مع انتشار فايروس كورونا المستجدّ (كوفيد-19)، عمل "مسبار" على خرق دوامة الصمت التي أحاطت بالأخبار الزائفة وإعادة ترتيب أولويات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بخلق صمام أمان تجاه الأخبار وإعادة التفكير في مدى صحتها، بدلاً من نشرها دون التثبت من صدقيتها.
وكان التوجه مع تصاعد وتيرة التضليل يتمثل في كسر حاجز التقبل الآلي، أيّ من الاستيعاب العفوي المباشر إلى النقد والفحص والتمحيص، والتدرب على نظام للغربلة، يعتمد معايير واضحة لكشف الحقيقة من الزيف.
نشر "مسبار" خلال شهر مايو/أيار من العام الجاري، 63 مادة لفحص الحقائق من مجموع 242 مقالاً، أي قرابة 26%. لم تخل من توقعات اكتشاف لقاح للفايروس، واختلاق أبعاد سياسية وأخرى اجتماعية واقتصادية لانتشاره السريع.
ينبع من هذه الرؤية كذلك سياق المؤامرات الذي تأتي منه الأخبار الكاذبة بشأن ظهور الفايروس ومسبباته، مثل الخبر الذي انتشر عن العالمة الأميركية جودي ميكوفيتس وفضحها لحقائق عن الإدارة الأميركية تتعلق بفايروس كورونا، واتهامها للجيش الأميركي باختلاقه بالاشتراك مع مختبر ووهان الصيني.
ووفق المؤشرات السابقة التي تناولها "مسبار" في الشهرين الفائتين، فقد تقلصت نسبة أخبار كورونا الزائفة من مجموع ما نشره مسبار إلى النصف تقريباً، مقارنة بشهر مارس/أذار الذي فحص خلاله 112 مادة حول كورونا، وشهر أبريل/نيسان الذي تحقق خلاله من 119 مادة متعلقة بالفايروس.
بداية انفراج الأزمة بين الزيف والتضليل
يقال إن آفة الأخبار رواتها، كلما تناقلوها وانتشرت ازدادت زيفاً. من الأمثلة على شائعات إيجاد لقاح للفايروس، الخبر الزائف حول اكتشاف دولة الاحتلال الإسرائيليّ للقاحين جديدين للفايروس، كما تداول على مواقع التواصل الاجتماعي خبر أنها أول من يطور جسماً مضادًّا لعلاج كورونا وهي أخبار مضللة. وانتشر أيضاً خبر يفيد أن علماء مغاربة يقتربون من تطوير لقاح لفايروس كورونا، والحقيقة أن مختبراً مغربياً حلل خصائص الفايروس فقط، كجزء من مشروع علمي أوسع يُدعى "جينوما". هذا التسابق المحموم تواصل مع إعلان الصين عن دواء سيوقف العدوى رغم أن اللقاح مازال في مرحلة الاختبار ولم يتم التنصيص على اعتماده رسمياً.
وبرزت أخبار حول بداية نهاية انتشار الفايروس والاحتفال بالخبر، من ذلك أنّ العلم الإيطالي يرفرف في سماء ميلانو احتفالاً بصفر حالات كورونا، في حين أنه كان عبارة عن تحية من سلاح الجوّ الإيطالي لكلّ الذين يعانون من هذا الفايروس في المدينة. ومن الأخبار المنتشرة أيضا أن فيروس كورونا فقد 60% من شراسته وهو خبر زائف. وتنبأ خبر بانتهاء قريب لجائحة كورونا في السعودية ليتبين أن الخبر زائف تمت فبركته في الشريط الإخباري أسفل شاشة قناة العربية. ورصد "مسبار" خبراً يدّعي أن السودان بات خالياً من كورونا وأن عدد الإصابات مجرد ادعاءات، وبالتحقق من الخبر والعودة إلى الإحصائيات الرسمية اتضح أنه زائف.
