خلال السنوات القليلة الفائتة، سنّت العديد من الدول العربية قوانين للحدّ من انتشار الأخبار الزائفة، جرّمت مروِّجي الأخبار الزائفة وقضت بسجنهم وبتسليط عقوبات عليهم، في الوقت ذاته، يخشى الصحافيون والإعلاميون اتّخاذ مكافحة الأخبار الزائفة غطاءً للحدِّ من حريّة الرأي والتعبير، إذ ثمّة سلطات تستغل الحدّ من انتشار الأخبار الزائفة للتضيق على الصحافيين والحريات.
ففي فلسطين على سبيل المثال، في شهر يونيو/حزيران 2017 أصدر الرئيس محمود عباس القانون رقم (16) لعام 2017 بشأن الجرائم الإلكترونية، دون مرور القانون على المجلس التشريعي، ومناقشته مع مؤسسات المجتمع المحلي والمعنيين فيه من صحفيين وكتّاب وعاملين في المجال. فمنذ عام 2009 انتهت المدة الدستورية لرئاسة محمود عباس، وكذلك المجلس التشريعي، ولأنّ القرارات والقوانين الدستورية يجب أن تمر بموافقة الأخير ومن خلال إجراءات قانونية متعارف عليها، أصبح عباس يستعيض عن وجود المجلس بإصدار قوانين بقرارات، مستندًا إلى المادة 43 من القانون الأساسي الفلسطيني، التي تنصّ على أنّه في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير وفي غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، يجوز للرئيس إصدار قرارات تكون لها قوة القانون، على أن تعرض على المجلس التشريعي في أول جلسة ينعقد فيها.
في الأصل القانوني، يجب على النصوص الجنائية أن تكون واضحة وضوحًا تامًا، بحيث لا يبقى على الأجهزة الأمنية والقضائية إلا التحقق من وقوع الجناية. أما في بنود القانون البالغة 61 بندًا، فقد وردت مصطلحات مثل "الآداب العامة"، "سلامة الدولة"، "النعرات العنصرية"، "الأمن القومي"، "السلم الأهلي"، "النظام العام"، "سلامة المجتمع وأمنه"، "الإضرار بالوحدة الوطنية"، دون أيّ توضيح أو تحديد لما تعنيه، ولا الحالات التي تنطبق عليها العقوبات. وفي هذه الحالة، ستتحول هذه الأجهزة القضائية والتنفيذية إلى أجهزة تأويل وتفسير، ما يترك هامشًا كبيرًا للعاملين فيها للانتقاء بناء على المصالح السياسية والشخصية، كما يفتح مجال النزوات الشخصية والأهواء، وبالتالي تقويض حرية الرأي والتعبير.
وجاء في توصية الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، تعقيبًا على القانون "بناءً على ما تقدم من ملاحظات وغيرها قد ترد في المستقبل على القرار بقانون رقم (16) لسنة 2017 بشأن الجرائم الإلكترونية ومذكرته الإيضاحية، والتي تبين من خلالهما خطر الأحكام التي يتضمنها على حقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية، وفي ظل استمرار غياب المجلس التشريعي، جهة الاختصاص الأصيلة في التشريع، وبناءً على عدم وجود قواعد لمساءلة ومحاسبة السلطات الرسمية عن تجاوزها لاختصاصاتها المنصوص عليها في القرار بقانون، وبناءً على ما كشفه التطبيق العملي لمثل هذا القانون في العديد من الدول العربية، فإنّ الهيئة تطالب بالوقف الفوري لتطبيق هذا القانون، وإعادة نقاشه مع الجهات ذات العلاقة، وعلى رأسها المنظمات الحقوقية، ومؤسسات المجتمع المدني، والشركات مزودة خدمات الإنترنت والاتصالات، للتوصل إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات يتوافق مع القانون الأساسي المعدل والمعايير الدولية لحقوق الإنسان".
وفي قطاع غزّة، نصّت المادة 62 على العقوبة بالسجن ثلاث سنوات لكل "من نشر أو ردد قولًا أو إشاعة أو خبرًا من شأنه أن يسبب خوفاً أو رعباً للناس، أو أن يكدر صفو الطمأنينة العامة، وهو عالم أو لديه ما يحمله على الاعتقاد بأن ذلك القول أو الإشاعة أو الخبر عار عن الصحة"، وهي المادة التي تتشابه مع المادة 188 من القانون المصري التي تعاقب بالسجن أيضًأ كل من نشر -عن قصد أو عن غير قصد- "أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة".
مكافحة الأخبار الزائفة هي عمل موكول في جزء كبير منه للصحافيين الذين يقومون بدور رئيسي في تنقية المشهد كاملًا من الأخبار الزائفة وتحري ما ينشر في وسائل الإعلام، وعليه لا يجب أن يتم اتخاذ هذه الظاهرة مدخلًا أو ذريعة لسنّ قوانين تحد من حرية الرأي والتعبير.
المصادر: