منذ بدء التنافس على الفوز بالانتخابات التركية الأخيرة، برز ملف اللاجئين وخاصة اللاجئين السوريين، كأحد أهم المواضيع المطروحة للنقاش، الذي تخلله نشر العديد من المعلومات المضللة والمغلوطة حول عدد اللاجئين في تركيا، وفي أنّهم باتوا عبئًا على اقتصاد البلاد ما يستوجب إعادتهم إلى بلادهم طوعيًا أو حتى قسريًا.
عدد اللاجئين السوريين في تركيا
وفي هذا الإطار، اتّهم المرشح الرئاسي كمال كليجدار أوغلو، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه قد سمح لـ 10 ملايين لاجئ غير نظامي بدخول البلاد، فيما صرّح أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر اليميني أنّ عدد اللاجئين في تركيا يصل إلى 13 مليون لاجئ واصفًا إياهم بالهاربين.
وحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإنّ عدد اللاجئين في تركيا يصل لنحو 3.7 مليون لاجئ، منهم 3.6 مليون سوريّ. فيما تُقدّر مديرية إدارة الهجرة التركية في آخر إحصاء لها عدد السوريين المسجلين في برنامج الحماية المؤقتة/اللجوء قرابة 3.4 مليون سوري، إلا أنّ السؤال يبقى: ما هي ضريبة بقاء هؤلاء اللاجئين في تركيا وهل يشكّلون حقًا ضغطًا زائدًا على الاقتصاد التركي؟
“توسياد”: الإمبراطورية التركية الاقتصادية المعارضة لأردوغان
بدأت القصة في عام 1971، عندما تأسست جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك "توسياد"، على يد العديد من رجال الأعمال الأتراك الأثرياء الذين كان عددهم آنذاك 12 شخصًا، على رأسهم كبرى العائلات الثرية في تركيا الذين عملوا للحفاظ على مصالحهم الاقتصادية داخل وخارج تركيا، والحفاظ على القيم العلمانية للجمهورية التركية التي أسسها كمال أتاتورك.
في غضون سنوات عدة، أصبحت "توسياد" قوة رئيسة في الاقتصاد التركي، إذ إنّ نحو 50 في المئة من إجمالي الإنتاج المحلي في تركيا يعود لشركات ومصانع تابعة لتوسياد، كما أنّ 80 في المئة من ضرائب الشركات في تركيا تأتي من شركات توسياد، الأمر الذي منحها ثِقلًا اقتصاديًا وتأثيرًَا سياسيًا. وُوجهت اتهامات عديدة لتوسياد تُفيد في أنّها كانت وراء عدد من الانقلابات العسكرية، مثل الانقلاب على حكومة بولنت أجاويد ونجم الدين أربكان.
ومع تبني أردوغان سياسة خفض أسعار الفائدة انتقدت توسياد سياساته، ودعت للتخلي عن السياسة النقدية القائمة على أسعار الفائدة المنخفضة التي تتسبب في "انهيار قياسي" في الليرة على حد وصف بيان توسياد. وحثت المجموعة أردوغان للعودة إلى "قواعد علم الاقتصاد" بعد فشل أهداف البرنامج الاقتصادي الذي يتبناه.
بدوره انتقد أردوغان الجمعية في العديد من المناسبات محذرًا إياهم أنهم لن يستطيعوا “التنافس مع حكومة البلاد والإطاحة بها”.
"الموصياد" الحليف الاقتصادي لأردوغان
في مقابل توسياد، ظهرت جمعية أخرى تدعى جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين "موصياد"، والتي انتهجت مسارًا مخالفًا لتوسياد ذات التوجه العلماني، متخذة من الشريعة الإسلامية نهجًا لها.
تأسست موصياد عام 1990 واحتضنها نجم الدين أربكان، زعيم التيار الإسلامي سابقًا في تركيا، خاصة بعد توليه رئاسة الوزراء عام 1996، ففتح لها أسواق التصنيع والتصدير، لكن عقب الانقلاب على أربكان في 1997، انتهجت موصياد سياسة إبقاء مسافة بين الاقتصاد والسياسة، ما سمح لها باستكمال القيام بدور اقتصادي رئيسي في البلاد.
ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، توسعت موصياد في السوق التركية لتدخل قطاعات مختلفة، مثل التعدين والمقاولات والمنتجات الإلكترونية. وبالرغم من أن توسياد هي المؤسسة الأكثر قربًا من الغرب، إذ تملك مكاتب في واشنطن والعديد من العواصم الأوروبية، إلا أنّ موصياد دخلت في تنافس مع توسياد في هذا السياق وأصبحت عضوًا في الاتحاد الأوروبي لجمعيات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ويُعدّ معرض موصياد أكسبو أبرز نشاطات موصياد التي تغذي علاقات تركيا الاقتصادية بدول العالم، والذي يصل المشاركين فيه إلى 100 ألف مشترك من 124 دولة حول العالم حسب آخر الإحصاءات. ويعزز هذا المعرض من التعاون الاقتصادي الخارجي بين تركيا ودول العالم والذي جعل من موصياد أكبر مساهم في الاستثمارات التركية الخارجية، والتي وضعت هدفًا للتصدير بقيمة 300 مليار دولار لعام 2023، فيما تشكل الجمعية 18% من الناتج المحلي الإجمالي التركي حسب تقرير موصياد الاقتصادي.
“أسياد".. الاستثمارات العربية على الأراضي التركية
وفي إطار عملية البحث عن شركاء موصياد، عثر “مسبار” على بيان نُشر عام 2020، لجمعية رجال الأعمال والصناعيين العرب في تركيا، والمعروفة اختصارًا بـ"أسياد"، والتي تتحدث فيه عن شراكتها الوثيقة مع موصياد، إذ تُعقد اجتماعات دورية بين الجمعيتين لمناقشة مقترحات المشاريع الاستثمارية بين الجانبين.
وتأسست أسياد في عام 2019 على يد 41 رجل أعمال من الشرق الأوسط، وكان يترأسها رجل الأعمال السوري عبد الغفور صالح عصفور، والذي صرح عام 2021 بأن 80 في المئة من أعضاء الجمعية هم من السوريين.
ومن خلال البحث وتجميع مجموعة من البيانات والمصادر والأخبار العربية والإنجليزية والتركية عن جمعية أسياد، عمل "مسبار" على إنشاء قاعدة بيانات حول أهم المعلومات الخاصة بالجمعية والتي قدّمت العديد من النتائج الهامة بعد تحليلها.
في تصريح لموقع تركيا جازيت، ذكر عبد الغفور صالح عصفور، أنّ حجم استثمارات أسياد قد تجاوز 10 مليار دولار في عام 2021، وبلغت عمليات التصدير 3 مليار دولار لقرابة 50 دولة حول العالم. فيما ساعدت أسياد نحو 500 ألف شخص غالبيتهم من الأتراك في الحصول على وظائف.
أما عن حجم الشركات التي تقع تحت مظلة أسياد؛ فقد سجلت الجمعية بحلول عام 2021 أكثر من 1500 شركة في تركيا. ومن خلال تحليل “مسبار” لهذه الأرقام تبيّن أنّ عدد الشركات التابعة لأسياد تجاوز 13 في المئة من إجمالي عدد الشركات المسجّلة في تركيا لعام 2021.
وبالحديث عن عدد المستثمرين السوريين، قال عصفور إنّ هناك قرابة 3 آلاف رجل أعمال ومستثمر سوري مسجّلين في غرفة التجارة التركية، وهو ما يعكس استفادة تركيا من السوريين القاطنين على أراضيها والذين عملوا على تنمية اقتصادها.
