تتدفق الأخبار الزائفة يومياً على المحتوى الرقمي عموماً وعلى مواقع التواصل الاجتماعي خصوصاً، سواء كان محتوىً بصرياً من مقاطع فيديو وصور، أو مقروءاً على شكل منشورات ومقالات وأنباء كاذبة، لتجعل الكثير من متصفحي تلك المواقع ومستخدمي وسائل التواصل ضحيّة للخداع والتضليل.
وتتزايد خطورة مروجي الشائعات والمعلومات المغلوطة في ظل استمرار انتشار وباء فايروس كورونا (كوفيد_19)، نظراً للوضع الاستثنائي الذي يخيّم على معظم بلدان العالم، ولحالة الارتباك المنتشرة بين معظم الناس الذي يعيشون ضمن ظروف الإغلاق وحظر التجوال، وما يمكن أن تسببه المعلومات الخاطئة من خطورة مباشرة على صحتهم، ومن تشويش على المصادر الموثوقة للمعلومات.
وفي إطار مساعيه المستمرة لفحص الأخبار على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتفنيدها وكشف الكاذبة منها، نشر "مسبار" 260 مقالاً على موقعه الإلكتروني خلال شهر مايو/أيار من العام الجاري، من بينها 242 مادة فحص حقائق، مثّلت ثمرة جهود فريقه في التحقق من صدقية المحتوى المتداول في الفضاء الرقمي العربي خلال الشهر الفائت.
توزّعت تلك الموضوعات على تصنيفات "مسبار" للأخبار الزائفة، فجاء القسم الأكبر منها زائفاً كلياً، وآخر مضللاً يُعيد استخدام محتوى منشور سابقاً أو يختلق محتوىً مفبركاً لتضليل المستخدمين. كذلك رصد "مسبار" مواضيع كانت انتقائية، وأخرى تنطوي على إثارة، إضافة إلى المحتوى الساخر أو الصحيح، وكان بعضها خرافات، وبقيت أخرى ضمن المشكوك في صدقيتها.
الشكل(1): المقالات بحسب التصنيف
قرابة ثلث الموضوعات الكاذبة التي فحصها "مسبار" وكشف زيفها خلال شهر مايو كانت سياسية، وبالمقدار نفسه كانت الموضوعات التي صُنّفت كأخبار. وكان نصيب المواد الدينية ذات البعد الروحي نحو 11% من مجموع مواد فحص الحقائق. ونظراً لاستمرار انتشار فايروس كورونا فإن الأخبار الصحيّة الزائفة التي تحقق منها "مسبار" بلغت أكثر من 10%.
الشكل(2) المقالات بحسب نوع الخبر
جغرافياً، كان عدد مواد فحص الحقائق الأكبر من نصيب الولايات المتحدة الأميركية، أما عربياً فكانت الأولى مصر ثمّ تلتها تونس فالسعودية.
الشكل(3) توزّع الموضوعات بحسب الدول
الأخبار الكاذبة تلاحق الأحداث الساخنة
تعكس الأخبار الكاذبة والمضللة في كثير من الحالات، سواء كانت مقاطع فيديو مضللة أم صور مركّبة أم مجرد شائعات لا أساس لها، تفاعل ناشر المحتوى الزائف مع الحدث، فتأتي تلك الأخبار تزامناً مع مجريات الحدث وتطوراته، في محاولة لتضليل المستخدمين ومنعهم من تشكيل صورة حقيقية وصحيحة حول ما يجري. فعلى سبيل المثال، تركزت الأخبار الكاذبة على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة من شهر مايو على أحداث الاحتجاجات التي تشهدها الولايات المتحدة الأميركية بعد مقتل جورج فلويد، الأميركي من أصول إفريقية على يد أحد رجال الشرطة في 25 مايو. فكان منها فيديو زعم أنّ المحتجين اقتحموا البيت الأبيض في حين أن المبنى الذي دخلوه كان في ولاية أوهايو. وانتشرت صورة زائفة تُظهر أنّ "شبيحة" ترامب استنفروا لمناصرته، إلا أنّ الصورة كانت لمؤيدين له خرجوا في شهر أبريل للاحتجاج على إجراءات الحجر الصحي. ولم يغفل مروجو الأكاذيب عن إراقة المزيد من "الدماء" على مشهد الاحتجاجات، فنشروا فيديو يدعي مقتل مواطنٍ أميركي آخر برصاص الشرطة، واستخدموا في ادعائهم المضلل فيديو قديم يعود إلى عام 2017، عندما أطلق شرطي النار على مواطنٍ في ولاية لويزيانا عام 2016.
