` `

الأخبار المضلّلة في فلسطين تزداد في الكوارث والحروب

أسماء الغول أسماء الغول
أخبار
20 سبتمبر 2020
الأخبار المضلّلة في فلسطين تزداد في الكوارث والحروب

"لا تختلف فلسطين عن باقي تجارب العالم في مكافحة التضليل، وأمامها طريق طويل من مكافحة الأخبار المضلّلة بالقوانين، وبالتنظيم الذاتيّ، بما ينطوي على ذلك من إطلاق مراصد تحقّقٍ ومشاريع مجتمع مدنيّ لمكافحة التضليل".

ربما تُلخّص هذه العبارة كثيراً من البحث الاستكشافيّ للباحث صالح مشارقة، الذي صدر في أغسطس/آب المنصرم، عن المركز العربيّ لتطوير الإعلام الاجتماعيّ. 

وكانت أداة البحث الأبرز هي استطلاعات رأي هاتفيّة نفذتها مؤسسة ألفا العالميّة للأبحاث والدراسات، وشملت عينة البحث 515 مجيباً من مناطق مختلفة في فلسطين، أبرزها الضفة الغربية وغزة والداخل الفلسطينيّ، ورداً على سؤال: هل سبق وأنْ تعرّضت لأخبارٍ مضلّلة؟ أظهرت النتائج أن 72% من المستطلعين سبق وأنْ تعرّضوا لأخبارٍ مضلّلة، بينما لم يتعرض لها 28% منهم.               

وقال البحث إنّ من يُمعن في تحليل نتيجة من تعرّضوا لخبرٍ مضلّل، يرى أنّ 48% من المستطلعين بادروا شخصيّاً للتحقّق من صحة الأخبار، بينما هناك ثلاث فئاتٍ تعتمد على جهات أخرى، وعوامل خارجيّة للتحقّق من الأخبار، كما تشير النتائج إلى أنّ ما يقارب 80% من متلقّي الأخبار المضلّلة من بين المستطلعين يتحقّقون من الخبر خلال 24 ساعة، و40% منهم يصلون لهذه الحقيقة خلال ساعة واحدة من تلقّي الخبر ولعل هذه النتائج تستدعي من كلّ الفاعلين في تدفق المعلومات تبنّي مجموعة من الممارسات المرتبطة بمتغير الوقت في محاربة التضليل، لا سيما أنّ أول 24 ساعة من عمر الخبر هي الأهم في محاربة التضليل بالنفي أو التنبيه أو الحذف أو التفنيد، وهذا لا يعني أنّ باقي الفترات من عمر الخبر لا تصلح للتفنيد، بل يجب العمل عليها، وإلّا تحوّلت إلى أرضيةٍ خصبة لبناء رأي عام خاطئ في المعلومات والاستنتاجات.               

وكانت أهم النقاط التي توصّل إليها البحث أنّ فترات الكوارث مثل انتشار وباء كورونا هي أكثر الفترات الزمنيّة التي تشهد تزايداً في الأخبار المضلّلة، تليها أوقات الحروب مع إسرائيل، ثم فترة الانقسام الفلسطينيّ، وفترة الدعاية السياسيّة للأحزاب، وهناك فترة الهبوط الاقتصاديّ، ثم فترات الترويج أو التسويق، كذلك في فترة الانتعاش الاقتصاديّ.

وقال الباحث إنّ نسبة ارتفاع الأخبار المضلّلة في الكوارث والحروب مبعثها كون حياة البشر على المحك، فيكون إنتاج الرسائل الإعلاميّة سواء من الإعلام التقليديّ أو الإعلام الاجتماعيّ، مرتبطاً بما يمكن تسميته إعلام الهلع والخوف والاستعجال في استهلاك الرسائل الإعلاميّة.

 وهنا يكمن التضليل بشقّيه: معلومات مضلّلة أو معلومات خاطئة، وينبغي التنويه بأنّ حتى عمليات التحقّق في زمن الحرب أو الكارثة، ترفع من وتيرة تناقل الأخبار المضلّلة أو الشائعات، فيحدث ما يسمى "تضخيم الأخبار المضلّلة"، بمجرد أنْ ينطلق المستخدمون في السؤال للتحقّق من صحة معلوماتٍ ما.

ويضيف البحث أنّ السنوات الأخيرة شهدت ظهور تخصّصٍ فرعيّ في أخلاقيات الصحافة يُسمى أخلاقيات التحقّق، يرى منظرّوه أهمية قصوى لخفض نسبة انتشار الأخبار المضلّلة في مراحل التحقّق منها.

