مع طي مرحلة الأزمة الخليجية وانتهاء تداعياتها، والتي شهدت تدفقًا هائلًا للمعلومات المضللة، واجهت المنطقة تحديات كبيرة في مرحلة التعافي السياسي والدبلوماسي. تزامنت مع طفرة غير مسبوقة في تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتراجع ملحوظ لوسائل الإعلام التقليدية أمام تصاعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي.
في ظل هذا التحول، جاء استحواذ إيلون ماسك على منصة إكس ليضيف بُعدًا جديدًا إلى المشهد الإعلامي، في وقت تشهد فيه المنطقة تطورات ميدانية جديدة وقضايا شائكة، كان أبرزها الحرب الإسرائيلية على غزة. هذه التطورات مهّدت لمرحلة جديدة من انتشار المعلومات المضللة، التي استمرت حتى مرحلة ما بعد المصالحة الخليجية، إذ برزت محاولات لإعادة إحياء الروايات الخلافية القديمة لإثارة التوتر من جديد.
تزامن ذلك مع توظيف الحرب على غزة، كموضوع لتعزيز الانقسامات بشأن المواقف والأوضاع هناك، ورغم سعي الأطراف الخليجية لحل القضايا العالقة، فإنّ هذه الحملات التي تنامت مؤخرًا، صارت تؤدي إلى مشكلات عديدة بمعزل عن التضليل، كتقويض الجهود الدبلوماسية الرامية لإعادة بناء جسور الثقة بين الأطراف، وتغذية خطاب الكراهية.
مسبار يرصد حملات تضليل مكثفة في الفضاء الرقمي الخليجي
رصد مسبار في مراجعة على وسائل التواصل الاجتماعي حسابات عدة مجهولة الهوية، تدعي أنها تعود لأشخاص من دول الخليج، وتبث معلومات مضللة، وخطاب كراهية ضد الشعوب الخليجية.
تستغل العديد من هذه الحسابات، بشكل مقصود أو غير مقصود قضايا اجتماعية وثقافية حساسة، لتوظفها في محتوى تضليلي ومثير للجدل. على سبيل المثال مؤخرًا بزرت قضية الممثل العماني طالب البلوشي الذي جسّد دور “الكفيل” السعودي في فيلم “حياة الماعز”. الدور أثار موجة استياء واسعة بين السعوديين الذين اعتبروا أن تجسيد الشخصية يمس صورتهم ويشوّه سمعتهم.
وفي حين حاول البلوشي تبرير مشاركته موضحًا أن الدور كان جزءًا من رسالة أعمق تسعى إلى تسليط الضوء على قضايا مجتمعية واقعية، وأن المشاهد المثيرة للجدل قد تم تعديلها لتخفيف حساسيتها، سرعان ما بدأت حرب من المعلومات المضللة حول الموضوع، وأُنشئت عدة حسابات وهمية انتحلت شخصية البلوشي، ونشرت منشورات تحريضية وكاذبة. ليخرج البلوشي في تصريح مفاجئ ويوضح أنه لا يملك أي حساب على منصة إكس، وأن جزء كبير من الجمهور وقع ضحية حملة تضليل.
كما تفحص مسبار عدة حسابات وهمية نشطت مؤخرًا في نشر وترويج محتوى ينطوي على خطاب كراهية تجاه شعوب وقيادات دول الخليج العربي. وتركز هذه الحسابات على استرجاع القضايا الخلافية التي ظهرت خلال فترة الحصار على قطر، وتستخدم الحرب على غزة لتعزيز خطاب التخوين والاتهامات بالعمالة تجاه شعوب ومسؤولين.
حسابات تضليل وكراهية خصصت لكل دولة خليجية
من الصعب تتبع جميع الحسابات الكثيرة التي تروج للمعلومات المضللة في الفضاء الرقمي الخليجي، إلا أننا سنسلط الضوء على بعضها، والتي تحظى بتفاعل واسع. فعلى سبيل المثال، رصد مسبار سلسلة من الحسابات الوهمية التي أنشئت تحت أسماء كل دولة خليجية، والتي تعمل على نشر معلومات مضللة وتحريض على الكراهية بشكل منظم، ضد الشعوب الخليجية.
على سبيل المثال، ينشر حساب "الكويتيين no context" محتوى يروج لمعلومات مغلوطة ويثير الكراهية والفتنة تجاه الكويت، فيما تنشر حسابات مثل "السعوديين out of context" نفس النوع من المحتوى المستهدف للسعودية. وهذا ينطبق على العديد من الحسابات المشابهة التي تستهدف دولًا خليجية أخرى مثل اليمن.
