تراجع الحزب الحاكم في كوريا الجنوبية عن مشروع قانون أثار الجدل كان مُقرّرًا أن يفرض عقوبات أشد على نشر المعلومات الزائفة، بعد أن انتُقد داخل البلاد وخارجها بوصفه خطوة لخنق الصحافة الحرة والتغطية الإخباريّة ذات الطابع النقدي.
وعوضًا عن طرح مشروع القانون “للتصويت هذا الأسبوع، وافق الحزب الديمقراطي الليبرالي بزعامة الرئيس مون جاي إن، في وقت متأخر من يوم الأربعاء 29 سبتمبر/أيلول الجاري، على تشكيل لجنة مشتركة مع نواب المعارضة لدراسة الخيارات حول كيفية تعديل التشريعات الحالية”.
وسوف تبحث المراجعة مع المعارضة أيضًا كيفية التعامل مع انتشار المعلومات الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل “فيسبوك” و"يوتيوب"، التي يغطيها قانون منفصل.
وبموجب التعديل المُقترح على قانون التحكيم وسبل الانتصاف من الضرر الناجم عن التقارير الصحفية، الذي دفع الحزب الحاكم إلى إقراره، كان مطلوبًا من المؤسسات الإخبارية أن تُصدر تصحيحات فورية في حال نشر تقارير إخباريّة زائفة بصورة متعمدة أو بسبب إهمال فادح. كما دعا القانون إلى مضاعفة العقوبة المادّيّة خمسة أضعاف ما تطلبه المحاكم الآن، في حال مُصادقتها على زيف المواد المنشورة.
كما يطالب مشروع القانون وسائل الإعلام، بما في ذلك مزودي الأخبار على الإنترنت، بإصدار تصحيحات على التقارير غير الدقيقة.
وقال الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس مون جاي إن، إن مشروع القانون يهدف إلى ضمان تحمل وسائل الإعلام مسؤولية أكبر عن الضرر الناجم عن التقارير المُجانبة للصّحّة، والعمل على تحسين جودة الأخبار لكسب ثقة الجمهور.
لكن رأي المعارضين السياسيين ونشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الإعلامية ذات الميول المحافظة والليبرالية كان مختلفًا، إذ قالوا إن التعديلات تهدف لحماية من هم في السلطة من التدقيق المشروع، الأمر الذي سيضر بالديمقراطية.
وقال يون هو جونج، قائد الديمقراطيّين في البرلمان الكوري، إن الحزب لم يتخل عن سعيه لإقرار تعويضات تأديبيّة، لكنه يعمل على جمع طيفٍ من الآراء، بما في ذلك آراء وسائل الإعلام والتّجمّعات المدنية والخبراء.
ورحب تحالف من الصحفيين وجمعيات مختصّة في إنتاج الأخبار بالقرار، إلّا أنّ رأيهم استقرّ على ضرورة أن تشمل لجنة المُراجعة على مراسلين صحفيّين وباحثين ونشطاء ومُختصّين بالشّؤون القانونيّة لتشكيل إجماعٍ أكثر تماسكًا.
أخذت الحكومات والشركات في جميع أنحاء العالم تُكافح بشكل متزايد انتشار المعلومات الزائفة عبر الإنترنت وتأثيرها، لكنّ ذلك يُضاعف من خشية الناشطين من إساءة استخدام العقوبات القانونية القاسية لإسكات الأصوات المُعارضة.
وقد شن تحالف من الجماعات الحقوقية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش، حملة عالمية لإحباط التعديل القانوني، وقام كذلك بإرسال رسائل إلى الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية والرئيس الكوري، للتعبير عن مخاوف بشأن حرية الإعلام.
وقال إيثان هي سيوك شين، المحلل القانوني لمجموعة عمل "العدالة الانتقالية" التي تتّخذ من سيول مقرًّا لها، وتُشكّل جزءًا من التحالف "يبدو أن الحزب الحاكم قد قبل مخاوف المجتمع الدولي. وهذا يبعث على الارتياح".
ولم يقدم مكتب الرئيس الكوري تعليقًا فوريًا، لكنه قال الأسبوع الفائت إن المراجعات ضرورية لتعكس المخاوف المختلفة التي أُثيرت بشأن مشروع القانون.
كما أشارت إيرين خان، المقررة الخاصة بقضايا حرية الرأي والتعبير في الأمم المتحدة، إلى الصياغة الغامضة للقانون الحالي والعقوبة غير المتناسبة مع الجُرم، والتي قالت إنه ليس بإمكانها أن تقوض حرية وسائل الإعلام وحسب، بل المكانة الوطنية لكوريا الجنوبية كذلك، وأضافت بأنّ القانون سوف يرسل رسالة سلبية لكلّ من يتطلّع إلى كوريا كنموذج يُحتذى به في جميع أنحاء العالم.
كما حذرت ماري لولور، المقررة الخاصّة بالمدافعين عن حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، من التأثير المخيف الذي قد يُشكّله مشروع القانون على الدفاع عن حقوق الإنسان.
وأظهر استطلاع أجرته شركة الاستشارات WinGKorea Consulting في أغسطس/آب الفائت، مدى انقسام المشاعر العامة، حيث أيّد حوالي 46٪ مشروع القانون، بينما رأى ما يقارب من 42٪ إنه سيقمع حرية الصحافة.
وتعد كوريا الجنوبية موطنًا لصناعة إخبارية مزدهرة، إذ تحتل مرتبة عالية نوعًا ما ضمن قوائم حرية وسائل الإعلام، لكنها عانت في السنوات الأخيرة من انتشار المعلومات المضللة والتّنمّر عبر الإنترنت.
ويُشار إلى أنّ كوريا الجنوبيّة تحتل المرتبة 42 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2021 الذي جمعه مراسلون بلا حدود.
المصادر: