يُشير مصطلح "القرصنة" أو "Hacking" إلى أيّ نشاط إلكتروني من شأنه الوصول إلى معلومات وبيانات مستخدمي الإنترنت، ضمن أيّ نطاق افتراضي من دون إذن دخول مباشر من المستخدمين أنفسهم.
يعتمد القراصنة مجموعة من الأساليب التي تمكنهم من الحصول على بيانات المستخدمين، وأهمّها استخدام تقنية "بوتنِت" المختصرة من "روبوت نتوورك"، والتي تعمل بهيئة برامج خبيثة تؤدي إلى الدخول إلى بيانات المستخدمين وتعطيلها بعد سرقتها، وفي أحسن الأحوال تبقيها على مهماتها مع مراقبتها الدائمة من خلال تنصيب نظام تشغيل شبيه بالنظم التقليدية، مع القدرة على التحكم بقنوات الدردشة عل الإنترنت.
وعلى مستوى آخر، يعتمد القراصنة على استخدام فيروسات تتعرف على طرائق عمل البريد الإلكتروني، تكون بهيئة رسالة إلكترونية أو ما يسمى "سبام Spam"، وهي قادرة على رصد جميع البيانات الصادرة والواردة عبر البريد الإلكتروني للمستخدمين.
أمّا الأكثر انتشارًا، فهي ما يسمّونه في علم الرقميّات "الاحتيال الإلكتروني E-phishing" إذ تجري هذه العملية من خلال تعقب المستخدمين بهدف الحصول على بياناتهم عبر انتحال هوية منصّة أو موقع موثوق، لطلب معلومات سرّية مثل كلمات المرور وأرقام الحسابات والرقم الوطني؛ بالإضافة إلى "حصان طروادة Trojan Horse" القادر على جعل الأجهزة مسرحًا لكل المتسللين وقراصنة البيانات، وأبرز أمثلته "ستورم 2007" التي اخترقت آلاف الأجهزة من خلال رابط عنوانه "230 قتيلًا في عاصفة تضرب أوروبا" ليتبيّن أنه شيفرة اختراق إلكترونية.
قرصنة بهدف صناعة الكذب
من أبرز أسباب القرصنة جمع بيانات المستخدمين واستغلالها سياسيًا وتجاريًا، كما حصل في انتخابات الولايات المتحدة الأميركيية 2016، عندما صدمت النتائج العديد من المتابعين والمحللين الإعلاميين والسياسيين، ليتبيّن لاحقًا أنّ موقع فيسبوك كان له دور كبير في نشر وترويج آلاف القصص والأخبار الكاذبة التي أثّرت على آراء الناخبين، بما يتناسب مع حاجة الحملة الانتخابية التي قادها فريق دونالد ترامب حينها.
تسرّبت من "فيسبوك" خلال الحملة بيانات ما يقارب 87 مليون مستخدم، شملت معلومات عن اهتماماتهم وتفضيلاتهم، وتنسيق إعلانات وقصص تهمّهم بعد التعرّف على حالاتهم النفسية، بالتعاون مع شركة كامبريدج أناليتيكا المختصة بجمع البيانات وتحليلها، خصوصًا استخراج معلومات تتعلق بالحملات الانتخابية.
تهدف شركات جمع البيانات، إلى خداع المستخدمين ودفعهم إلى الإدلاء ببيانتهم عبر تطبيقات تبدو حقيقية و لكنها تحمل مهمات سرية لا يمكن للمستخدمين الاطلاع عليها، ولا تصرّح عنها الشركة، أو من خلال استبيانات يملؤها المستخدمون ثم يقارنونها باهتمامات هؤلاء الأشخاص أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يراكم بيانات يتم بعد تحليلها إرسال إعلانات أو أخبار أو رسائل وهمية تتحدث عن مبادئ الديمقراطية و العدالة الاجتماعية و الحرية وغيرها، ولا تعّبر عن الواقع بأي صفة، بل تلتقي مع اهتمامات المستخدم لا غير. وعليه، فإنّ التعريف الأقرب لكيفية استغلال البيانات في هذه الحالة يتمثل في زرع معلومات تبدو حقيقية لكن مبالغ فيها لدرجة أنّها لا تتفق مع الواقع، وتسعى المؤسسات التي تحصل على البيانات إلى تضليل الجمهور، بهدف إنتاج رواية كاذبة تخدم مصالحها بشكل رئيس.
القرصنة والدعاية السياسية (البروبغندا)
يرى جاك إيلول في كتابه "الدعاية السياسية: تشكيل مواقف الأفراد" أنّ المجموعات المنظمة تستفيد من المنصّات الإعلامية في سبيل استقطاب أكبر عدد من الأفراد النشطين أو غير النشطين في المجتمع؛ من أجل الترويج لمجموعة أفكار، صحيحة أو مزيّفة. تُدار جماعات الأفراد هذه من خلال أدوات ومجموعة معلومات دعائية الغرض منها التسييس والتحريض والتضليل. من المهم جدًا القول إنّ هناك علاقة وثيقة بين الثلاثي المكون من: قرصنة البيانات والبروبغندا وصناعة الأخبار الكاذبة، لا سيّما وأنّ الأخيرة تخدم البروبغندا بناء على أدوات تحليل البيانات المقرصنة.
تأتي العلاقة بين ذلك الثالوث من اعتماد البروبغندا على ثلاثة أنماط لصناعة الأخبار الكاذبة والتضليل الإعلامي، وهي الدعائية والانحياز والمؤامرة، في سبيل تشكيل الرأي العام باعتماد البعد العاطفي والنفسي، والتي تشكل مجتمعةً نسقَ علاقات قوّة أثره أكبر من أثر أي نمط آخر من أنماط الأخبار الكاذبة.