التشكيك في طبيعة كورونا
مع الحديث عن انفراج أزمة الوباء، ظهر نوع جديد من الأخبار المشكِّكة في طبيعة "كورونا"، وتواتر الحديث عن أنه عبارة عن بكتيريا تتسبب بجلطات دم تؤدي لوفاة المصابين، وليست فايروساً. وقد تحقق "مسبار" من الخبر وتبين أنه يحتوي على معطيات زائفة ومضللة وأثبت أنه جزء من الفيروسات التاجية الذي لا يُعالج بالمضادات الحيوية، كما فندت منظمة الصحة العالمية الخبر. وانتشرت إشاعة عبر تطبيق واتساب تفيد بأنّ فايروس كورونا المستجد مصنّع مخبريًّا، وكانت الولايات المتّحدة تعلم به منذ عام 2019، ويظهر ذلك بالاطلاع على مشروع قانون H.R.748 الذي صادق عليه الكونغرس الأميركي. تحقّق "مسبار" من المقطع المتداول ووجد أنه مضلّل، لأن القانون الحالي مختلف عن القانون المطروح عام 2019، ويتناول القانون المعدّل ضريبة منافع التأمين الصحي للطبقة الوسطى ولا علاقة له بفايروس كورونا.
بداية الانحسار
تعدّ هذه المرحلة مهمة في اتباع نسق تطور الأخبار الزائفة وكيف وجّهت الجمهور إلى بداية انحسار هذه الموجة من انتشار الفايروس. فقد شاع خبر أن الأردن أزالت القيود الصحية وأعادت الحياة إلى طبيعتها وهو خبر زائف. كما نشر رئيس الولايات المتّحدة، دونالد ترامب تغريدة مضللة حول حصول البلاد على تقييم عالٍ في التعامل مع جائحة كورونا، مقارنةً مع اجراءات أوباما في التعامل مع وباء انفلونزا الخنازير، ووجد فريق "مسبار" مؤشرات تفنّد ادعاءه. وانتشرت خرافة انتهاء فايروس كورونا في 19 رمضان من العام الجاري، استناداً إلى حديث شريف للنبي محمد عليه السلام، نفت تفسيره دار الإفتاء المصرية. وتحقق "مسبار" من خبر إعادة فتح المساجد في المغرب واتضح أنه زائف، بعد نفي من وزارة الأوقاف التي لم تحدد تاريخاً لذلك. وتزامناً مع عيد الفطر المبارك، انتشر خبر يفيد أن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي تحتفل بالمناسبة دون أي إصابات جديدة بكورونا، وهو خبر زائف إذ سجلت البلاد يوم العيد 8 حالات لمصابين كورونا.
ما بعد كورونا
تراوحت بعض الأخبار الزائفة بين الاحتفاء بانحسار الفايروس وبداية البحث عن حلول لما بعد كورونا. وانتشرت أخبار زائفة على مواقع التواصل الاجتماعي أخبار زائفة تحتفي بالطبيبة التونسية نصاف بن علية. كما اتخذت الأخبار الكاذبة في تونس منحى يحيل إلى انتصار البلاد نهائياً على الفايروس وبداية اتخاذ تدابير جديدة في البلاد، من ذلك القول بفرض تأشيرة دخول على التونسيين العائدين من الخارج. وبعد التحقق من الخبر اتضح أنه زائف. ومن الأخبار التي انتشرت حول تونس أن نفقات الحجر الصحي يتحملها الوافدون من الخارج، وهو خبر انتقائي إذ أن الحكومة التونسية استثنت الطلبة ومن انتهت عقود عملهم في الخارج والعالقين والذين يعيشون ظروفاً صعبة من القرار. ونقل مقطع فيديو ساخر على فيسبوك ترجمة مفبركة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وهو يشيد بالحكومة التونسية ووزرائها، وأعضاء من المعارضة بسبب نجاحهم في القضاء على فايروس كورونا المستجدّ.
وفي سياق الأخبار المتعلقة بعودة الموسم السياحيّ، تداولت مواقع إخبارية خبراً مفاده أنّ اليابان ستدفع جُزءاً من تكاليف السفر إليها بعد انتهاء جائحة فايروس كورونا المستجد، واتضح أن الخبر زائف لأن الحكومة اليابانية قررت تمويل جزء من التكاليف في الرحلات الداخلية فقط.