تفاعل واسع على منشورات شبكة التضليل
تحظى منشورات الصفحات السابقة بانتشار واسع يصل إلى ملايين المستخدمين، في ظل غياب الرقابة الصارمة من منصة “إكس” على محتواها الذي يخالف معظمه سياسات المنصة. ورغم أن إكس يحاول حظر بعض هذه الصفحات بعد التبليغ عليها مرارًا، تواصل هذه الصفحات نشاطها بكثافة، إذ تقوم بإنشاء حسابات جديدة باستمرار، مما يصعّب مهمة تتبعها أو إيقافها.
تصاعد الاهتمام الرسمي في الخليج بمكافحة شبكات التحريض والتضليل
بات قلق الحكومات الخليجية من الموجات المتصاعدة من المعلومات المضللة ملحوظًا. فمنذ الاجتماع الرابع والأربعين للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، بتاريخ الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2023، أكد قادة دول الخليج على أهمية التصدي للمعلومات المضللة، ودعوا حينها إلى تعزيز الجهود الدولية لمواجهة الخطر.
دولة قطر تواجه حملات تضليل منظمة
شهدت دولة قطر في الآونة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بمكافحة المعلومات المضللة، خاصة بعد تعرضها لحملات تشويه متعمدة، وممولة منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة.
تزامنت حملات التشهير والتضليل ضد قطر أيضًا بالتوازي مع التنامي المتزايد لمكانة ودور البلاد إقليميًا، إذ إنّ الدوحة تلعب باستمرار دور الوسيط في العديد من القضايا الحساسة، كان أبرزها مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة مؤخرًا. كانت أغلب الحملات تهدف إلى تشويه سمعة البلاد، إلا أن الدولة كثفت جهودها للتصدي لموجة المعلومات المغلوطة، وذلك من خلال تعزيز الوعي العام، والجهود الرسمية، وإطلاق مبادرات تهدف إلى كشف الحقائق وتفنيد الشائعات.
ففي الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري، أشار حمد بن ثامر آل ثاني، رئيس المؤسسة القطرية للإعلام، إلى تزايد نشاط حسابات مجهولة على وسائل التواصل الاجتماعي، تسعى لإثارة الفتن والتفرقة بين شعوب الخليج، وزرع الشكوك حول وحدة النسيج الاجتماعي في دول مجلس التعاون الخليجي. وأكد آل ثاني على أهمية تضافر الجهود الرسمية والشعبية لمواجهة هذه الحسابات، وتعزيز التلاحم الخليجي.
يُذكر بأنه في السابع من يوليو/تموز 2024، كشفت تحقيقات عن حملة تضليل واسعة استهدفت دولة قطر بمزاعم كاذبة، لا سيما عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الحملة كانت قد سبقتها حملة أخرى إثر قرار إغلاق جامعة تكساس إي آند إم في قطر، وهو القرار الذي أكدت مؤسسة قطر أن موجة دعائية مضللة سبقته وهدفت لتشويه سمعة الدوحة.
قطر تناقش مواجهة المعلومات الكاذبة أمام مجلس حقوق الإنسان
في بيان ألقاه عبد الله بهزاد، السكرتير في الوفد الدائم لدولة قطر لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، خلال الحوار التفاعلي مع المقررة الخاصة لحرية الرأي والتعبير أمام مجلس حقوق الإنسان في 24 يونيو 2024، أكد أن نشر المعلومات المضللة والزائفة قد يتسبب في أضرار جسيمة وانتهاكات لحقوق الإنسان.
وأشار بهزاد إلى أهمية الحصول على المعلومات القائمة على الحقائق والأدلة عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفقًا للمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على أن حرية الرأي والتعبير تأتي مع مسؤوليات وواجبات خاصة.
السعودية تُطلق نوافذ رقمية للإبلاغ عن المعلومات المضللة
بالرغم أن جهود مكافحة المعلومات المضللة لا تبدو متناسبة مع طبيعة الفضاء الرقمي السعودي، إذ يشهد تدفقًا كثيفًا للمعلومات المضللة نتيجة لعدد السكان والمساحة ومكانة السعودية، تبذل المملكة جهودًا ملحوظة مؤخرًا لمكافحة الظاهرة.
في أغسطس/آب 2024 قالت ديمة اليحيى الأمين العام لمنظمة منظمة التعاون الرقمي (DCO)، إن المعلومات المضللة أصبحت تهدد أربعة مليارات نسمة. وفي الشهر نفسه ركّز أحد موضوعات الاجتماع الداخلي الخاص للمنظمة على خطط جديدة لمواجهة المعلومات المضللة.
يُذكر أن الحكومة السعودية كانت قد خصصت نوافذ رقمية، على عدة مواقع رسمية للإبلاغ على المعلومات المضللة، وتقويض جهود ناشريها.
