تسارع وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة إلى إجراء مقابلات مع الأشخاص الذين حصلوا على جوائز عالمية أو ترشّحوا لها على الأقل، في أي مجال كان. فهؤلاء الأشخاص يعدّون مادة دسمة لجذب الجمهور لمتابعة منصات وسائل الإعلام والتفاعل مع محتواها، خصوصًا إن كان ما ينتجونه مرتبط بقضايا تهمّ الشارع العربي مثل القضية الفلسطينية.
صانع أفلام يُدعى محمد خميس، لاجئ سوريّ فلسطينيّ، يعيش في بلدة لاندسكرونا السويدية، ادّعى أنّه فاز بجوائز عالمية عدّة عن فيلمه (ثلاث قصص من غزة)، ممّا لفت أنظار وسائل إعلام عربية إلى ضرورة اكتشافه واكتشاف موهبته وقصة نجاحه، ومنها قنوات كالجزيرة وTRTعربي وتلفزيون سوريا، وغيرها.
محمد خميس يحصد جوائز عدّة؟
في 20 أغسطس/آب الفائت، أعلن صانع الأفلام، محمد خميس (27 عامًا)، في منشور له على حسابه الموثّق في موقع فيسبوك، أنّ فيلمه الوثائقيّ المعنون بـ(ثلاث قصص من غزة)، فاز بجائزة أفضل مخرج في ألبكاكركي في ولاية نيو مكسيكو، ضمن مسابقة مهرجان Mindfield السينمائيّ لعام 2022، الذي جرت مراسمه يوم التاسع من الشهر نفسه، وفق قوله.
راجع "مسبار" الموقع الرسمي لمهرجان Mindfield السينمائيّ 2022، إضافة إلى مواقع بيانات الأفلام، ولم يجد اسم فيلم (ثلاث قصص من غزة)، أو اسم محمد خميس ضمن قوائم الفائزين بالمهرجان.
ووفقًا لموقع مهرجان Mindfield الإلكترونيّ، ففازت المخرجة Meg Poveromo بجائزة أفضل مخرج لشهريّ يوليو وأغسطس 2022، إذ يمنح المهرجان هذه الجائزة كلّ شهرين، ويدعم صانعي الأفلام المستقلّين والجدد.
وتُشير نتائج جميع المواقع الرسمية للمهرجان عبر الإنترنت إلى أنّ محمد خميس لم يشارك في المهرجان، إضافة إلى أنّ لا وجود لأخبار عن عرض الفيلم من الأساس خلال المهرجان، سواء على موقع المهرجان أو على منصاته في مواقع التواصل الاجتماعي، أو على محرّك البحث غوغل.
فبركة صور الشهادات
أمّا صور الوثائق التي نشرها محمد خميس وادّعى أنّها لجوائز حصل عليها من المهرجان، فتمّ التلاعب بها وتعديلها رقميًّا، عبر استخدام صور أصلية من المهرجان نفسه، والتعديل عليها لفبركة الشهادات.
جائزة ليفربول المستقلة Liverpool Independent Awards
في الرابع من سبتمبر الجاري، أعلن خميس أنّ فيلمه الوثائقيّ (ثلاث قصص من غزة)، فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقيّ في حفل توزيع جوائز ليفربول المستقلة، وادّعى أنّ المهرجان أقيم في مدينة ليفربول يوم 27 أغسطس الفائت، وأرفق مع المنشور ملصقًا للبيان الرسميّ الذي أُعلن فيه فوزه بالجائزة.
وبعد التحقّق من هذا الادّعاء، وجد "مسبار" أنّ جوائز ليفربول المستقلّة لم تُعلن بعد عن الفائز في هذه الفئة، للمرحلة الثانية من المهرجان، لأنّ التقديم للجائزة ما زال متاحًا حتى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
أمّا المرحلة الأولى من المهرجان والتي بدأت في يناير/كانون الثاني الفائت، فقد أُعلنت نتائجها في مايو/أيّار الفائت وليس في أغسطس، ولم تتضمّن اسم محمد خميس كأحد الفائزين.
وبعد مراجعة موقع مهرجان ليفربول للجوائز المستقلّة، وجد "مسبار" أنّ الشعار الظاهر على شهادة خميس، لا يتطابق مع الشعار المُعتمد لدى مسابقة المهرجان.
مقابلات صحافية مفبركة
وجد "مسبار" في صفحة محمد خميس على موقع فيسبوك، صورة يدّعي أنّها تُظهره على غلاف جريدة Le Petit Journal الفرنسية، يوم 29 سبتمبر عام 2021.
فتّش "مسبار" في محتوى عدد مجلة Le Petit Journal الصادر يوم 29 سبتمبر 2021، ووجد أنّ غلاف العدد لا يتضمّن صورة محمد خميس أو أيّ خبر يتعلّق به، ولا تُشير أي من أغلفة أعداد المجلة عام 2021 إلى خميس.
