` `

حول أشكال التضليل في التغطية الصحفية الرياضية

نور حطيط نور حطيط
رياضة
7 ديسمبر 2022
حول أشكال التضليل في التغطية الصحفية الرياضية
اعتمدت الدراسة على تحليل محتوى أربع صحف رياضية (Getty)

وفقًا لورقة بحثية أنجزها كلّ من جوزيه توريجوس الأستاذ في الصحافة في جامعة سيفيل، وزميله ماثوس ميلو، فإنَّ المحتوى الكاذب والمضلل في عصر الوسائط الاجتماعية ينتشر أسرع وعلى نطاق أوسع وأعمق. 

كما وجدا أن التنافس بين بعض الوسائل الإعلامية في نشر المعلومات المضللة، أدى إلى اعتمادها على مصادر عشوائية أكثر من التقارير والمصادر الأصلية والحقيقية. ومن ناحية ثانية، فإنَّ وسائل الإعلام لها سيطرة أقل على انتشار المحتوى في منصات التواصل الاجتماعيّ، الأمر الذي يجعل من القرّاء صيدًا سهلًا للمعلومات الزائفة.
هذه التغيرات التي أحدثتها التكنولوجيا الحديثة، أثارت تساؤلات حول جدوى وسائل الإعلام لإنتاج المعلومات الصحيحة، وحول دورها في تعزيز الثقة بينها وبين جمهورها.
 

صحافة طعم النقرة وتأثيرها على تقويض جودة التغطية الرياضية

تمّت إضافة مصطلح Clickbait والذي يعني باللغة العربية طُعم النقرة إلى قاموس أكسفورد الإنجليزي عام 2016. ويشير المصطلح إلى شيءٍ مُغرٍ للمستخدم، ومُصمَّم لجعل القرّاء ينقرون على رابطٍ ما، ليتفاجأوا بأنَّ المضمون لا يعكس حقيقة العنوان الخارجي.
غالبًا ما تستخدم وسائل الإعلام غير الموثوق بها مقالات Clickbait، بهدف توجيه زخم القراء إلى مواقعها ومنصّاتها، وهذه الاستراتيجية المضللة كانت قد اسُتخدمت في تاريخ الصحافة سابقًا، وأقدم مثال عليها هو قصة Great Moon Hoax عام 1835، التي ادّعت وجود حياة على سطح القمر وتمّ نشرها في صحيفة The New York Sun آنذاك، إذ حظيت باهتمامات واسعة وبشعبية كبيرة خاصة وأنها انتشرت بالتزامن مع اكتشافات عالم الفلك البريطاني السير جون هيرشل. واستمرّ انتشار القصة إلى أن تمّ اكتشاف أنها مزيفة وكتبها محرر الصحيفة ريتشارد آدامز لوك. ومنذ ذلك الوقت اعتُبرت من النماذج الشهيرة عند الحديث عن صحافة "طُعم النقرة".

على صعيد آخر، وجد باحثون مشاركون في إعداد ورقة بحثية استهدفت وسائل إعلام إسبانية عام 2019، وحملت عنوان "طعم النقرات كاستراتيجية للصحافة الفايروسية: وضع المفاهيم والأساليب"، بأنَّ صحف طعم النقرات، تساهم في انتشار الأخبار المضللة بشكل كبير.


الصحافة الرياضية في عصر ما بعد الحقيقة

أشار الباحثان توريجوس وميلو في عملهما البحثي، إلى أنّ الأخبار الرياضية تعتبر من الأخبار غير المهمّة في كثير من المواسم، ويتم وضعها عادة في الجزء الثالث من نشرة الأخبار أو في الصفحات الأخيرة من الصحف، ومن أجل توجيه الجمهور لها، لجأت بعض الصحف والوسائل الإعلامية إلى العناوين المثيرة، ما أدّى بحسب الباحثين إلى تقويض جودة التغطية الرياضية.

ويعرّج الباحثان أيضًا على انتشار المعلومات المغلوطة في تغطية أخبار كرة القدم التي غالبًا ما تستند إلى مصادر مشبوهة وغير واضحة، إذ تنشرها وسائل الإعلام وتساهم المنصات الاجتماعية في توسيع انتشارها. وقد رصدا فترة الانتقالات الشتوية لعام 2020 لدراسة خرق المعايير الأخلاقية، والشائعات التي تساعد على استهلاك الأخبار وتوجيه الجمهور لأهداف محددة مثل زيادة عائدات الوسائل الإعلامية من خلال رفع عدد زيارات الموقع. 