اتُّهمت روسيا باستخدام أسلوب الخبار الكاذبة الدعائية في التشويش على الانتخابات الأوكرانية، في ظل التوتر الحاصل بين البلدين، في سبيل التأثير على حملة المرشح بروروشنكو لصالح الرئيس الحالي زيلينسكي. وذلك باستخدام قواعد بيانات ضخمة ضخمة وبالاعتماد على جيش إلكتروني قادر على شنّ هجمات الكترونية على أجهزة أي دولة أو أي مؤسسة سياسية وأمنية وإعلامية عالمية، وتشمل تلك الهجمات الحرمان من الخدمة والقرصنة وتسريب البيانات ونشر المعلومات المضللة الدعائية ومراقبة الشبكات التابعة لهذه المؤسسات.
بعد جمع البيانات يتمّ فرز وتحليل البيانات وإنشاء سلاسل أشخاص وبيانات يوصل العنصر منها إلى الآخر من دون الحاجة إلى اختراق حسابه بشكل مفرد. وتتكون منظومة القراصنة، والمؤهلين للقرصنة بغرض الدعاية، من وحدتين أساسيتين هما وحدة المعلومات الفنية ووحدة المعلومات النفسيّة.
قرصنة بيانات المشاهير
تشكّل المعلومات الشخصية الخاصة بالمشاهير مادة دسمة للتداول في المنصات بين المستخدمين، ولصنع الأخبار الكاذبة والمضللة في الوقت الذي تلهث المؤسسات الإعلامية وراء الدعاية والسبق الصحفي وغيره.
يمكن اختراق حسابات المشاهير بالطريقة نفسها التي يتمّ فيها احتراق حسابات المستخدمين العاديين، سواء أكان الحساب محميًا أم لا. يُطلق على القراصنة المختصين باختراق حسابات المشاهير لقب "بابراتزي Paparazzi"، ويعملون على قرصنة البيانات الشخصية للمشاهير بغية ابتزاز هذه الشخصيات للحصول على مبالغ طائلة وتعويضات، أو قرصنتها بغرض تشويه سمعة هذه الشخصيات ونشر بياناتهم للعامّة وجعلهم محط سخرية وسائل الإعلان.
كانت عملية تسريب بيانات مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك وكريس هيوز وداستن موسكوفيتز، المؤسسين الشركاء في "فيسبوك"، في نيسان/أبريل الجاري آخر هذه العمليات؛ والتي تمكّن فيها مجموعة قراصنة من اختراق منصة فيسبوك وتسريب بيانات ما يقارب 533 مليون مستخدم من 1206 دول. لم تكن هذه المرّة الأولى التي يتعرض فيها مارك زوكربيرغ للقرصنة وتسريب بياناته، إذ تعرض لمشكلة أكبر عام 2012، عندما اخترق فريق "أوَر ماين OurMine Team" حسابه بعد أن حصلوا على كلمة مرور خاصة به من حسابه على موقع لينكدإن، ليتبيّن أنّه يستخدم ذات الكلمة في جميع حساباته.
تسريب بينات المشاهير يجعلها متاحة لأي شخص، وعلى نطاق واسع، كما يشير إلى ضعف البنية التحتية التقنية الخاصة بالمنصّات الإلكترونية الأكثر عرضة للاختراق، وهي مواقع التواصل الاجتماعي.
ما حصل مع سيلينا غوميز عام 2017 لم يكن موضوع بيانات، بل كان اختراق حسابها على "انستغرام"، إذ نشر القراصنة صورًا لها وهي عارية مع صديقها جاستن بيبر، بعد أن اخترقوا جهازها الخاص وحصلوا على الصور، ونشروها على حسابها الذي كان يتابعه حينها 125 مليون مستخدم؛ لتنطلق بعدها الشائعات والأخبار المضللة حول طبيعة علاقتها بجاستن بيبر.
المصادر والمراجع
العربية:
- انتخابات الرئاسة الأوكرانية: رهانات روسية على خسارة بوروشنكو، رامي القيلوبي. العربي الجديد، 2019. تم الدخول في 9/4/2021 من خلال https://cutt.us/Oeusa
- البرمجيات الخبيثة وأساليب القرصنة، الجزيرة، 2015، تم الدخول في 4/4/2021 من خلال https://cutt.us/vWOGO
- نموذج التواصل السياسي ل "كامبريدج اناليتيكا": فبركة الخبار و هندسة الجمهور، نواف التميمي. الجزيرة، 2018. تم الدخول في 9/4/2021 من خلال https://cutt.us/fDXT1
الأجنبية:
- Allcott, H., & Gentzkow, M. (2017). Social media and fake news in the 2016 election. Journal of economic perspectives, 31(2), 211-36.
- Berghel, Hal. "Oh, what a tangled web: Russian hacking, fake news, and the 2016 US presidential election." computer 50.9 (2017): 87-91.
- Din, M. F. (2015). Breaching and entering when data scraping should be a federal computer hacking crime. Brook. L. Rev., 81, 405.
- No one is safe from hyper attacks. Open data security, 2018. Retrieved from https://cutt.us/RkGmD
- Posetti, J., & Matthews, A. (2018). A short guide to the history of ‘fake news’ and disinformation. International Center for Journalists, 7, 2018-07.
- Reilly, Ian. "F for Fake: Propaganda! Hoaxing! Hacking! Partisanship! and Activism! in the fake news ecology." The Journal of American Culture 41.2 (2018): 139-152.