"البيانات المستمدة من منصة التّسويق المؤثرة Muse find تُبين أن 92% من المستهلكين يثقون في المؤثرين أكثر من الإعلان أو من المشاهير التقليديين".
-مجلة فوربس ورد
أسهمت التّكنولوجيا في الوقت الحالي في تطوير بعض المفاهيم التقليدية لتُمسي حديثة مواكبةً لسرعة هذا العصر وتغيّراته. فمفهوم "قائد الرأي" وهويته المرتبطة بالإبداع وخلق الأفكار، وسماته التي تُوصف بالحيوية وحسن الخطاب واللغة السليمة في التّواصل التّفاعلي، أصبح اليوم يعتمد على المعايير الرقمية من حيث عدد المتابعين. فكلّ فرد، يملك عدد لا بأس به من الجماهير ويتمتّع بقدرة عالية على النشر وترويج الأفكار مهما كانت صحّتها، يتربّع على عرش القادة، "قادة الرأي على الشبكة العنكبوتية".
ونلاحظ في الآونة الأخيرة، تزايد الاهتمام في هذه الظّاهرة من قِبَل علماء الاجتماع وعلوم الاتصال والإعلام، وأصبحت مثار اهتمام شركات التكنولوجيا التي لا تتوانى عن دعم هذه الظاهرة، أي دعم قادة الرأي الجدد لما يقدمونه من فوائد تعود إليها.
وإذا كانت حوكمة الإنترنت Internet governance، تتيح الفرصة أمام المشاهير لتوليد شكل جديد لقيادة الرأي العام، فإنَّ شركات التواصل الاجتماعي تجني أرباحًا طائلة منهم-أي المشاهير، ويأتي التساؤل هنا عن دور هذه المنصات في محاصرة المعلومات المضللة التي تصدُر عن الشخصيات المؤثرة والمشهورة، خصوصًا وأنها قد تضرّ بمصالح الشّركات ماديًّا.
المؤثرون الجدد:
ينصرف المؤثرون الجدد الذين عُرفوا بقادة الرأي العام، لما لهم من تأثير كبير على المجتمع الإلكتروني، والذي بدوره أصبح جزءًا لا يتجزأ من الواقع والكتلة المجتمعية، إلى التركيز على الظاهر فيما يخصّ عدد المتابعين والأفراد المتفاعلين، والتركيز كذلك على مضمون ما تحمله رسالتهم، سواء أكانت هذه الرسالة سياسية أو إجتماعية أو تسويقية. وإذا أردنا تعريف صريح وواضح لصاحب الرأي المؤثر المشار إليه أعلاه، فأنّه ببساطة الفرد الذي يمتلك القدرات العالية والهائلة، في جذب مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعيّ، لخلق حالة تفاعلية وإجراء محادثات بالغة الفصاحة أحيانًا، وأحيانًا أخرى عادية تفي بإحداث جدلًا واسعًا بين الأفراد.
تتميز شخصية المؤثر بقدرته العالية على المواربة، والتميزّ بالذكاء والقدرة على البقاء مطوّلًا أمام شاشة الحاسوب لموافاة المتابعين بكلّ جديد ينتقيه من فضاء الإنترنت، ليتسنى له تمرير رسالته السياسية إذا كان ذو شأن أو نفوذ سياسي، أو خطابه الاجتماعي إذا كان ذو تأثير اجتماعي، ويثير قضايا مثل الأخطار البيئية ومخاطر التلوث واللامبالاة التي نتجت عن دول العالم الصناعي، أو ببساطة ليمرر مواضيعه الغريبة إذا كان هاويًا وله القدرة على جذب الجمهور. وأخيرًا يمكن أن يكون نجمًا مؤثرًا من نجوم هوليوود الذين أصبحنا نراهم كثيرًا خارج أعمالهم السينمائية والتلفزيونية، يشتغلون في الدعايات المروجة لخطط الشّركات الرأسمالية الضخمة.
وللتأشير على دور المؤثرين الجدد الذي بدأ بالتزايد مع ارتفاع عدد مستخدمي الحسابات الاجتماعية- الذي بلغ حوالي 2.6 بليون مستخدم، ومستخدمي الهواتف الذي بلغ حوالي 1.9 بليون مستخدم، لا بدّ من تسليط الضوء على ما يقوم به قادة الرأي في التأثير الواضح على عقول المشاهدين والمعجبين المتابعين لصفحاتهم، وعلى جني الأرباح لأنفسهم ولشركات التواصل العملاقة، التي تستخدمهم بدورها كأدوات نفعية، عبر إتاحة الفرص الكبيرة والتسهيلات لعرض محتواهم، بغض النّظر عن جوهره ومضمونه.