وجاء في البحث "نلاحظ أنّ حقل السياسة، الانقسام والانتخابات، يأتي مباشرة بعد الكارثة والحرب، وهو ما أِشارت إليه غالبيّة الأدبيات، التي نبّهت إلى أنّ السياسة والسياسيّين والعمليات السياسيّة ترفع من نسبة الأخبار المضلّلة بسبب دخول عامل الصراع والمال السياسيّ والمصالح الحزبيّة على إنتاج الرسائل الإعلاميّة".

مضيفاً أنّه لا غرابة في تباعد نسبة الأخبار المضلّلة في فترتي الهبوط والانتعاش الاقتصاديّ؛ فيرتفع التضليل في الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة الصعبة بينما يخفّ في أوقات الاستقرار.

ومن النتائج التي توصّل إليها البحث مع مجموعة المستطلعين أنّ أهداف التضليل هي لغاياتٍ سياسيّة ويمكن الإشارة هنا إلى أنّ الواقع الفلسطينيّ لا يختلف عن سائر دول العالم في استعمال الأخبار المضلّلة لتحقيق مآرب سياسيّة، وهناك أهداف تتعلق بزراعة الفتن أو التسلية والمزاح أو جمع أكبر عددٍ من "اللايكات" على المنشورات والتغريدات.

 وذكر البحث أنّه من اللافت أنّ عالم المال والإعلام، الذي تمدّد ليشمل وسائل تسويقيّة على منصات التواصل الاجتماعيّ، بدأ يُضلّل في الإعلانات والدعايات التجاريّة بشكلٍ أكبر من الإعلام التقليديّ، ففي الإعلام الاجتماعيّ الجديد يدفع المعلن ثمن الإعلان لشركة تواصلٍ بعيدة في دولةٍ بعيدة، وينشر المضمون الذي يناسبه دون أيّة معاييرٍ للرقابة على صدقيّة المنتج.

ومن ضمن المقابلات التي أجراها الباحث كانت مقابلة مع مدير موقع "مسبار" للتحقّق ورصد الأخبار المضلّلة محمد الشيخ يوسف، الذي علّق على أهمية الرصد في التحقّق من الأخبار المضلّلة، بالقول "فكرة وجود مرصد للتحقّق من الأخبار ما زالت حديثة في منطقتنا العربيّة، وربما يحتاج المرصد إلى بعض الوقت كي يكسب ثقة الجمهور ومعرفة كيفيّة عمله"، ويعتقد الشيخ يوسف أنّ المراصد تتقدّم بقوةٍ باتجاه ثقة الجمهور، كما بدأت فكرتها بالانتشار.

أما بالنسبة إلى المفاهيم في البحث، فيقول الباحث إنّه بعد فوز ترامب، تناولت دراسات عديدة ظاهرة الأخبار المضلّلة، من منظار "ما بعد الحقيقة" وهو اصطلاح جديد دخل معجم أكسفورد عام 2016، وعرّفه المعجم بـ"ظروف يتجاوب فيها الناس مع عواطفهم ومعتقداتهم الشخصيّة أكثر من الحقائق" وقد وجدت الأخبار المضلّلة في "ما بعد الحقيقة" عصر ازدهارها، وهو ما جعل إعلام ترامب يُهيمن، أو حملة حزب المحافظين في بريطانيا تفوز في الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبيّ

وأضاف أنّ ألكس لاو يعتبر أنّ عصر ما بعد الحقيقة منح الأخبار جمهوراً يُريد أنْ يسمع ما يريد، ونزع الشرعيّة عن المصادر في المعلومات، وقوّى الأخبار عبر تضخيم قدرتها على الانتشار وليس بمصادرها، وحوّل الحقائق إلى سردياتٍ وحكاياتٍ منتشرة إلكترونيّاً يصعب التحقّق منها، وتحولت الحقيقة من حقائق إلى بيانات، وصارت ما تجمعه خوارزميات الإعلام الاجتماعيّ من إعجابٍ وتعليقاتٍ ومشاركاتٍ أهم من نتائج الاستطلاعات، وتحوّل الذكاء الاصطناعيّ في الإعلام الاجتماعيّ إلى أكبر مشتّت للإجماع بين الناس، فهو منحهم ما يُريدون كأفرادٍ وليس كمجموعةٍ اجتماعيّة، ووسّع مساحة أهميّة رأي الفرد وعاطفته على حساب صحة المعلومة، وهذا ما دفع الأخبار المضلّلة للانتشار عالمياً على نحو واسع.

وقال الباحث إنّ المؤسسات الإعلاميّة خلال طريقها لتطوير أساليب نشر الأخبار على منصات الإعلام الاجتماعيّ، شرعنت صفات مرحلة "ما بعد الحقيقة"، وهذا ما يعرضه هال بيرغل في مقالته "الكذب، لعنة الكذب، والأخبار المضلّلة" عبر مصفوفة من الصفات الجديدة للأخبار المضلّلة تتعلق بالتهكّم والهجاء، والإفشاء، والمضامين غير الخاضعة للمساءلة، والتصيّد، واستخدام الأسماء المستعارة، واستخدام عباءة السريّة للمصادر المجهولة، التي قامت بالتشهير والافتراء والكذب، ونشر المحتويات البغيضةـ إضافةً إلى استخدام مصادر إفشاء معلومة، وظهرت المصادر المزيّفة التي نشرت إشاعاتٍ وافتراءاتٍ وبروباغندا حزبية.

وفي مقابلةٍ مع الباحث صالح مشارقة، قال لـ"ـمسبار" حول سبب كون بحثه جاء استكشافيّاً بأنّه لا يوجد أبحاث عربيّة تتبّعت ظاهرة الأخبار المضلّلة، مُضيفاً "لذلك ذهبت إلى البحث الاستكشافيّ، فهو أول مرة يتم في فلسطين، فلا توجد مراجع عربيّة، كما أنّني أحببت أنْ تشاركني البحث مجموعات التركيز، فقد مثلت فلسطين التاريخيّة؛ الضفة وغزة وأراضي الـ48".

وتابع مشارقة "خلال العمل على البحث أسعدني أنّني استطعت أنْ أكبّر مفهوم الأخبار المزيّفة إلى إعلامٍ مضلّل، وأسعدني متابعة تجارب الناس العاديّين في الناصرة وأم الفحم والخليل وغزة، فمثلاً هناك من مجموعات غزة من رأت أنّ خطب المساجد تحوي تضليلاً، وفي أراضي الـ48 هناك من قال إنّ المؤثرين خلف الأخبار المزيّفة، أما الضفة الغربيّة فأرجعوا السبب إلى الأحزاب السياسيّة".

ويرى مشارقة أنّ كلّ شخصٍ في مجموعات التركيز تحدّث عن الهمّ الذي يواجهه، ومن هنا جاء الاستطلاع ليشمل 515 شخصاً من غزة والضفة وأراضي الـ48، لافتاً إلى أهمية المزاوجة بين الاستطلاع وموضوع الأخبار المضلّلة، بما أنّه بحث استكشافيّ شبه أولي، مهمته قياس الأخبار المضلّلة والتعرف إليها أكثر.

وانتقد مشارقة خلال مقابلته مع "مسبار" العناوين التقليديّة في الوطن العربيّ التي عادة ما تشوب المقالات أو الدراسات التي تتناول الأخبار المزيّفة فإمّا تكون ذات نهجٍ كميّ أو نهجٍ كيفيّ، مقارنة بالأبحاث الأجنبيّة التي تنتج عناوين كثيرة يتم من خلالها التعامل مع الأخبار المضلّلة، مثل الأخبار المضلّلة والأخلاقيات، والأخبار المضلّلة والذكاء الاصطناعيّ، أو الأخبار المضلّلة وفوز ترامب، مضيفاً "وهذا شجعني لأعرض على القرّاء 16 طريقة لخوض ثيمة الأخبار المفبركة".

وسرد مشارقة العديد من الاكتشافات الطريفة التي واجهها في بحثه، قائلاً "اكتشفت أنّ الناس يرون الأخبار المضلّلة نابعةً من التطبيق الذي يتعاملون معه، فمثلاً الأعمار تحت العشرين قاموا بتسمية تطبيق تيك توك، بينما جيل العشرينات رأى أنّ السبب انستغرام، أما الثلاثينات والأربعينات فكانت منطقتهم فيسبوك وتويتر" لافتاً إلى أنّ هذه الإجابات كانت مفيدة خلال تحليل المعلومات.

كما لمس مشارقة كثيراً من الإيجابيات فيما يخصّ البحث، فمثلاً أكثر ما خاف عليه الناس من آثار الأخبار المضلّلة هو التعليم من ثم زيادة الانقسام الفلسطينيّ، وأخيراً صورة الفلسطينيّ في العالم، قائلاً "على الرغم من كل الضغوطات التي يعيشها أهل فلسطين، إلّا أنّ هناك ثوابتاً يتمسّكون بها، فهم يخافون على الصورة الأخلاقيّة لقضيّتهم في العالم، كما يهتمون بالتعليم حتى آخر نفس".

وأكّد كون أهم ما توصّل له في البحث من خلال النقاش مع مجموعات التركيز، وهو ما جاء في خاتمة البحث بأنْ يشمل المفهوم ليس فقط الأخبار المضلّلة، بل الإعلام المضلّل ككل، فمن المهم توسيع المفهوم بحسب اتساع فهم الناس للمعلومة الكاذبة أو المضلّلة.

المصادر:

الأخبار المضللة في فلسطين

الأكثر قراءة