انتشرت مؤخرًا ادعاءات بانسحاب قوات حفظ السلام الدولية من جزيرتي تيران وصنافير، لتبدأ البحرية المصرية تَسلّم الجزيرتين وفقًا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
تتجدد هذه الادعاءات بعد أن ظهرت أول مرة في 16 إبريل/نيسان 2016، حين نشرت صحيفة الفجر المصرية خبرًا يدعي أن قوات حفظ السلام الدولية انسحبت من جزيرتي تيران وصنافير. لكن في نفس اليوم، نشرت صحيفة الوطن المصرية نفيًا لهذا الادعاء على لسان مصدر أمني لم تُسمّه.
ثم في أكتوبر/تشرين الأول 2017 نشرت صحيفة العربي الجديد تقريرًا نقلت فيه عن مصادر لم تسمّها في محافظة جنوب سيناء، قولها إن قوات حفظ السلام الدولية انسحبت من تيران في سرية تامة ودون الإعلان عن ذلك.
وفي فبراير/شباط 2018 نشر موقع مدى مصر تقريرًا نقل فيه عن مصدر دبلوماسي غربي لم يُسمّه، قوله إن الجزيرة لم تعد واقعة ضمن الأراضي الخاضعة لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وأن القوات السعودية تسلمت الجزيرة من القوات المصرية.
لكن أيًّا من المصادر الرسمية في مصر أو السعودية، أو من قوات حفظ السلام الدولية في سيناء، لم يُعلن انسحاب القوات الدولية، فضلًا عن تسلم البحرية المصرية للجزيرتين.
هل توجد قوات دولية في كلتا الجزيرتين؟
من الشائع وقوع خلط بين قوات حفظ السلام الدولية في سيناء وبين قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، رغم أنهما في الواقع شيئان مختلفان.
بعد توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، طالبت أطراف المعاهدة (مصر، إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية) الأمم المتحدة بتوفير قوة ومراقبين للإشراف على تنفيذ المعاهدة. لكن مجلس الأمن الدولي أعلن في مايو/أيّار 1981 أن الأمم المتحدة لن تكون قادرة على توفير القوات، ما دفع أطراف المعاهدة إلى الاتفاق، في أغسطس/آب من نفس العام، على إنشاء قوة متعددة الجنسيات بعيدًا عن الأمم المتحدة، تحت اسم القوة متعددة الجنسيات والمراقبين (MFO)، ويشار إليها أيضًا بقوات حفظ السلام الدولية.
بدأت القوة متعددة الجنسيات والمراقبون في الانتشار في شبه جزيرة سيناء وفقًا للتقسيم الذي تضمّنته معاهدة السلام. وقَسّمت المعاهدة سيناء إلى أربع مناطق: "أ" و"ب" و"ج" و"د". يتركز معظم وجود قوات حفظ السلام الدولية في المنطقة "ج" المتاخمة للحدود بين مصر وإسرائيل، وتشرف هذه المنطقة أيضًا على مضيق تيران، حيث من مهام القوات الدولية ضمان حرية الملاحة في المضيق المؤدي إلى خليج العقبة، منفذ إسرائيل الوحيد على البحر الأحمر.
من الجهة الأخرى تشرف جزيرة تيران على المضيق، لذا تواجدت نقطة مراقبة تابعة لقوات حفظ السلام الدولية تحت اسم "OP 3-11"، تقع غرب الجزيرة، على بعد حوالي ثمانية كيلومترات من شاطئ الجزيرة.
في المقابل، لا تلعب جزيرة صنافير أي دور في معاهدة السلام، ولا توجد على خريطة مهام قوات حفظ السلام الدولية، وعليه فإن الادعاء بانسحاب القوات الدولية من الجزيرتين غير دقيق.
هل انسحبت قوات حفظ السلام الدولي من تيران؟
المؤكد أن القوة متعددة الجنسيات لم تنسحب من مضيق تيران، بينما من المشكوك فيه انسحابها من جزيرة تيران، أي إيقاف عمل نقطة المراقبة المتواجدة على أرض الجزيرة، إذ لا يوجد ما يثبت الانسحاب، في حين لم تنفِ أي جهة رسمية ادعاءات الانسحاب.
ولم يرد على الموقع الرسمي للقوة متعددة الجنسيات والمراقبين أي ذكرٍ لانسحاب القوة من جزيرة تيران، فيما يؤكد الموقع استمرار عمل القوة على مهمة ضمان حرية الملاحة في مضيق تيران عبر وحدة CUP.
ومن بين 19 نقطة مراقبة تابعة للقوة متعددة الجنسيات، يعرض الموقع صورًا لعناصر من القوة في جزيرة تيران.
وتظهر أحدث صورٍ التقطتها الأقمار الصناعية في 2021، وجود نقطة المراقبة وملحقاتها بما في ذلك منطقة الإنزال ومسار التدريب البدني.
الادعاءات المتداولة حديثًا بشأن انسحاب القوات الدولية جاءت مرتبطةً بادعاء آخر وهو تسلم البحرية المصرية للجزيرتين بحسب المعاهدة المتفق عليها بين مصر والسعودية، تقصد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين. لكن نص الاتفاقية المنشور في الجريدة الرسمية المصرية بتاريخ 17 أغسطس/آب 2017 بمرفقاته، لا يتضمن أي إشارة إلى انسحاب قوات حفظ السلام الدولية وتسلم البحرية المصرية للجزيرتين.
بل أُرفق نص الاتفاقية في الجريدة الرسمية بخطاب رسمي مُؤرخ بمايو 2016، من وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، يؤكد تعهد السعودية بالالتزام بالترتيبات القائمة فيما يخص مضيق تيران وجزيرتي تيران وصنافير.
كما أن مجلس الوزراء المصري، أصدر في يونيو/حزيران 2017، تقريرًا أرسله إلى مجلس النواب المصري، جاء فيه أن اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية، تنقل السيادة على الجزيرتين للسعودية لكنها لا تنهي مبررات وضرورات حماية مصر لها.
وقال التقرير إن السعودية تفهمت ضرورة بقاء الإدارة المصرية لحماية الجزيرتين وحماية مدخل خليج العقبة، وأن نقل سيادة الجزيرتين للسعودية، لا يمنع مصر من ممارسة حق الإدارة عليهما.
تبقى إذًا مسألة انسحاب القوة متعددة الجنسيات والمراقبون المعروفة بقوات حفظ السلامة الدولية، من جزيرة تيران، أمرًا مشكوكًا فيه، إذ لا تؤكده أيّ دلائل سوى مصادر مُجهّلة اعتمدت عليها بعض التقارير الصحفية.
المصادر:
Multinational Force & Observers