عربياً، تداول مستخدمون مقاطع فيديو وصور غير صحيحة خصت الحرب في اليمن، مثل فيديو لمقاتل يمني يُقدّم طعام الإفطار لجنود سعوديين، إلا أنّ الحقيقة أن المقطع مجرّد مشهد تمثيلي لا أساس له في الواقع. أو مشاهد حربية مأخوذة من مكان وزمان آخرين، مثل هذا المقطع الذي لم يكن لقصف مدفعي في اليمن، إنّما لراجمة صواريخ في العراق عام 2015.
وروّج الذباب الإلكتروني لمقطع فيديو على أنه لمحاولة انقلابية في دولة قطر، ويُظهر حرائق في الدوحة، إلّا أنّه كان فيديو قديم يصوّر حادثة نشوب حريق في جزيرة اللؤلؤة في الدوحة عام 2018. وفي السياق نفسه تمّ الترويج لفيديو ادعى ناشروه أنّ لإطلاق نار في الدوحة، إلّا أنّ الفيديو المضلل يعود إلى مدينة القطيف شرقي السعودية، ويصوّر عملية أمنية نفذتها الشرطة عام 2015.
المعارك في ليبيا كان لها نصيب من اهتمام مروجي المحتوى المضلل، مثل هذا الفيديو الذي انتشر على أنه لقصف قاعدة الوطية، إلّا أنّه في الحقيقة يصوّر انفجاراً في شرقي أوكرانيا عام 2017.
فكّ الحظر.. على الإنترنت فقط!
في ظل قوانين تقييد الحركة وحظر التجوال والإغلاق العام والجزئي الذي تشهده الكثير من الدول في ظل استمرار تفشي فايروس كورونا (كوفيد-19)، استمرّ تدفق الأخبار الكاذبة حول الفايروس، وإن بوتيرة أقل من الشهرين الماضيين، فكانت حصته من المحتوى المنشور 63 مادة من أصل 242 مقالاً، أي قرابة 26%. تمحورت بعضها على الترويج لشائعات تدعي اتخاذ قرارات فكّ الحظر وعودة الحياة إلى طبيعتها. وكذلك نشر معلومات طبية مغلوطة نُسبت إلى منظمة الصحة العالمية. وكان من الصعب أن يمرّ الشهر دون أخبار زائفة تتناول وزيرة الصحة المصرية! وهذه المرة كان الخبر الكاذب حول دخولها الحجر الصحي بعد الاشتباه بإصابتها بـ كورونا. كذلك نشرت وسائل إعلام عديدة معلومة غير دقيقة، بالغت في طريقة سردها مستخدمة أسلوب ينطوي على إثارة، إذ ادّعت أنّ الصين توصلت لعلاج يمكنه وقف انتشار الفايروس، إلّا أنّ "مسبار" تأكد أن العقار ما زال، مثل كثير من العقارات حالياً، في مرحلة الاختبار. كذلك لم يمضِ الشهر دون موضوعات مرتبطة بنظرية المؤامرة حول نشأة فايروس كورونا، مثل الخبر الذي يدعي أنّ الكونغرس أعدّ قانوناً حول فايروس كورونا قبل اكتشافه. وانتهى الشهر مع شائعة تدعي أنّ دواء باراسيتامول فيه فايروس قاتل.
