عاد الحديث عن هانيبال القذافي، الابن الخامس للزعيم الليبي السابق معمر القذافي، ذو الـ 47 عامًا المحتجز في لبنان منذ عام 2015، إلى وسائل الإعلام، وذلك بعدما أفادت تقارير إخبارية عديدة، نقلاً عن أحد محاميه، بتدهور صحته منذ أيام بعد أن بدأ إضرابًا عن الطعام في السجن احتجاجًا على حبسه المستمر منذ سنوات دون محاكمة. إذ أصبح يعاني من “تقلصات في عضلاته ويديه وساقيه، والدوخة والصداع، وتدهور مشاكل طبية سابقة في العمود الفقري والوركين بسبب الإضراب”.
وأكدت ذلك تقارير إخبارية أخرى نقلت تصريحات عن شقيق هانيبال الأكبر، سيف الإسلام القذافي، لم يتسنّ لـ “مسبار” التثبت من صحتها، قال فيها إن الوضع الصحي لأخيه المحتجز في لبنان منذ سنوات "خطير جدًا، خصوصًا أنه يعاني من عدة أمراض وبحاجة إلى الرعاية الصحية، وقد توقف عن أخذ الدواء احتجاجًا على احتجازه"، وكذلك رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، الذي ظهر في مقطع فيديو على تيك توك خلال حديثه مع شاب، وقال فيه إن هانيبال "تبهدل" في لبنان، وإنه تكلم مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بشأن قضيته، معلنًا تشكيل لجنة لمتابعتها.
من جانبه، نفى المكتب الإعلامي لرئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي تلقّي الأخير أي اتصال من أي جهة ليبية، وأن "ملف هانيبال القذافي هو في يد القضاء المختص، وأي متابعة لهذا الملف تتم بالطرق القضائية المختصة".
اختطاف هانيبال القذافي ثم اعتقاله
في عام 2011، بعد سقوط النظام ووفاة والده معمّر القذافي على أيدي مقاتلي المعارضة، فر هانيبال إلى الجزائر مع زوجته وبعض إخوته. وفي وقت لاحق، توجهوا جميعًا إلى سوريا كلاجئين سياسيين في ظل حكومة بشار الأسد.
ووفقًا لمحاميه، في عام 2015، استُدرج هانيبال إلى الحدود السورية اللبنانية بذريعة إجراء مقابلة صحفية، واختُطف لفترة وجيزة ونُقل إلى لبنان من قبل مجموعة تدّعي امتلاكه معلومات محتملة حول اختفاء الإمام الشيعي اللبناني البارز، موسى الصدر، مؤسس حركة أمل، خلال رحلة له إلى العاصمة الليبية طرابلس، عام 1978، عندما كان هانيبال يبلغ من العمر ثلاث سنوات فقط في ذلك الوقت.
وبعد يومين من عملية الاختطاف، أعلنت وسائل الإعلام في بيروت أن الخاطفين اتصلوا بفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي ورتبوا لتسليم القذافي لهم.
ويدعي فريق هانيبال القانوني أن حسن يعقوب، النائب البرلماني، آنذاك، عن حزب الله، كان وراء عملية الاختطاف. إذ كان محمد يعقوب، والد النائب حسن يعقوب، والصحفي عباس بدر الدين قد رافقا الصدر في زيارته إلى ليبيا، ولم يرهم أحد منذ ذلك الحين.
وفي خضم عملية اختطافه، ظهر هانيبال في شريط فيديو بثته قناة الجديد اللبنانية في 11 ديسمبر/كانون الأول 2015، بعيون تحيطها هالات سوداء وكدمة في الأنف، وقال إنه بـ"صحة جيدة" وحثّ أولئك الذين لديهم أدلة على اختفاء الصدر على التعاون لحلّ القضية.
