إعداد ياسين عثمان للنسخة الإنجليزية من "مسبار"، ترجمة عمر فارس بتصرّف.
سمح ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، أمثال موقعي تويتر وفيسبوك، بانطلاق سيلٍ من المعلومات المغلوطة، حار في كيفية التعامل معها المشرّعون، والسياسيون، وممثلو مؤسسات المجتمع المدني، وفي تحديد سبل إيقاف تبعاتها المدمّرة، بل فكّروا في تجريمها. وفي سبيل تقليل التبعات المتنامية للأخبار الزائفة، قررت بعض الدول التي تميل إلى السلطوية، تجريم إصدار وتناقل تلك الأخبار. مع ذلك، تظل مجموعة من الأسئلة في رهن الإجابة؛ فهل من القانوني بمكان حجب المحتوى الزائف، وما هي تبعات تجريم نشر الأخبار الزائفة، وأين يقع الخط الفاصل بين ما يُسمح بنشره من أخبار والممنوع؟ كما أن الأمر يثير موضوعات متعلقة بحقوق الإنسان.
القانون الدولي
من المهم في البداية التوضيح أن حقوق الإنسان تندرج تحت إطار القانون الدولي، الذي يحظى باليد العليا مقارنة بقانون كل دولة، إذ على جميع الدول الالتزام به. إلا أن بعض الدول تسنّ قوانيناً داخلية تخالف المعايير الدولية، ما يجعلها مخالفة للقانون الدولي، لكنها تظل فاعلة وملزمة داخلها.
حرية التعبير حق إنساني محميّ في المادة 9 من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، لكن أتاحت هذه المادة وضع قيود على حرية التعبير، إذ يجب على الدولة إن أرادت ذلك استيفاء شروط محددة:
- أن تكون القيود مرتبطة بنص قانوني وطني (داخل الدولة).
- أن تكون القيود عاملاً أساسيًّا لتحقيق هدف مشروع معترف به في القانون الدولي.
من الممكن تجريم نشر الأخبار الزائفة في قانون دولة ما، الأمر الذي يستوفي الشرط الأول، لكنّ المشكلة تكمن في الشرط الثاني. تعريف الأخبار الزائفة غامض وغير ثابت، الأمر الذي يمنع الدول من تجريمه بحدّ ذاته لأنّ ذلك سيعدّ تعميماً وعشوائية. كما أنّ الهدف من وراء حجب الأخبار الزائفة أو تجريمها يبدو معمماً وعشوائيًّا أيضاً، ما يجعل الحجب غير قادر على تحقيق هدف حقوقي واضح ومحدد.
يمكن للدولة أن تضع محددات على حرية الرأي والتعبير إذا كان ذلك يخدم مصلحة مشروعة، يمكن تعريفها وتحديدها على مستوى الأفراد، مثل تشويه سمعة شخص ما، أو تهديد شخص أو مجموعة باستعمال العنف ضدهم، وكل ما يندرج تحت خطاب الكراهية. قد تتقاطع تلك الحالات مع ما يُعرف بالأخبار الزائفة، إلا أنّ فكرة الأخبار الزائفة بحد ذاتها يصعب تجريمها، ولا يمكن سوى محاولة تحييدها ودحضها بعدما تنتشر.
إذا بدأنا بتجريم نشر الأخبار التي لا نتفق معها، حتى لو كانت غير صادقة أو غير موضوعية، فقد يعرضنا ذلك إلى خطر الرقابة على الآراء وحجبها، الأمر الذي يحدث منذ نشأة الإنترنت.
مخاطر تجريم الأخبار الزائفة
على امتداد الكرة الأرضية، استخدمت الدول الأخبار الزائفة لتبرير قمعها للمظاهرات السلمية، والنشطاء على الإنترنت، وكاشفي الوثائق السرية، وغيرهم بهدف التحكم بالرواية الرسمية. بالتالي، فإن تجريم الأخبار الزائفة يعدّ الخطوة الأولى نحو جعل الدولة الناطق الرسمي باسم الحقيقة، وسوف يقلل ذلك من إمكانية مناقشة الأمور الهامة.
إذا وُضعت هذه السلطة الكبيرة بيد جهة ما، دون شفافية، ودون حكم القانون، واستقلالية وشمول القضاء، فإن الحكومات سوف تستغلها أبشع استغلال في قمع القوى السياسية المعارضة. حصلت أمثلة كثيرة شبيهة، منها القانون الذي أصدره البرلمان السنغافوري عام 2019، تحت اسم قانون الحماية من التزييف والتلاعب الإلكتروني، المخصص لمكافحة الأخبار الزائفة عبر الإنترنت عن طريق نشر تحقيقات مفصلة أو عن طريق حجب صفحات ومواقع إلكترونية تنشر هذه الأخبار. لكن الحكومة في عام 2020 استخدمت القانون لاستهداف وحجب الوسائل الإعلامية التي انتقدت سياسة الحكومة في التعامل مع جائحة كوفيد-19.
ما العمل؟
قال المقرّر السابق لحرية الرأي والتعبير لدى الأمم المتحدة، ديفيد كاي، إن المعيار الدولي لمكافحة الأخبار الزائفة لا يتمثّل في تجريم نشر تلك الأخبار، وإنما محاربة خطاب الكراهية الذي ينطلق من أرضية تمييزية بين البشر، الذي قد يصدر من مختلف الخلفيات الاجتماعية ووصولاً إلى المسؤولين والحكّام. إضافة إلى إرشاد شركات مواقع التواصل الاجتماعي نحو الاستثمار في المزيد من الخوارزميات التي تحيّد خطاب الكراهية. إلى جانب الرسائل التي باتت تظهر للمستخدمين شيئاً فشيئاً تحذرهم من المنشورات التي تحتوي على أخبار زائفة أو مضللة.
كما أنه من المطلوب من الحكومات الانخراط أكثر في محاولة توضيح المفاهيم المغلوطة الشائعة، والشفافية في مختلف مناحي إدارة حياة العامة