هذه المدونة تُعبّر عن أفكار الكاتب ولا تُعبّر بالضرورة عن آراء “مسبار”.
خلال العقود الأولى التي تلت تطور التصوير الفوتوغرافي، انتشرت في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية عادة غريبة، إذ تلتقط العديد من العائلات صورًا فوتوغرافية لموتاهم بعد مضي ساعات قليلة على الوفاة؛ من أجل الاحتفاظ بالملامح الأخيرة لهم قبل دفنهم. كما أنّ بعض الأهالي أيضًا في الدول العربية يفعلون الشيء نفسه مع شهدائهم وأحبتهم الذين فقدوهم، لكنها تبدو صورة لائقة التُقطت بمحض إرادة أهل الميت.
مع ذلك تختلف القضية عندما يأتي شخص يتطفل على عواطفهم، وينشر صورة لجثة الميت دون علمهم من أجل الشهرة أو الإيذاء أو حصد التفاعل ليُشبع رغبة داخلية لديه.
وهنا يأتي السؤال إلى أيّ مدى هناك حدود للحقيقة، بأن نمد الجماهير والمتلقين بجميع الحقائق وصورها؟ فهل يهم إذا أوردنا مع أخبار القتل والحروب وحوادث الطائرات صور الجثث والحروق والضحايا؟ هل يدخل هذا ضمن حق حصول الجماهير على المعلومة؟
إنّ صور الجثث تملأ مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، إما خلال الإعلام عن حوادث السير أو الجرائم، كما مقطع الفيديو الذي انتشر حديثًا على مواقع التواصل الاجتماعي حين صورت ممرضتان جثة المجنيّ عليها "نيرة أشرف" والذي اعتبر انتهاكًا شديدًا لحرمة الفتاة المتوفاة، وأذى مشاعر أسرتها.
وهذا ما دفع الحكومة المصرية إلى تعديل المادة 160 من قانون العقوبات، وإدراج جريمة تصوير الجثث سواء لتناقل الصور أو نشرها، ووضعت غرامة مالية وعقوبة الحبس أيضًا لمن يتعرض لحرمة الموتى وإيذاء مشاعر ذويهم.
كما انتشرت في الأيام الأخيرة قصة لاعب كرة السلة كوبي براينت أحد أعظم لاعبي كرة السلة على الإطلاق، وبراينت الذي توّج بلقب الدوري خمس مرات بقميص لوس أنجليس ليكرز قبل اعتزاله عام 2016، لقي حتفه، نتيجة تحطم مروحية كانت تقله في كالاباساس قرب لوس أنجليس جنوبي ولاية كاليفورنيا، قبل عامين.
فبعد شهور من إعلان عمال الإغاثة عن انتشال جثث الضحايا في حادثة الطائرة التي تحطمت على واحدة من التلال نتيجة سوء الطقس، وتم التعرف على جثة براينت وابنته التي كانت بصحبته من خلال بصمات الأصابع، علمت أرملته وبقية عائلات الضحايا أنّ رجال الإطفاء والإغاثة التقطوا صورًا لجثة كوبي براينت بشكلٍ غير قانوني، وشاركها بعضهم مع نواب عمدة لوس أنجليس، الأمر الذي اعتبرته فانيسا برانيت -أرملة كوبي- انتهاكًا للخصوصية وأقدمت على رفع قضية ضدهم.
ذكرت تقارير إخبارية أنّ فانيسا عاشت حالة من الاضطراب النفسي والخوف الشديد من انتشار صور جثة زوجها يومًا ما على شبكة الإنترنت، وقد حكمت المحكمة بتعويضها 16 مليون دولار عن الاضطراب العاطفي والمعاناة المستقبلية. كما نال أهالي الضحايا الآخرين على الطائرة ذاتها تعويضًا أيضًا.
احتمت فانيسيا بالقوانين، إذ يبقى التساؤل مطروحًا في علاقة بأهالي ضحايا الحروب المشتعلة الذين يرون صور ومقاطع فيديو لجثث ذويهم على وسائل التواصل، بشكلٍ مستمر مع كل ذكرى أو بشكلٍ مفاجئ وأحيانًا قبل أن يعلموا بخبر الوفاة؟ ولماذا لا يُحاسب المتسببون في فوضى النشر على وسائل التواصل وجمع الإعجاب على حساب حقوق الضحايا وكرامة الموتى؟ وهل يضيف هذا النشر أيّ شيء لحق الحصول على المعلومة؟
هناك قوانين وتشريعات كثيرة في جميع الدول لتجريم الاعتداء على حرمة الإنسان الحي، وقليل منها يتحدث عن حرمة التعرض لجثث الموتى سواء بالتصوير سرًا أو النشر في العلن خلال حوادث الطرقات أو حروب وغيرها.
المصادر