تصاعد الأحداث مع اعتقال هانيبال القذافي
شهدت السنوات الفائتة، منذ اعتقال هانيبال القذافي، عدة محاولات لإطلاق سراحه، لكنها باءت بالفشل. وفور إلقاء القبض عليه، طلبت سوريا تسليمه بعد أن مُنح حق اللجوء السياسي فيها، لكن سرعان ما رفض وزير العدل اللبناني، حينها، أشرف ريفي الطلب على أساس أن هانيبال ليس مطلوبًا في سوريا لارتكاب أي جرائم.
وزعمت محامية القذافي حينها، بشرى الخليل، في 16 ديسمبر 2015، أن لديها معلومات تشير إلى تورط ريفي نفسه في اختطاف القذافي. وقالت إن المعلومات تضمنت أسماء الخاطفين، الذين لم تحدد هويتهم، لكنها سترفع دعوى ضدهم.
وفي تحول آخر للأحداث، بعد مزاعم بشرى الخليل بيوم واحد فقط، تم اعتقال النائب حسن يعقوب على ذمة التحقيق في دوره المزعوم في اختطاف القذافي، مما أوحى حينها بأن دور حسن يعقوب المفترض في الاختطاف ربما كان بدافع الانتقام أو الحصول على معلومات من القذافي بشأن اختفاء والده والصدر ورفيقهما.
وفي عام 2016، اتهم قاض لبناني هانيبال بإخفاء معلومات عن اختفاء الإمام موسى الصدر بعد أن رفعت عائلته دعوى قضائية ضده بسبب دوره المزعوم في تغييبه. وفي السنوات الثماني التي قضاها خلف القضبان، غيّر هانيبال فريقه القانوني عدة مرات، وبقت قضيته عالقة في أيدي النظام القضائي اللبناني.
أما في عام 2018، فقد حُكم عليه بالسجن 18 شهرًا بتهمة "تحقير" القضاء اللبناني، بعد أن برّأه منها قبل ذلك بعام، كما فُرض عليه أيضًا حظر سفر لمدة عام بعد فشل المفاوضات لإطلاق سراحه.
توتر العلاقات اللبنانية الليبية
أدى اختفاء الصدر في العاصمة الليبية عام 1978 إلى اضطرابات في الأوساط اللبنانية وتوتر العلاقات بين بيروت وطرابلس في عهد القذافي. وعلى الرغم من أن هانيبال القذافي ولد في عام 1975، وبالتالي كان عمره ثلاث سنوات فقط في ذلك الوقت، قال مصدر أمني لبناني لموقع "المونيتور" إن هانيبال القذافي قد يكون لديه كنز من المعلومات حول الحوادث التي وقعت في عهد والده، بما في ذلك اختفاء الصدر.
وروى ذلك المصدر أن هانيبال كان عضوًا في النظام الليبي، وعمل من 2000-2004 مستشارًا للجنة الأمن المركزية. ومن المفترض أن هذا المنصب منحه الوصول إلى المعلومات المميزة خلال فترة حكم والده.
وأيد علي يعقوب شقيق المعتقل حسن يعقوب هذه الشبهات. إذ قال إن توقيف شقيقه لم يكن مبنيًا في رأيه “على معطيات أمنية أو قضائية، بل تم اعتقاله بسبب تدخلٍ خارجي”.
وأضاف المصدر الأمني أن اختفاء الصدر قد لا يكون الدافع الوحيد وراء اختطاف القذافي. والاحتمال الآخر هو مصير مبالغ ضخمة من المال يشاع أن عائلة القذافي قامت بتهريبها من ليبيا في أيام حكمها الأخيرة. وإذا صحت تلك الشائعات، فإنها ستعطي سببًا للفصائل لاختطاف هانيبال القذافي من أجل الحصول على معلومات حول مكان وجود تلك الأموال.
