أُثير جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي عقب زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لدولة البرتغال، في نهاية شهر مايو/أيار الفائت، إذ تداول مستخدمون جزائريون وصفحات جزائرية إخبارية، صورة استلام تبون مفتاح مدينة لشبونة من رئيس بلديّتها، مشيرين أنّ تسليمه للجزائر يحمل قيمة تاريخية مفادها أنّ طارق بن زياد والذي فتح مدينة لشبونة، جزائريّ الأصل، مستخدمين عبارات من قبيل "عودة الأمانات لأصحابها"، ليعود بذلك الجدل بين الجزائريين والمغربيين حول أصل طارق بن زياد.
ولكن ما الدلالة التي يحملها تسليم هذا المفتاح؟ وهل يشير ذلك إلى اعتراف البرتغال بأنّ طارق بن زياد جزائري الأصل؟
تبون يتسلم مفتاح مدينة لشبونة
زار تبون دولة البرتغال يوم 23 مايو الفائت، والتقى خلال زيارته بنظيره البرتغالي مارسيلو ريبيلو دي سوزا في ساحة الإمبراطور، ثم انتقلا بجولة إلى كنيسة جيروم ومقر بلدية لشبونة. وخلال الحفل الذي أقيم في القاعة الكبرى لمجلس بلدية لشبونة، تسلم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مفتاح الشرف من رئيس البلدية كارلوس مويداس.
وبحسب موقع بلدية لشبونة، يُمنح هذا المفتاح كرمز تذكاري لشخصيات أو مؤسسات أو منظمات وطنية أو أجنبية، تكريمًا لمكانتها أو عملها أو علاقتها بلشبونة.
وتسلّمت هذا المفتاح شخصيات سياسية ورؤساء دول عدة قبل تبون، من بينهم الملك الإسباني فيليب السادس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زيارتيهما المنفصلتين لدولة البرتغال في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016.
كما تسلمه رئيس دولة ساوتومي كارلوس فيلا نوفا في إبريل/نيسان عام 2022.
وأيضًا رئيسة برلمان الاتحاد الأوروبي روبرتا ميتسولا في سبتمبر/أيلول عام 2022.
ورئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو، في إبريل عام 2023، إلى جانب الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة عام 2005، وغيرهم من الشخصيات البارزة سياسيًا.
وبناءً على هذا، فإن الادّعاء بأنّ تسليم مفتاح لشبونة إلى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون هو "عودة الأمانات لأصحابها" أو أنه يؤكد أصول طارق بن زياد الجزائرية، ليس صحيحًا.
سيف طارق بن زياد
وكان قد أُرفق هذا الادعاء بادعاء آخر، يفيد بتسليم إسبانيا سيف طارق بن زياد إلى الجزائر عام 2002، وقت توقيع اتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين البلدين، إذ جاء في تقرير مصوّر لصحيفة الأيام الجزائرية يحمل عنوان "السيف بيد الجزائر والمفتاح أيضًا.. ماذا بقي للمخزن؟"، أنّ الجزائر باتت تملك من الأدلة ما لا تملكه المغرب لإثبات أصول طارق بن زياد الجزائرية، مستشهدة على ذلك بتسلّمها مفتاح لشبونة مؤخرًا، وامتلاكها سيف طارق بن زياد الذي “سلمته لها إسبانيا قبل أكثر من عشرين عامًا”.
وضمنت الصحيفة في تقريرها صورة تتداولها مواقع عربية بصورة عامة وجزائرية بصورة خاصة، تدعي أنها لسيف طارق بن زياد وأنه معروض بالمتحف المركزي للجيش، ولكن ما حقيقة هذا الادعاء؟ وهل الصورة المتداولة تعود لسيف طارق بن زياد؟
بحث "مسبار" عن صورة السيف المتداولة، ووجد بين تعليقات المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي، لقطة شاشة لخبر نشره موقع سعودي يوم 19 مايو/أيار عام 2015، يحمل عنوان "وزارة الخدمة المدنية توضح حقيقة الإعلان عن وظائف شاغرة لمنفذي أحكام القصاص في السعودية"، مرفقًا بصورة السيف المتداولة، وفي حين أن الموقع السعودي الذي نشر الخبر (http://www.news-sa.com/) غير متاح حاليًا، إلا أنه وفقًا للتاريخ الموضح بلقطة الشاشة، فقد نشر الصورة قبل تداولها على أنها لسيف طارق بن زياد.
إذ بدأت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، بتداول خبر تسليم إسبانيا سيف طارق بن زياد للجزائر وصورة السيف خلال شهر إبريل عام 2016، ولم تنشر قبل ذلك الخبر لا هي ولا أي صورة أخرى للسيف.
كما وجد “مسبار” أن الصورة متداولة في موقع تويتر، منذ يناير/كانون الثاني عام 2014، مرفقة بأنباء القبض على رجل سعودي تحرش بطفلة.
من جهة أخرى، بحث "مسبار" عن صور توثّق سيف طارق بن زياد لكن لم يعثر على أيّ نتيجة. كما لم يعثر على أي تغطية صحفية من الجانب الإسباني أو الجزائري لتسليم إسبانيا سيف طارق بن زياد أو أي متعلقات تاريخية أخرى للجزائر.
وتم البحث في صفحة المتحف المركزي للجيش الموثقة على موقع فيسبوك، ولم يعثر على أي صورة من داخل المتحف لسيف طارق بن زياد.