ونظرًا للتّأثير الكبير الذي يقوم به هؤلاء، أي المؤثرون الجدد، على العامّة من الجمهور، توسّع دورهم ليصبح واجهة مربحة لشركات العلاقات العامّة، ومادة دسمة للشركات الإعلانية التي تسعى لترويج بضائعها وأشيائها للحصول على النتيجة المرجوة على الشبكة العنكبوتية، مهما كانت هذه الدعاية مبالغ فيها أو خادعة أو ربما مضللة، ما حذا بالمهتمين لدراسة المخاطر التي يمكن أن تصيب الناس من ذوي الصفحات المشهورة وكيفية تعامل شركات التواصل الاجتماعي الضخمة مع المشاهير.
ترامب نموذجًا
أثناء التحضير للانتخابات الرّئاسية ما قبل الأخيرة للولايات المتحدة الأميركية، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا يعود إلى الكاتب غريغ بينسنغر، أوضح فيه" أن حسابات المشاهير تحظى بمعاملة خاصة مقارنة بحسابات العاديين، والأمر هنا يتعلق بالمال،" فمثل المحتوى المثير للريبة الذي نشره الرئيس الأميركي المنتخب آنذاك، دونالد ترامب، حظي بالكثير من المتابعة والمشاركات، مما أدى إلى زيادة الإعلانات والأرباح لدى شركات التواصل العملاقة.
ترامب الذي عُرف برئيس الأخبار الزائفة، لم يتمْ ردعه من قِبل شركات التواصل الاجتماعيّ إلّا عندما تسبب في تهديد الأمن القومي الأميركي في الحادثة الشهيرة، وهي حادثة اقتحام مناصريه للكونغرس بعد أن نشرَ على حسابه الأكاذيب التي تتعلق بشكّه حول نزاهة الانتخابات التي صارت، وخسر فيها.
تأتي هذه الحادثة إذًا لتثير التساؤل حول جدّية تعامل شركات مثل فيسبوك وتويتر مع المشاهير فيما يتعلق بما ينشرونه من مواد قد تتضمن أخبارًا مضللة ومعلومات زائفة، أو خطابات تثير الفتن والكراهية داخل المجتمع الواحد.
أمّا عن تبرير بعض شركات التواصل الاجتماعي مثل شركة فيسبوك، لمؤثرين آخرين سياسيين، يمتلكون قدر كافٍ من المساحة ومن المتابعين لقول أي شيء -مثل المستشار السابق للبيت الأبيض ستيف بانون، الذي دعا مرّةً لقطع رأس الدكتور أنتوني فاوتشي ومدير مكتب التحقيقات الفدرالي كريستوفر راي، ورفع رأسيهما خارج البيت الأبيض- فقد كان غير مقنع ومناقض لمبدأ الشركة التي تروّج له.
وبررت الشركة وقتذاك بأن دعوته تلك "ليست كافية لإيقاف حسابه"، عكس ما فعلته شركة تويتر مثلًا التي حظرت حسابه بشكلٍ نهائي لما سبّبه من تمجيد للعنف بحسب رأيها.
وفي خضم هذا العرض القصير، يلح علينا سؤال مفاده أنه وإذا كانت الشركات جميعها تمتلك المعايير ذاتها لمحاربة الخطاب العنفي والأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، فلماذا لم تعطل "فيسبوك" حسابات المستشار الأميركي، أو حسابات أولئك الذّين لا يزالون يمارسون وينشرون التضليل أمام جمهورهم فيما يخصّ قضايا حساسة، مثل قضية حيّ الشيخ الجرّاح وغيرها؟
مع العلم أنَّ "فيسبوك "و"إنستغرام" وشركات أخرى عطلت حسابات مشاهير وقادة رأي بما يتناسب وسياساتها المتماشية مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي بحجة "معاداة السامية"، وهي بذلك ضربت بعرض الحائط المعايير التي تنادي بها، لتظهر ازدواجية في التعامل مع المستخدمين الناشطين والمؤثرين ولتصرح لاحقًا لمستخدميها عبر بيان لها أنّ ما جرى كان بسبب أخطاء تقنية، عقب الحملة المضادة التي أدت لانخفاض تقييمها في متاجر التطبيقات وتضرر مصالحها المالية والاقتصادية القائمة بالأساس على عدد المتابعين والمستخدمين.
المصادر