مع اقتراب موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، ومغادرته القصر الرئاسي في بعبدا بتاريخ 31 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، صدرت تقارير صحفية حول مراسيم تجنيس جديدة تلوح في الأفق، قد يستفيد منها متمولون وأصحاب رؤوس أموال موالون للنظام السوري.
تقرير صحيفة ليبراسيون الفرنسية يكشف صفقة بيع جوازات سفر لبنانية
أبرز هذه التقارير ما كشفته صحيفة ليبراسيون الفرنسية في الرابع من شهر أغسطس/آب الجاري، بالتزامن مع ذكرى تفجير مرفأ بيروت، عن الإعداد لإصدار مرسوم يقضي بتجنيس أربعة آلاف شخص من غير اللبنانيين. وقالت إنّ أربعة من كبار المسؤولين اللبنانيين سيتقاسمون أرباحها، مشيرة إلى أن هذا المرسوم يجب أن يحمل توقيع كل من رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس مجلس الوزراء اللبناني، ووزيري الداخلية والمالية.
وفي تفاصيل قضية بيع جوازات السفر، قالت الصحيفة إنّها حصلت على معلوماتها في التقرير الذي أعدته الصحفية السورية هلا قدماني، من مصادر مقربة من المستفيدين والوسطاء في العملية. وتحدثت عن أربعة آلاف جواز سفر لبناني معروضة للبيع تتراوح أسعارها بين 50 و100 ألف يورو لكلّ جواز سفر. ويختلف سعر الجواز عمّا إذا كان لفرد أو لأسرة من الأثرياء الأجانب.
من جهتها، نفت الجهات اللبنانية المعنية مضمون التقرير الذي نشرته صحيفة ليبراسيون، مؤكدة أنه لا أساس له من الصحة وأنّ الخبر كاذب. ونشرت رئاسة الجمهورية اللبنانية في حسابها الرسمي على موقع تويتر نفيًا للخبر قائلة "ما نشرته صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عن "بيع" جوازات سفر لبنانية لغير لبنانيين، خبر كاذب ولا اساس له من الصحة". وحذا مكتب رئاسة الوزراء حذوها، أمّا وزير الداخلية، بسام المولوي، فقال إنه أرسل كتاب احتجاج إلى الصحيفة.
بالعودة إلى تاريخ مراسيم التجنيس في لبنان، يتضح أنّ الدولة اللبنانية أصدرت عشرات المراسيم، أحدثها صدر في عهد الرئيس الحالي ميشال عون. وأبرزها يعدّ المرسوم رقم 5247 الذي صدر عام 1994، نظرًا لأنه برأي البعض جنّس عددًا من الأشخاص من غير المستحقين الذين دفعوا رشاوٍ للحصول على الجنسية اللبنانية. وبالتالي، تدفع مراسيم التجنيس المتعاقبة لأغراض مختلفة في لبنان، البعض، إلى التشكيك في صدقية الرواية الرسمية وتأكيد الرواية التي تقول إن هذا المرسوم سيمرّ، كما مرّ سواه.
أخبار متداولة عن منح رئيس الجمهورية اللبنانية ابنة قاسم سليماني الجنسية اللبنانية
ولم يمر أكثر من أسبوعين عن نشر تقرير صحيفة ليبراسيون، حتى بدأت أوساط إعلامية تتداول في اليومين الفائتين، خبرًا مفاده أن رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال عون، وقّع مرسومًا جنّس فيه زينب سليماني، ابنة قائد فيلق القدس، قاسم سليماني الذي قُتل في قصف صاروخي أميركي استهدفه في العراق في الثالث من يناير/كانون الثاني عام 2020.
وبعد صدور نفي رسمي من رئاسة الجمهورية اللبنانية للخبر، أعاد الصحافي عبد الجليل سعيد نشره قائلًا إنه أول من نشره في حسابه، وإنه حصل على المعلومة من مصدر وصفه بالموثوق، محدِّدًا أنه مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية، والوزير السابق سليم جريصاتي.
وبعد انتشار الخبر، تبيّن أن زينب سليماني تزوّجت عام 2020، بعد ستة أشهر فقط من مقتل والدها، من رضا صفي الدين وهو ابن رئيس المجلس التنفيذي والرجل الثاني في حزب الله اللبناني هاشم صفي الدين، ممّا يعني أنّها لا تحتاج لمرسوم تجنيس حتى تحصل على الجنسية اللبنانية.
فالمادة الخامسة من قانون الجنسية اللبنانية، تقضي بمنح المرأة الأجنبية المتزوجة من لبناني الجنسية اللبنانية، بعد مرور سنة على تسجيل زواجهما في سجّل النفوس.
كما ذكر موقع قناة سوريا تي في، عن كشف مصادر استخبارية إسرائيلية في وقت سابق، إدارة زوجها رضا لخط تهريب سري لـ "حزب الله" اللبناني، يستخدم رحلات الطيران المدنية بين إيران وأوروبا ودمشق وبيروت. وأشار إلى أن رضا صفي الدين يسافر إلى إيران لزيارة زوجته، إضافة إلى أسباب عسكرية أخرى.
كيف تصدر مراسيم التجنيس في لبنان؟
وفقًا لقانون الجنسية اللبنانية، فإن رئيس الجمهورية يستطيع أن "يصدر مرسومًا بمنح الجنسية اللبنانية إلى كلّ أجنبي يقدّم خدمات ذات شأن إلى لبنان"، على أن يحمل المرسوم إضافة إلى توقيعه، توقيع كل من رئيس الحكومة ووزير الداخلية. ويعود نص قانون الجنسية اللبنانية إلى عام 1925، وهو مرتبط بمرسوم أصدره حينها المفوض السامي الفرنسي الجنرال موريس ساراي.
وعلى الرغم من أن القانون عدِّل مرات عدّة، إلا أنه مازال يطبق حتى يومنا هذا، وفي هذا الخصوص يقول المحامي فراس كليب لـ"مسبار"، “حينها كان شكل الحكم مختلفًا، وكانت المعطيات الاجتماعية مختلفة، ورغم ذلك مازلنا نطبق هذا النص دون تكييفه مع المتغيرات التي حدثت وذلك لأسباب سياسية وطائفية. ومازلنا نعتمد الإحصاء السكاني الذي يعود لعام 1932، وذلك بضغط طائفي وسياسي أيضًا. فالحديث عن إحصاء سكاني ممنوع لادعائهم الحفاظ بذلك على السلم الأهلي والتعايش”.
مراسيم التجنيس هي من الصلاحيات القليلة التي بقيت مع رئيس الجمهورية بعد أن جرّده اتفاق الطائف من العديد من الصلاحيات التي كان يتمتع بها سابقًا، ولكن ذلك لم يمنع العديد من الحقوقيين من وضع علامات استفهام على الآلية المتبعة لاكتساب الجنسية اللبنانية وما اعتبروه “الإجحاف اللاحق” في حق بعض مستحقيها عبر حرمانهم منها بينما تُمنح للبعض الآخر. وفي هذا الإطار، يرى كليب أن معيار منح الجنسية اللبنانية ليس موحدًا، ولا يأخذها دائمًا المستحق، نظرًا لأن أصحاب الحظوة غالبًا من يأخذونها وليس من يتمتعون بالمواصفات المطلوبة. لهذا السبب غالبًا ما تشوب مراسيم التجنيس العديد من الشوائب والشبهات وتتحول إلى قضايا رأي عام.
اقرأ/ي أيضًا
جدل يرافق زيارة البابا فرنسيس إلى لبنان في يونيو المقبل
روايتان متناقضتان عن غرق مركب الموت في طرابلس اللبنانية
المصادر