ومع البحث أكثر عن الصورة، اتّضح أنّها مفبركة عن غلاف عدد المجلة الصادر يوم 23 أغسطس عام 2018.
جوائز مهرجان لوس أنجليس السينمائية
أعلن خميس في حسابه على موقع فيسبوك يوم 31 يوليو الفائت أنّ فيلمه (ثلاث قصص من غزة)، رُشِّح لأفضل فيلم وثائقيّ في حفل توزيع جوائز لوس أنجليس للأفلام، وأرفق مع المنشور ملصقين يُظهران ترشيح فيلمه لجوائز مهرجان LAFA رسميًّا.
وإلى جانب وضوح الأخطاء الإملائية وسوء استخدام علامات الترقيم في الملصقين، وهو أمر لا يمكن أن يقع فيه مهرجان عالميّ.
أجرى "مسبار" بحثًا في موقع جوائز لوس أنجليس للأفلام، ولم يعثر على ترشيح فيلم ثلاث قصص من غزة، في قوائم الترشيحات لأفضل فيلم وثائقي طويل أو قصير لعام 2021 أو 2022. وفيما يلي لقطات شاشة لقوائم ترشيحات LAFA لعامي 2021 و2022.
خميس يقاطع مهرجان دوكافيف
في الثامن من سبتمبر الجاري، انتشرت على الإنترنت تقارير تفيد بأنّ محمد خميس رفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذ سحب فيلمه ثلاث قصص من غزة من مهرجان دوكافيف السينمائيّ في تل أبيب، وشارك مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعيّ وصفحات إخبارية الادّعاء باللغتين العربية والإنجليزية؛ احتفاءً بما فعله خميس.
لكن، وبحسب الموقع الرسميّ لمهرجان دوكافيف الدوليّ للفيلم الوثائقيّ، فقد بدأ يوم الخميس 26 مايو/أيّار الفائت، وانتهى في الخامس من يونيو/حزيران الفائت. ومع انتهاء مهرجان دوكافيف السينمائيّ في تل أبيب في يونيو، لم يتسنَّ لـ "مسبار" العثور على أي دليل يشير إلى انسحاب فيلم خميس من المهرجان، خاصّة أنّ خميس أعلن عن سحب فيلمه في سبتمبر الجاري، أي بعد ثلاثة أشهر من انتهاء المهرجان.
موقع FilmFreeway الدولي
بعد التحقّق من ادّعاءات أخرى متعلّقة بفوز محمد خميس بجوائز مهرجانات عالمية مختلفة، فتّش "مسبار" في موقع FilmFreeway الرسميّ، الذي يُعدّ دليلًا لهوية صانعي الأفلام وإنجازاتهم، كما ويربط بينهم وبين المهرجانات العالمية التي شاركوا بها أو فازوا بجوائزها.
وقد وجد "مسبار" حساب محمد خميس، لكن لم يُذكر فيه أيّ من الجوائز التي ادّعى أنّه حصل عليها، أو أي ترشيحات للمهرجانات التي قال إنّه ترشّح لها، إضافة إلى أنّ أفلامه الوثائقية غير معروضة على الموقع ولا يمكن مشاهدتها، على عكس حسابات أشخاص آخرين.
صانع الأفلام يخدع وسائل إعلام عربية
لم يخدع خميس متابعيه على وسائل التواصل الاجتماعيّ فحسب، إنّما وصل الأمر إلى تضليل صحفيين ومؤسسات وقنوات إخبارية معروفة.
قناة TRT عربيّ
استضافت قناة TRT العربية في برنامجها الصباحيّ، محمد خميس، وبثّت إعلان الفيلم الترويجيّ الذي يتضمّن شعارات مفبركة لجوائز مهرجانات لم يفز بها.
قناة الجزيرة
استضافت قناة الجزيرة في برنامجها المباشر (الجزيرة هذا الصباح)، محمد خميس، الذي تحدّث خلاله عن العديد من الجوائز والإنجازات التي حصل عليها، وعرضت صورة لشعارات المهرجانات التي ادّعى أنّه حصل على جوائزها.
تلفزيون سوريا
أعدّ تلفزيون سوريا تقريرًا يتحدّث فيه عن محمّد خميس قبل أن يستضيفه عبر الهاتف، ونشر في تقريره غلاف المجلّة الذي فبركه خميس.
لماذا يسهل خداع وسائل الإعلام؟
مع تضخم المحتوى المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثرة أعداد المؤثرين في مستخدميها، تظهر أنماط جديدة من التضليل والخداع يمكن أن تنطلي على وسائل الإعلام وعلى صانعي محتوى برامجها، الأمر الذي يُشكّل تحديًا أمامها، يتمثّل في قدرتها وقدرة كوادرها على التثبّت من صحة القصص في الحياة قبل تحويلها إلى قصص على الشاشة.
التقرير متوفّر بالنسخة الإنجليزية لـ"مسبار"
المصادر