لكن مقابل ذلك هي مطالبة باحترام حرية التعبير في الفضاء الرقمي.

تقاطع: المرسوم 54 يستهدف منتقدي السلطة ويهدد حرية التعبير 

من جهتها، تعمل جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني في تونس، على توثيق كل الانتهاكات التي تستهدف حرية الرأي والتعبير في تونس، كما تدعو باستمرار لإلغاء المرسوم 54 نهائيًا وتعتبر أنه يهدد حرية الرأي والتعبير. تقول الناشطة الحقوقية والعضوة في جمعية تقاطع مي العبيدي، في حديثها مع مسبار إنّهم وثقوا أكثر من 40 انتهاكًا ضدّ أشخاص تمت محاكمتهم أو التحقيق معهم على معنى المرسوم 54. 

وأوضحت العبيدي، أن المنظمات الحقوقية في تونس متمسكة بضرورة إلغاء المرسوم برمته، لأنّ أغلب فصوله تُستعمل لقمع حرية الرأي والتعبير وضرب الكلمة الحرة.

وأكدت أنّ المرسوم لم ينجح في مكافحة الإشاعات ولم يُوجد أصلًا لمكافحتها وإنما تم إصداره لزرع الخوف في صفوف الصحفيين والمدونين والمواطنين والفاعلين السياسيين، وفقها. وأشارت إلى أنّ المرسوم تسبب في سجن العشرات بسبب تعبيرهم عن آرائهم في منشورات شاركوها عبر حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنه تم توثيق المحاكمات التي استهدفت الصحفيين والإعلاميين لكنها تتوقع أنه لم يتم توثيق عشرات الحالات التي راح ضحيتها مواطنون عاديون. 

وأوضحت أنّ المساندين للنظام في تونس يبثون يوميًا عشرات الإشاعات غير أنه لم يتمّ تطبيق القانون ضدهم أو محاكمتهم بموجب المرسوم 54، مؤكدة أنّ هذا المرسوم تم إصداره لردع المعارضة في تونس. وتؤكد مي العبيدي أنّ نشر الإشاعات أمر سلبيّ ويضر بالجميع خصوصًا المشاركين في الشأن العام، غير أنّ المرسوم 54 لم ينجح في مكافحتها وإنما ركز على محاسبة كل من ينتقد السياسات العامة للدولة أو ينتقد أداء الوزراء والمسؤولين الكبار. 

من جهته يقر المحامي وعضو منظمة محامون بلاد حدود ناظم الصفاقسي، أنّ المرسوم 54 ليس موجهًا لمكافحة الأخبار الزائفة، بل موجه للحد من الحريات في تونس. وأضح الصفاقسي، في حديثه مع مسبار، أنّ المرسوم يستهدف فئة معينة من الأشخاص وهم الذين ينتقدون السلطة الحالية ويعارضون سياساتها، موضحًا أنّ المنظمة لاحظت بأنه لم يتم ملاحقة أو محاكمة الأطراف الموالية للسلطة والذين يستعملون حساباتهم لنشر أخبار زائفة وغير صحيحة. 

العفو الدولية: المرسوم 54 يفرض أحكامًا قاسية وتم استخدامه لخنق المعارضة 

في تقرير لها بتاريخ 30 مايو 2024، قالت منظمة العفو الدولية إنّ المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، ينتهك الحق في الخصوصية، ويفرض أحكامًا قاسية لجرائم متعلقة بالتعبير، معرّفة بشكل فضفاض ومبهم. وأكدت المنظمة، أن السلطات استخدمت "الفصل 24" من هذا المرسوم بكثرة لخنق المعارضة، وهو ينص على عقوبة السَّجن خمس سنوات، بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى 50 ألف دينار تونسي (16 ألف دولار أميركي تقريبًا)، لاستعمال شبكات معلومات لإنتاج، أو إرسال، أو نشر “أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة” بهدف الإضرار أو التشهير بالغير، أو الدعوة إلى العنف ضده؛ أو “بث الرعب بين السكان” أو “الحث على خطاب الكراهية”. 