معدل نصيب الفرد في تركيا من الناتج المحلي بدأ يزداد ويتعافى
وفي تحليل لمجموعة من قواعد بيانات data commons حول الاقتصاد التركي، تبيّن لـ"مسبار" أنّه على الرغم من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا في الوقت الحالي، والتي تتمثل في تراجع الليرة التركية أمام الدولار، إلا أنّ معدل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بدأ يزداد ويتعافى من جديد بعد التراجع الذي شهده منذ انتشار وباء كورونا وبدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
والجدير بالذكر أنّ حزب العدالة والتنمية قد استلم السلطة ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا عام 2002، ما يُقدر بأكثر من 3 آلاف ونصف للفرد، لينمو بشكل ملحوظ بعد تسلم أردوغان السلطة ويصل لأعلى مستوياته في 2013، إذ بلغ نصيب الفرد 12 ألف ونصف الألف، ليشهد بعد ذلك انخفاضًا إلى أدنى مستوياته في عام 2020 إذ وصل إلى أكثر من 8 آلاف ونصف، ليتعافى من جديد ويبدأ في الصعود في 2021، إذ سجّل أكثر من 9 آلاف ونصف، حسب إحصاءات البنك الدولي، وهو العام الذي شهد تصاعدًا في أعمال أسياد أيضًا.
فيما سجل معدل البطالة في تركيا تراجعًا في آخر مؤشر له في مايو 2020، إذ وصل إلى 14 في المئة في الوقت الذي وصلت فيه الولايات المتحدة إلى 13.2في المئة حسب إحصاءات مكتب العمل الأميركي والاتحاد الأوروبي.
دراسة: مساهمات اقتصادية إيجابية للاجئين في تركيا
وفي أغسطس/آب 2022، نشر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، دراسة عملت عليها منظمة Building Markets، وهي منظمة غير ربحية تبني الأسواق وتوفر فرص العمل وتدعم السلام في البلدان النامية، حول المساهمات الاقتصادية الإيجابية للاجئين في تركيا.
وأكدت الدراسة أنّ الشركات الصغيرة المملوكة للاجئين في تركيا تخلق فرص عمل وسبل عيش واستقلال ليس لأنفسهم فحسب، بل لجيرانهم الأتراك أيضًا.
ويوضّح التقرير أنّه على مدى السنوات الأخيرة، أصبح السوريون في تركيا أكثر اندماجًا في الحياة الاقتصادية كمستهلكين وباحثين عن عمل وموظفين ورجال أعمال. وأنه بحلول عام 2020 تشير التقديرات إلى أنّ السوريين استثمروا أكثر من 500 مليون دولار أميركي في رأس المال في البلاد من خلال إنشاء أنشطة تجارية. كما توصلت أبحاث Building Markets، إلى أنّ السوريين قد جلبوا مهاراتهم في مجال تنظيم المشاريع ورأس المال إلى تركيا.
وأشار التقرير إلى أنّ الشركات السورية الصغيرة والمتوسطة في تركيا تعمل غالبيتها منذ خمس سنوات، في قطاعات البيع بالجملة/التجزئة بنسبة (34.2٪) والتصنيع (26٪) والإقامة وخدمات الطعام (8.9٪)، وتوظف هذه الشركات 7 موظفين بدوام كامل في المتوسط.
وأفاد التقرير أنّ الشركات السورية الصغيرة والمتوسطة تتمتع بمزايا على سبيل المثال (لغات متعددة وشبكات دولية وقدرة تصديرية)، وتواجه أيضًا عيوبًا فريدة مثل (نقص الخبرة في السوق المحلية، وعدم الإلمام باللوائح، واستخدام التكنولوجيا المتدني)، التي تؤثر على قدرتها التنافسية في السوق التركية والجاذبية كشركاء للشركات التركية.
كما واجهت الشركات المملوكة للسوريين تحديات إضافية خلال جائحة كوفيد_19، نظرًا لتضخم مساوئها التنافسية. وشمل ذلك نقص رأس المال المتاح، وثغرات المعلومات والحواجز اللغوية التي حدت من الوصول إلى برامج الدعم، واضطرابات التجارة وسلسلة التوريد، ونقص القدرة الرقمية في نماذجها التشغيلية.
