` `

فرنسا ومقاضاة مواقع التواصل الاجتماعي

نور حطيط نور حطيط
أخبار
5 أبريل 2021
فرنسا ومقاضاة مواقع التواصل الاجتماعي

حاول إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الحالي منذُ تولّيه منصبه، الدفع نحو إصدار القوانين التي تضبط آلية نشر الأخبار والمعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد واجه الرئيس الفرنسي انتقادات لاذعة من جهات عديدة أبرزها صحيفة لوموند الفرنسية، إضافةً للكثير من السّياسيين والنشطاء المحليين، الذين رؤوا أنّ القوانين التي أُقرّت لمكافحة الأخبار المزيفة على مواقع التواصل، ستودي بحريّة الرأي والتعبير إلى صندوق أسود مجهول.

وفي ظلّ هذا الصراع على هويّة الجهة التي ستحدّد صحّة الخبر من عدمه، تبيّن أنّ الدخول في إشكالية، من يملك الحقيقة؟ أمر في غاية الصعوبة. 

وفي إطار قوانين مكافحة الأخبار الزائفة التي تنتشر على مواقع التواصل الإجتماعيّ،  ضجّت وسائل التواصل الفرنسية من جديد في 23 مارس/آذار الفائت، بشكوى منظّمة "مراسلون بلا حدود" ضد شركة فيسبوك، التي أجّجت السجال الحاصل حول استغلال الشركات الكبرى للأخبار الزائفة والأرباح التي تجنيها من جهة، وتعاونها مع حكومات بعض البلدان، واعتمادها سياسات محددة ودقيقة لمكافحة الأخبار المضللة من جهة أخرى.

المنظمات غير الحكومية في فرنسا

يضم المجتمع المدني في فرنسا مجموعة واسعة من المؤسسات غير الحكوميّة، التي لا تخضع لشروط ورقابة الحكومة الفرنسية، ولها استقلالها المعنوي والماديّ. ومن اللافت حقًّا في الفترة الأخيرة، دخول هذه المنظّمات في معترك الحياة الافتراضية، وسط هذا الكمّ الهائل والمتدفق من المعلومات الصحيحة منها، والمفبركة.

في 23 مارس الفائت، رفعت منظمة مراسلون بلا حدود شكوى ضد شركة فيسبوك رافعةً شعار "ممارسات تجارية خادعة". وتُعنى هذه المؤسسة بحرية الصحافة لتوثيق أهم تمفصلات الحياة الديمقراطية في مختلف دول العالم، ومقرّها الرئيس في باريس.

تتهمّ منظمة مراسلون بلا حدود شركة فيسبوك بالإخفاق في خلق بيئة آمنة، محمية من كلّ خطابٍ يحرّض على الكراهية، فضلًا عن انتشار الأخبار المضللة والمزيّفة التي تستفيد منها تلك الشركات تجاريًّا. ودعمًا لشكواها وثّقت المنظمة التحريض والتهديدات بالقتل التي تعرّض لها الصحافيون وكوادر وسائل الإعلام، كالتي تعرّض لها صحافيو شارلي إبدو أثناء افتتاح المحاكمة بعد هجمات يناير سنة 2015.

الجزء الأهم من شكوى المنظمة، ضد "فيسبوك"، والمتعلق بتداول الأخبار الزائفة على منصته، سلط الضوء على الوساطة التي لعبتها الشركة في هذا الصدد، فقد ضمّنت فيديو منشور على أنه وثائقي حمل عنوان hold Up، أدى لتزايد التوتر في المجتمعات بسبب تكريسه لنظرية المؤامرة، إذ زعم الفيلم أنه يفضح عصابة دولية تقف وراء انتشار فايروس كورونا المستجدّ، إضافةّ لزعمه أنه يكشف زيف الحكومات وخداعها، والمؤامرة العالمية التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تفعيل الرقابة على المجتمعات الإنسانية. الجدير بالذكر أنّ الفيديو لاقى رواجًا كبيرًا حينها على مواقع التواصل، وأحدث صدىً واسعًا في الأوساط المحلية والدولية. 

بدورها، قالت المنظمة غير الحكومية إنّ انتشار الفيديو على فيسبوك يشكّل "ممارسة تجارية خادعة"، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الفرنسي، بغرامة تصل إلى ١٠٪ من متوسط مبيعات فايسبوك السنوية.

واستشهدت المنظّمة بعدة تقارير ودراسات دولية تشير إلى دور "فيسبوك"، في تعزيز نظريات المؤامرة عبر تناقل المعلومات والصور، وكذلك مقاطع الفيديو ذات المحتوى الكاذب والمضلل. 

في السياق نفسه قال مشروع فيرست درافت "لمحاربة التضليل والتضليل على الإنترنت"، الذي أُسّس عام 2015، من قبل مجموعة منظمات، إنّ "فيسبوك" هو المنصة الأساسية المسؤولة عن انتشار نظريات المؤامرة حول اللقاحات في المجتمعات الناطقة بالفرنسية. 

واعتمدت أيضًا شكوى مراسلون بلا حدود على دراسة أجرتها منظمة الأونسكو، صنّفت فيها "فيسبوك" المنصة الأقل أمانًا من بين المنصات الكبيرة.

على الرّغم من المسؤولية المناطة حاليًا بشركة فيسبوك، في مكافحة الأخبار المضللة عبر سلسلة من الإجراءات والسياسات الجديدة، إضافة للخوارزميات التي تطورها، إلّا أنّ الصراع الظاهر ما بين السلطات والمجتمع المدني من جهة، والمنصات الكبرى من جهة أخرى، لا زال محل نقاش عميق ومستجد. 

والسؤال ذاته يبقى مطروحًا في كل أزمة تواجه القرية المعولمة، كيف يمكننا القضاء بشكلٍ نهائيّ على الأخبار المضللة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، في عصر تتدفق فيه المعلومات بشكلٍ غير محدود.

 

المصادر:

جريدة النهار

Lemonde

Lexpress

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة