` `

الكراهية والزيف.. أدوات الربح السريع في سوق الإعلام الجديد

نور حطيط نور حطيط
أخبار
4 نوفمبر 2021
الكراهية والزيف.. أدوات الربح السريع في سوق الإعلام الجديد
تخطت بعض وسائل الإعلام أخلاقيات المهنة لهدف الربح بغض النظر عن المحتوى (Getty)

الأفكار الواردة في هذا المقال لا تعكس آراء مسبار بالضرورة.

 

في كتاب "العنف الرمزي"، يفصلّ الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو العنف انطلاقًا من البديهيات والمسلمات التي يؤمن بها الأفراد، باعتبار الفرد جزء لا يتجزأ من مجتمعه وما يفرضه عليه من أفكار.

يقول بورديو إن "كل أشكال الإقناع الصامت والسريّ هي التي تتم بكل بساطة بفعل النظام العادي للأشياء"، يعني ذلك أنه من السهل تقبل الفرد للمعتقدات المجتمعية والآراء التي يمكن أن يستمدها من محيطه الواقعي أو الافتراضي، ودون تلقين.

وبسبب التجانس الصريح والمباشر بين البنيات الموضوعية والذهنية، يقع الفرد ضحية السّيطرة والإنكار التامّ في التعرف على العنف المُمارس، وعدم الاعتراف به كعنف من الأساس، رغم خطورته.

هل هو سحر العنف الرمزي؟ 

وفقًا لبورديو الإجابة هي: نعم. والعنف الذي يُمارس بموافقة المتلقِّي والمراقب والخاضِع للسلطات، هو عنف أكثر خطورة من العنف الماديّ والجسديّ، والإشارة التي لفت لها الفيلسوف الفرنسي تفسر كون هذا العنف خطيرًا، فضلًا عن لا مرئيته وبساطته واعتماده على السهولة والانسياب بحيث يوقع الفرد ضحيةً له دون علمٍ منه، ودون ملاحظة ذلك الفرد أنه قد افترس أفكارَه المضللة. 

اعتراف الأفراد بعاديّة هذا الفعل، أي العنف الرمزي الممارس عليهم، يدفع للتساؤل عن المبادئ الأخلاقية للوسائل الإعلامية، ودورها في إثارة الجدل حول موضوع بعينه لأسباب غير مهنية، مثل الربح أو تلميع صورة أشخاص محددين وإن كانوا يمثلون خطورة على المجتمع بسبب خطاباتهم التي تتسم بالكراهية والعنف.

يقود ذلك إلى سؤال آخر: هل ما يزال الإعلام يبحث عن الحقيقة، أم أنه يبحث عن الجمهور؟ خاصة وأن بعض وسائل الإعلام تخطت أخلاقيات المهنة لهدف الربح، بغض النظر عن العنف الذي سيواجهه المتلقي.

في كتابه عن السّلطة الفكرية في فرنسا، يؤكدّ الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه، أنَّ وسائل الإعلام تتجه نحو الشخصي لا نحو الجماعي، نحو الأحاسيس لا العقل، نحو الفرديّ لا الكونيّ، وأنَّ هذه الخصائص الثلاثة الملازمة لأركان الإعلام الجديد، والتي هي في الواقع واحدة؛ ستحدد طبيعة الخطاب المسيطر و"بروفايل" حامِله. 

هناك إذًا مخاطر جديدة أحاطت بالمجتمع، تصب في المنحى الأخلاقيّ. على سبيل المثال، تتّبع بعض وسائل الإعلام منهجًا يُركّز على خلق قضايا مزيفة أو تضخيم وقائع وأحداث حقيقية، ما قد يستدعي التساؤل، خاصة أن الإفراط "الأخلاقي" قد يخلق جدلًا حول حقيقة وصحة ما يُتداول، وحول ما إذا كانت النخب الإعلامية التي تستدعيها القنوات الإعلامية في نشراتها وحلقاتها تهدف فقط إلى خلق سوق لها بعيدًا عن المآلات التي يمكن أن تنتج عنها.

عن كارولين فوريست

في كتاب "المثقفون المزيفون"، نشر المحلل الاستراتيجي باسكال بونيفاس مقطعًا للكاتبة الصّحفية كارولين فوريست من مقال لها بعنوان "حرب على جزيرة العرب" نُشر في صحيفة ذا وول ستريت جورنال في الثاني من فبراير/شباط 2005، وعلق عليه قائلًا إنها "أعربت عن تخوّفها من عجز المهاجرين العرب عن الاندماج، لأن في ذلك، بحسب رأيها، تهديد للديمقراطيات الغربية، كون المهاجرين عندما لا يندمجون، ربما تغويهم مسألة الانضمام إلى خلايا إرهابية. وتخصّ الصحافة الأجنبية بهذا الطعن، لأن كارولين تريد الإيحاء بأنَّ الصحافة في فرنسا تحارب كل أشكال التطرف. ولكن باعتماد منهج يربط الروح القتالية بالإسلام مقابل جعل الوداعة حكرًا على الآخرين".

لا يكفي في النصّ الصحفي أن يعرض على المتلقي كنص فقط، إذ على النص الصحفي أن يُوجّه بالبوصلة الأخلاقية، فعلى سبيل المثال ما كتبته كارولين من اصطفاف لكلماتٍ، يمكن أن يُنتج مسارًا متخفيًا بدايةً وظاهرًا أخيرًا، من العنف والكراهية. ووفقًا لهذا القالب الكلامي، يقع جميع المسلمين المهاجرين ضحية مثل هذا الخطاب، فيُنظر إليهم لا فقط كعديمي الفائدة، بل كإرهابيين أيضًا.

حوّل هذا التصنيف الاجتماعي الذي تكرس له نصوص صحفية وإعلامية، حوّل الكثير من المهاجرين إلى أعداء.

الكراهية والزيف.. أدوات الربح السريع

"هل ما يزال الإعلام يبحث عن الحقيقة أم عن الجمهور؟"، يهدف هذا السؤال بشكل أساسي إلى الاعتراف بأن العالم يتجه نحو الاستهلاك المفرط، ما يؤدي إلى أنماط الأخلاق السائلة.

أثّرت هذه النزعة الاستهلاكية المفرطة على نمط إنتاج الأخبار من قبل الوسائل الإعلامية الرقمية والتقليدية على السواء، فتستهدف وسائل إعلامية تحقيق أعلى نسب مشاهدة بغرض الحصول على العائد المالي الضخم، وذلك عبر تسييل المواد المثيرة للريبة بما قد تتسم به من كراهية وعنف. هذه المواد جاذبة للجمهور بسبب الصدمة والذهول الذي تسببه، لكنها أيضًا تلحق بالجمهور ضررًا نفسيًا ومعرفيًا.

مصادر:

كتاب المثقفون المزيفون لباسكال بونيفاس

خطاب الكراهية والتطرف في الفضاء السيبراني

اقرأ/ي أيضًا:

إلى أي مدى يمكن أن نثق في محتوى البرامج الحوارية؟

سطوة الكلمة والتلاعب بالوعي

الأكثر قراءة