قرر الرئيس التونسي قيس سعيد، إجراء الانتخابات الرئاسية، في السادس من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ودعا الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت.
وجاء في منشور شاركته الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية في الثاني من يوليو/تموز الجاري، أنّ سعيّد، أصدر "أمرًا يتعلق بدعوة الناخبين للانتخابات الرئاسية يوم الأحد 6 أكتوبر 2024”.
ولم يعلن قيس سعيّد، الذي يرأس البلاد منذ عام 2019، ترشحه لعهدة ثانية، حتى كتابة هذا التقرير.
ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي في البلاد، وتوجيه تهم لمنافسين سياسيين محتملين، واعتقال آخرين، برزت مخاوف من انتشار الأخبار الزائفة والمضللة وتوجيه الرأي العام والتأثير في قناعات الناخبين.
يقول هشام السنوسي عضو الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري، لـ"مسبار" إنّ الأخبار الزائفة أصبحت شائعة في العالم أجمع خلال فترة الانتخابات، وتعمل على تحويل مسارها، مشيرًا إلى أنّها نتيجة لمسار من الأخبار الكاذبة والمضللة خارج أوقات الانتخابات.
كما لفت إلى أنّ “الانهيار الأخلاقي شجع على مسار الأخبار الزائفة مستدلًا على ذلك باستعمال السياسيين لتقنيات الزيف للتنكيل بالمنافس فيتبادلون التهم ويشوهون بعضهم البعض"، ولئن يفترض في هذه الوضعيات التعويل على ضمير الصحفي، وفقه، فإن دوره تراجع في وسائل الإعلام وتم استبداله بالمؤثرين وهذا ما تسبب في استفحالها.
الأخبار الزائفة خلال الاستحقاقات الانتخابية في تونس منذ 2011
في تونس وتحديدًا في مرحلة ما بعد الثورة، التي عاشت فيها البلاد انتخابات حرة وشفافة، وفقًا لملاحظين دوليين ومحليين، ارتبطت بالعديد من السياسيين عدة إشاعات، من بينهم حمة الهمامي، القيادي اليساري والأمين العام لحزب العمال، الذي صرح قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2014، بأنّه تونسي مسلم، عكس الادعاءات المنتشرة منذ عام 2011، وتزعم أنّه ملحد ويكره الرسول محمد.
كما نفى منصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق (2011-2014)، قبل الانتخابات الرئاسية المبكرة عام 2019، تصريحات منسوبة له حول تنازل شخصيات مترشحة لصالحه، وترشح شخصية أخرى من حزبه للمنصب، مشيرًا إلى كثرة الادعاءات التي تستهدفه والتي قال إنّها سيل من الأكاذيب والإشاعات.
يرى المفكر والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، أن الأخبار الزائفة بحكم طبيعتها هي أخبار ليست لها أي علاقة بالواقع والحقيقة، وإنما يحاول من يبثها في الحملة الانتخابية سواء أشخاص أو أحزاب مغالطة الناخبين والمواطنين ويمثل مروجو تلك الأخبار جزءًا من آلية موجودة، تصنع خاصة في الحملات الانتخابية من أجل تدمير أشخاص وتشويههم وقلب الحقائق والمعطيات.
ويشير الجورشي إلى أن بعض الأخبار إذا كانت محبوكة بطريقة فيها نوع من "المنطق" يمكن أن يتأثر بها المواطنون وتؤثر على توجهاتهم وخياراتهم الانتخابية أما تلك الأخبار الزائفة التي تكون بسيطة وساذجة لا يصدقها الناس ولا يعتمدون عليها، مبينا أن الخبر الزائف لكي يؤثر لا بد له من حبكة ومن أطراف تعمل على ترويجه حتى يرسخ في الأذهان، وإذا ترسخ سيؤثر على جزء هام من الشعب التونسي.
ويلفت محدث مسبار، إلى أن العديد من المرشحين السياسيين تأثروا بحملات مضادة لهم وهو ما جعلهم يخسرون السباق الانتخابي في العديد من المحطات، منوهًا إلى أن المناخ يكون ملائمًا جدا لترويج الأخبار الزائفة عند اقتراب الحملات الانتخابية وخلالها.