وفي الوقت الذي تواجه فيه تركيا صعوبات اقتصادية، ترى Building Markets، أنّ مواجهة التحديات التي تعترض رواد الأعمال والشركات في تركيا، يمكن أن تعزز خلق فرص العمل. وتوصي المنظمة ببعض الإجراءات التي يمكن تتخذها الشركات لدعم المزيد من دمج أعمال اللاجئين في النظام البيئي التجاري التركي والمجتمعي، وتعزيز مساهماتهم الاقتصادية، وتعزيز اندماج شركات اللاجئين في الاقتصاد التركي من خلال توفير التدريب والإرشاد المتوافق مع قيود نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة للاجئين المقدمة باللغتين العربية والتركية. وإتاحة الموارد لدعم القدرة الرقمية لنماذج تشغيل الشركات الصغيرة والمتوسطة، ونقل مساهمات اللاجئين الصغيرة والمتوسطة الحجم في الاقتصاد لتقويض المشاعر المعادية للاجئين.
التأثير الإيجابي للسوريين على الاقتصاد التركي
بحسب تقريرٍ صادر عن معهد الإحصاء التركي (TUIK) عام 2019، فإنّ الاقتصاد التركي استفاد من وجود اللاجئين السوريين، إذ قال باحثون في المعهد إنّ المهاجرين غالبًا ما يقبلون العمل في قطاعات كان السكان المحليون مترددين في العمل فيها، مما يعني أنهم سدوا الفجوات في القوى العاملة، وساهموا في الاستهلاك الداخلي، وذلك أدى إلى تعزيز السوق الداخلي التركي.
بسبب توطين اللاجئين، شهدت المدن الجنوبية نموًَا مثل غازي عنتاب وكيليس وأديامان زيادة في التوظيف في عام 2013. كما يقول التقرير إنّ الهجرة لم يكن لها تأثير سلبي على البطالة ومتوسط الأجور في تركيا، بما يتماشى مع الاتجاهات في أماكن أخرى من العالم.
وبحسب التقرير أيضًا، فإنّ الودائع السورية في البنوك التركية بلغت آنذاك، 311 مليون ليرة تركية في عام 2012، ووصلت إلى 1.5 مليار ليرة بحلول عام 2015، وكانت الأموال عبارة عن مدخرات السوريين التي جلبوها معهم. إذ ساهم رواد الأعمال السوريين أيضًا في خلق فرص العمل والنمو الاقتصادي مع آلاف الشركات التي أنشأها الوافدون، ما أدى إلى توفير آلاف فرص العمل الجديدة. كما أفاد التقرير أنّ اللاجئين ساهموا أيضًا في زيادة الإنتاجية.
نتائج الانتخابات الرئاسية التركية
وانتهت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية اليوم الأحد 28 مايو، بين المرشحين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ورئيس حزب الشعب كمال كليجدار أوغلو، وفاز أردوغان بفترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات، بعد حصوله على نسبة 52.09 بالمئة مقابل 47.91 لصالح كمال كليجدار أوغلو بعد فرز 99.17 بالمئة من الأصوات.
فوز أردوغان
هو سياسي واقتصادي تركي يشغل منصب الرئيس الثاني عشر والحالي لتركيا منذ عام 2014. وشغل أردوغان سابقًا منصب رئيس الوزراء من العام 2003 وحتى عام 2014، كما شغل منصب رئيس لبلدية إسطنبول من عام 1994 إلى عام 1998.
المصادر
كليجدار أوغلو: عدد اللاجئين 10 مليون
كليجدار أوغلو يعد بإعادة اللاجئين فور وصوله إلى السلطة في غضون عامين
300 مليار دولار هدف صادرات عام 2023
جمعية الموصياد.. شبكة الأعمال العالمية التركية
تقرير موصياد: 18% من الناتج المحلي الإجمالي
أسياد: قاعدة البيانات الخاصة بمسبار
المساهمات الاقتصادية الإيجابية للاجئين
مصادر قواعد البيانات
Turkey Number of Companies: Newly Established
Labor Force Statistics from the Current Population Survey
Suriyelilerden istihdama 500 bin kişilik destek
Arap İşadamları ve Sanayiciler Derneği Başkanı
تركيا.. استثمارات السوريين تدعم الصادرات وتوفر فرص عمل
استثمارات السوريين في تركيا تجاوزت الـ 10 مليار دولار
صحيفة تركية: استثمارات رجال الأعمال السوريين في تركيا تتجاوز 10 مليارات دولار
مجموعة الأدوات
اقرأ/ي أيضًا