الشائعات الدينية في نطاق المألوف
كانت للموضوعات الدينية حصة لا بأس بها على منصة "مسبار" من مجمل المقالات المنشورة على المنصة في شهر مايو، فقد نُشر قرابة 27 موضوعاً مرتبطاً بالروحانيات والأديان، ولم يحمل هذا الشهر تغيراً في طبيعة الشائعات والمغالطات المرتبطة بالأديان، إذا ما قارنا موضوعاته بموضوعات الأشهر الأخيرة، إلّا فيما يخص رؤية هلال شوال وأول أيام عيد الفطر. كما استمرت الأخبار الدينية المتعلقة بفايروس كورونا وبإجراءات حظر التجوال، وشائعات إعادة فتح المساجد، مثل هذه الشائعة التي روجت لإعادة فتح المساجد في المغرب. فيما عدا ذلك تبقى توجهات الشائعات الدينية على ما هي عليه، وخير مثال على ذلك هو فيديو زُعم أنه لمغنية أميركية ترتّل آيات من القرآن الكريم، إلّا أنّه في الحقيقة لفنانة تونسية اسمها صوفيا صادق. وفي ظل الشائعات المتنوعة التي طاولت مدير شركة مايكروسوفت السابق بيل غيتس، كان له نصيب من شائعة ذات بُعد ديني، تدعي أنّه غرّد على تويتر مستاءً ممن يلوم المسلمين على عدد الأضاحي في عيد الأضحى، في الوقت الذي تُقتل فيه ملايين الحيوانات على يومياً من أجل تلبية احتياجات مطاعم كنتاكي ومكدونالدز وغيرها، طبعاً التغريدة مفبركة وليس لها وجود على حساب غيتس على "تويتر".
الكذب في الفن ليس دائماً للتسلية
لا تنتشر الأكاذيب المرتبطة بالفن والفنانين بغرض التسلية دائماً، فقد تكون جزءاً من التفاعل السلبي مع حدثٍ كبير، مثل الخبر الكاذب الذي انتشر على وسائل التواصل مدعياً أنّ الممثلة الأميركية من أصول إفريقية هاتي ماكدانيل، منُعت من حضور حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 1940 لأنها ذات بشرة سمراء، الخبر غير صحيح إلّا أنه أتى بعد الإضاءة على العنصرية وتاريخ التمييز العرقي في الولايات المتحدة بعد مقتل جورج فلويد على يد شرطي أميركي.
إلا أنّ بعضها الآخر يروّج لشائعات حول الفنانين وحياتهم في ظل تفشي فايروس كورونا، مثل خبر الطائرة الخاصة التي أقلّت نبيلة عبيد ونادية الجندي من بيروت إلى القاهرة، إلّا أنّ الصورة المضللة كانت مقتطعة من الصورة الأصلية التي تُظهر الناس وراء الممثلتين المصريتين، والتُقطت خلال رحلة قامتا بها إلى بيروت في يناير/كانون الثاني من العام الجاري. كذلك كان لموسم المسلسلات الدرامية في رمضان نصيبه من الأكاذيب والشائعات، مثل خبر يدعي أنّ أمير الكويت أمر بوقف عرض مسلسل (أم هارون) على التلفزيون الكويتي، والخبر كاذب لأنّ المسلسل لم يُعرض أساساً على التلفزيون الكويتي.
دون سياق واضح
العديد من الأخبار الكاذبة تأتي تزامناً مع وقوع أحداثٍ معينة، إلّا أنّ جزءاً منها لا يرتبط بمناسبات معينة أو بأحداث كبرى، ومن الصعب وضعه في سياق شامل، ورغم ذلك يلقى اهتماماً من بعض المستخدمين الذي يشاركوه على حساباتهم دون التحقق من صدقيته. وتأتي في هذا الإطار أكاذيب كثيرة رصدها "مسبار" في هذا الشهر وتحقق من صدقيتها، مثل الصورة المفبركة التي تُظهر عجوزاً تركياً يرفع علم المثليين، إلّا أنه في الحقيقة يرفع علم حزب العدالة والتنمية. أو مثل قصص مزيفة تجذب النّاس، كقصة القاضي الأردني الذي قبّل يد معلمه المتهم أمامه، إلّا أن القصة غير صحيحة ومبنية على صورة رجل تركي أراد تقبيل يد رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو. أو كالصورة "المستوردة" من الولايات المتحدة لأفعى ضخمة، زعم ناشرون على امتداد الوطن العربي أنها من لبنان وسورية وتونس والجزائر.