ويؤكد الجورشي، أنّه على الأحزاب السياسية والمرشحين السياسيين أن يحسنوا الدفاع عن أنفسهم عبر كشف زيف هذه الأخبار في الوقت المناسب، لأنه إذا تأخر التوقيت، تكون النتائج خطيرة عليهم.
التعديل الذاتي ودور منصات التحقق في محاربة الزيف والتضليل
ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي في تونس، يرى السنوسي أن الحل الأمثل لمجابهة الإشاعات هو إعادة الصحفي إلى مكانه في وسائل الإعلام وحوكمة هذه الوسائل عن طريق مجالس التحرير والتعديل الذاتي، مشيرًا إلى أن المسؤولية الأساسية ملقاة على عاتق أصحاب المؤسسات الذين ينتدبون أشخاصًا غير مؤهلين في الخوض في الأخبار.
كما ثمن دور الإعلام البديل وكل المنصات التي تحارب الإشاعة والكذب والتضليل لما لها من دور أساسي في محاربة الأخبار الزائفة والكذب والتضليل، وفقه. كما بين أن الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري، ساهمت في إنشاء مثل هذه المنصات وشجعت على إنشائها، مستدركًا بأنها هيئة تعديلية لا تقوم بالتعديل الذاتي بل فقط تشجع عليه.
من جانبه اعتبر صلاح الدين الجورشي، أن الإعلام الموازي الذي مهمته رصد ومواجهة الإشاعات وكشف زيفها يمكن أن يلعب دورًا مهمًا، لكن تواصله مع المواطنين وتأثيره المباشر على المتابعين جعله محدود الأثر أحيانًا، وبالتالي لا بد من إيجاد وسائل إعلام أخرى في تونس أكثر انتشارًا وذات طابع جماهيري لتوسع من درجة تأثيره واطلاع الناس على حقيقة ما يجري.
المرسوم 54: مخاوف على حرية التعبير والصحافة
وضع الرئيس التونسي قيس سعيد المرسوم عدد 54 لسنة 2022، والمتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال والذي ينص في فصله الرابع والعشرين "في الإشاعة والأخبار الزائفة"، أنه “يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمّد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتّصال لإنتاج، أو ترويج، أو نشر، أو إرسال، أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو وثائق مصطنعة أو مزوّرة أو منسوبة كذبًا للغير بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان”.
ويعاقب بنفس العقوبات المقررة بالفقرة الأولى، "كل من يتعمد استعمال أنظمة معلومات لنشر، أو إشاعة أخبار، أو وثائق مصطنعة، أو مزورة أو بيانات تتضمن معطيات شخصية أو نسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير أو تشويه سمعته أو الإضرار به ماديا أو معنويا أو التحريض على الاعتداء عليه أو الحث على خطاب الكراهية وتضاعف العقوبات المقررة إذا كان الشخص المستهدف موظفا عموميا أو شبهه".
فهل يمثل المرسوم آلية لمكافحة الإشاعات والأخبار الزائفة أم يعكس خطرًا على حرية الصحافة وسيفًا مسلطًا على رقاب الصحافيين؟
في إجابته على هذا السؤال يشدد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، على أن المرسوم 54 جاء ليعالج ظاهرة سيئة لكنه استعمل آليات وصيغ فضفاضة حولته لسيف مسلط على حريات التعبير والتفكير، وأوصى بالتخلي عنه أو على الأقل بإجراء تعديلات جوهرية على بنوده حتى لا يستعمل كأداة لمحاصرة الفكر والرأي الحر.
بدوره يعتبر هشام السنوسي أن المرسوم عدد 54 هو "حق أريد به باطل"، ففي الظاهر هدفه مجابهة الأخبار الزائفة لكن غايته، وفق محدث مسبار، هو تكميم الأفواه وضرب حرية التعبير، مشددًا على أنه حارب تعددية الأخبار أكثر من الأخبار الزائفة.
اقرأ/ي أيضَا
هل ساهم المرسوم 54 في مكافحة الإشاعات والحدّ من انتشارها في تونس؟
منظمات حقوقية: مرسوم سعيّد الذي يجرّم ترويج الأخبار الزائفة خطر على حرية التعبير