نموذج دراسة: موسم عام 2020 للانتقالات الشتوية

استخدم كلا الباحثين أدوات تمّ دمجها مع مشروع First Draft News وهو مشروع لمكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت تأسس عام 2015 من قبل تسع منظمات وشركات. 

اعتمد الباحثان على أربعة صحف لإعداد هذه الدراسة على المحتوى الرياضي وهي: صحيفة ماركا (Marca) الإسبانية، وصحيفة آ بولا (A Bola) البرتغالية، وصحيفتي لاغازيتا ديلو سبورت( La gazetta dello sport) الإيطالية و ذا غارديان (The Guardian) البريطانية. وقد تم تصنيف المحتوى المرصود من الصحف إلى:

محتوى ملفّق أو متلاعب به ومحتوى كاذب زائف ومحتوى تمّت إعادة صياغته وهيكليته بسياق زائف، ومحتوى مضلل. كما تمَّ إدراج محتوى الهجاء والمحتوى الساخر الذي يمكن أن يصدق القارئ بأنه حقيقي ويقع في مصيدة التضليل. إضافة إلى محتوى الرسالة أو الاتصال الخاطئ وهو المحتوى المرتبط باصطياد النقرات الذي تكلمنا عنه أعلاه.

لاحظ الباحثان أنَّ المعلومات المضللة توجد بكثرة على منصة تويتر التي يستخدمها النجوم الرياضيون، ففي جدول أعدّاه، رُصدت الإشاعات التي غطتها الوسائل الإعلامية المدروسة، وتبيّن أنها تستند إلى محتوى مخفي في التقارير، أو في كثير من الأحيان كانت أخبارًا غير مؤكدة ومحتوى مُعاد صياغته في سياق مضلل على منصة تويتر أو في موقع الصحيفة نفسها. 

صورة متعلقة توضيحية
لقطة شاشة من بيانات الدراسة (1)

وتبيّن أن الوسائل الإعلامية قد تقع في خطأ التقدير أو التخمين، في حين يعتبر القارئ المعلومات المنشورة حقيقة واقعة بالفعل. ويذكر الباحثان هنا أنه على الرغم من إصابة التكهنات في بعض الأحيان، إلّا أنَّ الكثير منها لا تتحقق وتتحول إلى إشاعات يتم تداولها بشكل سريع وكبير على منصات التواصل الاجتماعيّ.

صورة متعلقة توضيحية
لقطة شاشة من بيانات الدراسة (2)

وفي عينة البحث، وجد الباحثان أن وسائل الإعلام الأربعة في مرات عديدة وصفت التكهنات (التي قد تكون حول صفقات انتقال لاعبين، خسارة منتخب، ربح منتخب..) كما لو أنها حصلت بالفعل. 

ومن الجدير بالذكر، أنَّ الشائعات التي نشرتها الوسائل الإعلامية المدروسة، اختلفت نسبة زيادتها/نقصانها بحسب الأندية واللاعبين المشاركين. فمثلًا كلما كان المحتوى مكرسًا للأندية الكبرى واللاعبين الأكثر شهرة ازدادت الشائعات والمقالات التخمينية والتقارير التكهنية والتي يتداولها القرّاء كأنها حقيقة.

تتعارض الطرق التي عرضتها الدراسة مع الطريقة التقليدية في الصحافة والتي تتمثل برواية القصص بالأدلة المسندة إلى الحقائق. ولا شك بأن لهذه الطريقة مساوئها الكثيرة، فإضافة إلى أنها قد تملأ منصات التواصل الاجتماعي بالمعلومات المضللة والمزيفة، هي أيضًا تقوّض جودة العمل الصحفي، ما يزيد من شكوك القرّاء بالصحف والوسائل الإعلامية ذات المصداقية العالية. لتصبح الحقيقة فضفاضة وتغيب الموضوعية وقواعد التحقق.
وبما أنَّنا نعيش أجواء حدث كرويّ كبير (مونديال قطر 2022) فيجدر على كلّ المهتمين بكرة القدم والرياضة عامة، التمييز بين المحتويات التي تقدمها الوسائل الإعلامية، والتي قد تحمل كل أشكال المعلومات من الصحيحة والمضللة والساخرة إضافة إلى التنبؤات، أملًا بأن هذا الوعي يفيد في التقليل من نسبة الوقوع في فخّ التضليل ونشر الشائعات.


المصادر 

Football Misinformation Matrix: A Comparative Study of 2020 Winter Transfer News in Four European Sports Media Outlets

GRAMMARIST

AL JAZEERA

الأكثر قراءة