وراجع "مسبار" اتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي تم توقيعها في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول بين الجزائر وإسبانيا، بحثًا عن البنود المتعلقة بالإرث التاريخي وعما إذا تضمنت الاتفاقية ما يلزم أطراف الاتفاق بإعادة متعلقات تاريخية تخص الطرف الآخر.
ووجد "مسبار" أن المادة السابعة من الفصل الأول، والتي تحدّثت عن اتفاق الطرفين على التعاون في "مجالات التعليم والتدريس من خلال تبادل الطلاب والأساتذة والباحثين الجامعيين والوثائق العلمية والتربوية"، اختُتمت بجملة "سيتم تعزيز الإجراءات المتعلقة بصون التراث التاريخي والثقافي المشترك واستخدامه"، وذلك في إشارة إلى التزام الطرفين بصون الوثائق التي سيتم تبادلها بموجب الاتفاق في مجالي التعليم والتدريس.
ولم يعثر على أي بند آخر يناقش إعادة متعلقات تاريخية من طرف إلى الآخر.
من هو طارق بن زياد؟
يعدّ طارق بن زياد أحد أبرز قادة الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، والذي فتح شبه الجزيرة الإيبيرية (الأندلس) في الفترة الممتدة بين عاميّ 711 و718م.
وتشكل إسبانيا الجزء الأكبر من شبه جزيرة إيبيريا الواقعة جنوب غرب أوروبا، فيما تحتل البرتغال الجزء الغربي منها. وتضم شبه الجزيرة كلًا من أندورا ومنطقة جبل طارق، إذ تمتدّ على مساحة تصل إلى 582 ألف كيلومتر مربع.
يختلف المؤرخون في نسب طارق بن زياد، إذ قال بعضهم إنه من أصل فارسي ونسبوه إلى همذان، وأشار آخرون إلى أنه بربري الأصل، فيما أرجع بعض المؤرخين ومن بينهم ابن خلدون نسبه إلى العرب.
وبالبحث عن الدراسات التاريخية الحديثة حول نسبه وجد “مسبار" أن جزءًا كبيرًا منها يرجّح كونه بربري الأصل، ففي مجموعة أبحاث مركز الشمال الأفريقي المعنونة بـ"مطابقة الصور في أوجه التلاقي بين أفريقيا وأوروبا"، يورد الباحثون بوضوح أن طارق بن زياد ولد بربريًا واعتنق الإسلام.
وفي دراسة تاريخية لباحثة تدعى أناستاسيا ستيبانوفا من الجامعة الوطنية لبحوث الدراسات العليا للاقتصاد في روسيا، أوردت في خلاصة بحثها المعنون بـ"من غزا إسبانيا؟ دور البربر في غزو شبه الجزيرة الإيبيرية"، أنّ طارق بن زياد له أصول بربرية.
وتبنت المعلومة ذاتها موسوعة برتيتنيكا العلمية، والتي تعد أقدم موسوعة علمية بريطانية أميركية، تنشر منذ 250 عامًا.
كما ضمن ذلك باحث من جامعة ولاية كاليفورنيا للفنون التطبيقية بومونا، في دراسة بعنوان “بوابة إلى الجحيم، بوابة إلى الجنة: رد شمال أفريقيا على الفتح العربي، دراسات في العصور القديمة المتأخرة والإسلام المبكر”.
العلاقات الجزائرية المغربية
اتسمت العلاقات الجزائرية المغربية بتوتر شبه دائم على مدى العقود الثلاثة الفائتة، فما تزال الحدود البرية بين البلدين مغلقة منذ عام 1994، على خلفية تفجير فندق أسني في المغرب، إذ فرضت الرباط إثر ذلك التفجير تأشيرة دخول على الجزائريين، لتردّ الجزائر من طرفها، بغلق الحدود البرية بينها وبين المغرب.
وفي عام 2004، ألغت المملكة المغربية التأشيرة المفروضة على الجزائريين، وقامت الجزائر في أقل من عام بإلغائها على المغاربة.
ومن بين أهم القضايا التي يختلف عليها الطرفان هي قضية الصحراء الغربية، إذ تتهم المغرب الجزائر بدعم “جبهة البوليساريو” التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية وباستضافة قادتها على أراضيها، في حين تعتبر المغرب الصحراء الغربية جزءًا لا يتجزأ من أراضيها، وقد اقترحت منذ عام 2007 أن تتمتع الصحراء الغربية بحكم ذاتي تحت سيادة المغرب، كحلّ للأزمة.
من جهتها، لا تعترف الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي بسيادة دولة المغرب على الصحراء الغربية. ومن الجدير بالذكر أنّ اتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي تم توقيعها بين الجزائر وإسبانيا عام 2002، قد تم فضّها عام 2022 بعد إعلان إسبانيا دعمها موقف المغرب بخصوص قضية الصحراء الغربية، معتبرة أنّ "مبادرة الحكم الذاتي المُقَدمة في 2007 من جانب المغرب هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع".
وكانت الجزائر قد أعلنت في أغسطس/آب عام 2021 قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بسبب ما أطلقت عليه "الأعمال الدنية والعدائية ضد الجزائر" وحمّل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة حينها "قادة المملكة مسؤولية تعاقب الأزمات التي تزايدت خطورتها"، معتبرًا أنّ "هذا التصرف المغربي يجرّ إلى الخلاف والمواجهة بدلًا من التكامل في المنطقة المغاربية.
المصادر
State Agency Official State Gazette
اقرأ/ي أيضًا
هذه ليست صورة جدار فاصل بين الجزائر والمغرب
أبرز الشائعات التي انتشرت مع مباراة الجزائر والمغرب في كأس العرب