الرياض تستضيف ممثلي شركات وسائل التواصل في نقاش حول مكافحة التضليل
في الثاني من سبتمبر الجاري، عقدت منظمة التعاون الرقمي اجتماعًا مشتركًا في العاصمة السعودية الرياض بمشاركة ممثلي كبرى شركات التقنية ومنصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك Google وLinkedIn وMeta وTikTok، لمناقشة سبل مكافحة انتشار المعلومات المضللة عبر الإنترنت. ركز الاجتماع على تقديم حلول تقنية ومجتمعية مبتكرة لتعزيز الثقة في المحتوى الرقمي وضمان نمو الاقتصاد الرقمي.
نقاش متزايد في الإمارات حول خطورة التضليل على المجتمعات
في التاسع من أغسطس حذّر الشيخ عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام في الإمارات، من الخطر الذي تشكله المعلومات المضللة غير المسؤولة المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وما يمكن أن تسببه من تداعيات خطيرة على المجتمعات، مثل تعزيز مشاعر الكراهية والتطرف.
وأشار آل حامد في تغريدة عبر حسابه على منصة “إكس” إلى أن الأخبار الكاذبة قد تشعل الفتن وتؤجج مشاعر العداء، مما يستدعي ضرورة تحمل المسؤولية في إيقافها.
الكويت تطلق مرصد خاص لرصد المعلومات المضللة
في 22 سبتمبر الجاري أعلنت وكالة الأنباء الكويتية على لسان المدير العام فاطمة السالم، عن إطلاق مرصد "كونا" للتحقق من الأخبار والرد على الإشاعات، في خطوة تمهيدية لانطلاقته رسميًا في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وسيتولى المرصد مكافحة الإشاعات والأخبار المضللة والرد عليها للتصدي لحملات التضليل، بحسب المصدر الكويتي.
الجهود الرسمية وحدها لا تكفي لمكافحة المعلومات المضللة في الخليج
مؤخرًا تصاعد الحديث في دول الخليج حول أهمية تحفيز الأفراد والمؤسسات غير الحكومية على الإسهام في التصدي للمعلومات المضللة، إذ لا يبدو أن الجهود الحكومية وحدها كافية لمجابهتها. فمعظم التدابير الحكومية تتناول المشكلة ضمن إطار قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية، التي أحيانًا ما تكون بطيئة وغير محددة بما يكفي لنجاح مهمة التصدي، وقد تؤدي أحيانًا إلى المساس بحرية التعبير.
دعم الاتجاه غير الرسمي في مكافحة التضليل يتزايد على المستوى العالمي، مع الحاجة الملحة له في العالم العربي، إذ يعتمد التصدي للمعلومات المضللة عربيًا، بشكل كبير على منصات التحقق المستقلة، التي تواجه ضغوطًا كبيرة في التعامل مع التدفق الكثيف للمحتوى المضلل.
ومن الجهود غير الرسمية لمواجهة الظاهرة في الآونة الأخيرة، برزت حملات شعبية على وسائل التواصل الاجتماعي لمواجهة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة، مع التركيز على حظر ناشري هذه المحتويات دون الدخول في نقاشات معهم.
وركّزت هذه الحملات على استخدام وسوم (هاشتاغات) ترويجية، ومن بين الوسوم البارزة التي اعتمدتها الحملات: #تبليك_بدون_تعليق، #تبليك_المسيئين_مطلب_خليجي، #أوقفوا_الإساءات، و #لا_للذباب_الإلكتروني، #خليجنا_واحد.
هناك أيضًا تركيز متزايد في منطقة الخليج على مكافحة الأخبار الكاذبة من خلال مشروعات مستقلة ومنظمة، مثل مشروع “هيئة مكافحة الإشاعات”، وهو مشروع سعودي مستقل.
دورات التثقيف الإعلامي لمواجهة المعلومات المضللة
يتزايد الحديث عن مسألة التثقيف الاعلامي في مواجهة التضليل خليجيًا وعلى سبيل المثال، ينظم معهد الجزيرة للإعلام دورات إعلامية متعددة، وكان آخرها ما طرحه المعهد في أغسطس الفائت عن دورة تدريبية متخصصة حول كيفية التعامل مع المعلومات المضللة والأخبار غير الصحيحة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تهدف الدورة إلى تزويد الصحفيين والباحثين بالأدوات والقواعد الأساسية للتحقق من المحتوى المنشور على المصادر المفتوحة، وتعزيز مهاراتهم في تحليل واستخدام هذه المعلومات بشكل أخلاقي وفعال. كما تسلط الدورة الضوء على أهمية التحقق من المصادر المفتوحة لمواجهة انتشار الشائعات.
اقرأ/ي أيضًا
شبكة حسابات تروّج لمعلومات مضللة وخطاب كراهية بين الجمهور العربي
شبكة حسابات تعتمد أسلوب السخرية من معاناة الفلسطينيين للترويج للدعاية الإسرائيلية