استمرار أصداء اختفاء موسى الصدر
في 26 أغسطس/آب 2022، خرج هانيبال القذافي عن صمته وقال في رسالة عرضتها قناة "العربية الحدث" بشكلٍ حصري إنه رهينة اعتقال سياسي وابتزاز، وقرار احتجازه مسيّس، مشيرًا إلى أنه "لم تخصص لي أي محاكمة ولم ألتقِ أي قاض منذ عام 2016".
ولفت، في رسالته لقناة "العربية الحدث"، إلى أنّ "معمر القذافي لم يلتق بالسيد موسى الصدر وكان وقتها في سرت، ورئيس وزراء ليبيا السابق عبد السلام جلود كان مسؤولًا عن ملف لبنان خلال فترة اختفاء موسى الصدر"، موضحًا أنّ "عبد السلام جلود استقبل موسى الصدر في طرابلس قبل اختفائه، ولا يوجد لدي أي معلومة لتقديمها بشأن اختفاء موسى الصدر".
وأكد القذافي، أن "موسى الصدر اختفى في روما"، لافتًا إلى أنه "لا يوجد ما يؤكد اختفاء موسى الصدر في ليبيا".
من جانبه، وبعد خمسة أيام فقط، في 31 أغسطس 2022، الذكرى الرابعة والأربعين لاختفاء الصدر ورفيقيه، قال حسن يعقوب في مؤتمر صحفي إنه ما زال يؤيد سجن هانيبال، وأضاف "الحديث عن شرعية اعتقاله وصغر سنه عندما ارتكب والده الجريمة حديثٌ فارغ، لأنها جريمة مستمرة، وهو ابن ديكتاتور".
ووجه رسالة لإخوة هانيبال قال فيها "أقول لك يا سيف الإسلام القذافي، إذا كنت تريد شقيقك هانيبال، فنحن نريد أحباءنا المخطوفين. يا عائشة القذافي، إذا كنتِ تريدين أخاكِ، أعطنا ما لديك من أدلة ووثائق".
وقال زعيم حركة أمل نبيه بري إن اختفاء الصدر "يتجاوز استهداف الإمام ورفيقيه. إنه يستهدف لبنان بما مثله، ولا يزال يمثله الإمام، من حيث القيمة الروحية".
تورط غير مثبت لهانيبال القذافي
ما زال حتى اليوم من غير الواضح مدى انخراط هانيبال القذافي في نظام والده. إذ كان مشهورًا أكثر بأسلوب حياته الفاره، وتم تصويره مرارًا في الحفلات وعلى اليخوت في جميع أنحاء العالم، مع سجل حافل من المشاجرات العامة، وفقًا للبرقيات الدبلوماسية التي تم تسريبها عام 2011.
كما أن سلوكه أدى إلى أزمات أخرى بعيدًا عن الملف اللبناني، مثل الخلاف الدبلوماسي بين ليبيا وسويسرا في عام 2008، عندما تم القبض على هانيبال وزوجته اللبنانية، ألين سكاف، في فندق فخم في جنيف بزعم اعتدائهما على موظفين. في ما بعد أسقط المدعي العام في جنيف القضية بعد أن توصلت عائلة القذافي إلى تسوية مع العمال الذين سحبوا شكواهم.
إلا أن قضيته المتعلقة بلبنان، والتي وضعت حدًا لأسلوب حياته ذلك، لا زالت رهن روايات مختلفة من التحليل والتكهنات، تتراوح بين دافع لبناني يتعلق باختفاء الصدر، والغموض الذي يكتنف ثروة الأسرة التي حكمت ليبيا لأكثر من ثلاثة عقود، إلى أسباب أخرى غير معلنة بعد. وخلال الأيام المقبلة، مع مضيه في إضرابه عن الطعام الذي أراد به جذب الأنظار مجددًا لقضيته، ربما يكتسب أحد التأويلات بعضًا من المصداقية، ويتّضح مصير هانيبال، فيما قد يبقى ذلك لغزًا دون حل.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا:
بيان زائف ولم يدعُ سيف الإسلام القذافي الليبيين للتصويت لحفتر