منظمة العفو الدولية تقول إنه تم استخدام المرسوم 54 لخنق المعارضة
منظمة العفو الدولية تقول إنه تم استخدام المرسوم 54 لخنق المعارضة

وتُضاعَف العقوبة إذا كان الشخص المستهدف “موظفًا عموميًا أو شبهه”. وجاء في التقرير، أنّ هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تدعوان السلطات التونسية إلى إلغاء المرسوم عدد 54 لسنة 2022، بالإضافة إلى النصوص المبهمة أو الفضفاضة في القوانين الأخرى التي تُستخدم لتجريم حرية التعبير. وبحسب إحصاء هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، تعرض أكثر من 70 شخصًا، بينهم منافسون سياسيون، ومحامون، وصحفيون، ونشطاء، ومدافعون عن حقوق الإنسان، ومستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي لملاحقات تعسفية منذ نهاية 2022. على الأقل 40 منهم لا يزالون خلف القضبان حتى مايو 2024، علمًا أن معظمهم محتجزون على خلفية ممارسة حقوقهم المحمية دوليًا. 

مبادرة برلمانية لتنقيح عدد من فصول المرسوم 54

بادر نحو 57 نائبًا في البرلمان التونسي بعد التشاور مع نقابة الصحفيين التونسيين بتقديم مقترح قانون لتعديل المرسوم 54 وإلغاء الفصل 24 منه تمامًا، غير أنّ مكتب المجلس لم يقم بإحالته على اللجنة البرلمانية ذات الصلة. 

ونهاية شهر مايو الفائت، قام النواب بإيداع مطلب جديد بمكتب البرلمان لطلب استعجال النظر في مقترح مشروع القانون المتعلق بتنقيح المرسوم عدد 54 وعرضه على لجنة الحقوق والحريات. في هذا الإطار، قال النائب وعضو لجنة الحقوق والحريات محمد علي، في حديث مع مسبار، إنّ النواب متمسكون بتنقيح الفصول 9 و10 و21 و22 من المرسوم لأنها تتعارض مع المواثيق الدولية وإلغاء الفصل 24 تمامًا. 

وأوضح أن مكتب البرلمان يعرقل منذ أشهر إحالة مشروع القانون على اللجنة المعنية ومن ثم إحالته للتصويت على الجلسة العامة، مؤكدًا أنّ هناك نية لتمريره للنقاش بعد الانتخابات الرئاسية التونسية (لم يتمّ تحديدها إلى الآن). 

وأشار إلى أنّ نية البرلمان إحالة المرسوم على لجنة الحقوق والحريات للنظر فيه بعد الانتخابات الرئاسية، يؤكد أنّ المرسوم وجد فعلًا لإقصاء المعارضة والخصوم السياسيين وتخويفهم من خوض السباق الرئاسي.

 في ذات السياق، أكد النائب التونسي أنّ المرسوم 54 لم ينجح في مكافحة الإشاعات والأخبار الزائفة وأنّ منسوب الإشاعات في تونس في ارتفاع لافت، مشيرًا إلى أن المرسوم نجح فقط في التضييق على حرية الرأي والتعبير ونشر الخوف في صفوف المواطنين والصحفيين، وفقه. 

ووفق محدثنا، فقد تم توجيه طلبات إلى مكتب البرلمان لرفع الحصانة عن ثلاثة نواب بعد أن تمت مقاضاتهم وإحالتهم للمحاكمة على معنى المرسوم 54، مشيرًا أنّ أحد النواب تمت مقاضاته من قبل رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة بعد أن انتقد تأجيل الجلسة المخصصة للنظر في قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.

اقرأ/ي أيضًا

ادعاءات مضللة ترافق أزمة المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء في تونس

هل سجّلت عائدات السياحة في تونس نموًا قياسيًا مطلع عام 2024 بقيمة 181 مليون دينار؟

الأكثر قراءة