مع استمرار أعمال الشغب، التي اندلعت شرارتها عقب مقتل نائل، وهو فتى فرنسي من أصل جزائري، برصاص رجل شرطة في ضاحية نانتير شمالي باريس في 27 يونيو/حزيران الفائت، انتشر على موقعي تويتر وفيسبوك بيان صحافي موقّع باسم المديرية العامة للشرطة الوطنية في فرنسا، تعلم فيه وزارة الداخلية الفرنسية الرأي العام بقرارها “فرض قيود مؤقتة ولفترة محددة على شبكة الانترنت في أحياء بعينها خلال ساعات الليل، بدءًا من يوم 3 يوليو/تموز الجاري”.
وذُكر في البيان، أنّه يندرج ضمن إطار التزام الوزارة بالحفاظ على النظام والاستقرار في المناطق المتضررة، وغايتها منع جميع أشكال العنف والتشويش.
بيان حظر جزئي لشبكة الإنترنت عن بعض الأحياء في فرنسا؟
ذكر نص البيان الذي تداوله مستخدمون أن قرار الحظر جاء "لمنع الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي ومنصاتٍ على الانترنت لتنسيق أعمال غير قانونية والتحريض على العنف"، كما تضمن طمأنة للمواطنين بخصوص النوايا من وراء القيود، التي لا تسعى، وفقه، لتكبيل حرياتهم الأساسية، إنما أُقِرّت بهدف حماية أمنهم وأمن ممتلكاتهم" بعد أعمال التخريب الأخيرة.
واستثنى قرار الحظر حسب البيان ذاته المستشفيات ومصالح الطوارئ والبنى التحتية الحيوية، كما لن يمس خطوط الهاتف النقال والثابت.
لكن بالبحث في الصفحات والحسابات الرسمية لوزارة الداخلية الفرنسية لم يعثر "مسبار" على البيان المنسوب إليها. كما لم يصرح وزير الداخلية الفرنسي بإمكانية تطبيق إجراء مماثل.
وزارة الداخلية تنفي صحة بيان الحظر الجزئي لشبكة الإنترنت
ونفى الحساب الرسمي لوزارة الداخلية الفرنسية على موقع تويتر، صحة البيان المتداول، مفنّدًا الادعاءات الواردة فيه، وداعيًا المواطنين لتوخي الحذر من الأخبار المزيفة.
وجاء في الصورة المرافقة للنفي "ساعدونا. لا تبثّوا معلومات خاطئة. لا تتداولوا إلاّ المعلومات الآتية من مصادر موثوقة".
الحكومة الفرنسية تطلب حذف المحتوى الحساس
من جانبها، لم تخف الحكومة الفرنسية مخاوفها من دور الشبكات الاجتماعية في تضخيم الأوضاع وتأجيجها، إذ عُقد مساء يوم الجمعة اجتماع بين ممثلين عن الحكومة الفرنسية على رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون، وبين ممثلين على منصات التواصل الاجتماعي ميتا، تويتر، سناب تشات، وتيك توك من جهة أخرى.
وطالب ممثلو الحكومة الفرنسية خلال الاجتماع من منصات التواصل الاجتماعي، السحب الفوري للرسائل المُبلّغِ عنها، وتحديد هوية مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي المتورطين في خرق القانون، والرد السريع على الطلبات الإدارية والقضائية. ووعدت المنصات الحكومة الفرنسية، التي لوحت بإمكانية تفعيل ترسانتها القانونية ضدها، بالاستجابة بأسرع وقت ممكن، وباتخاذ الإجراءات الملائمة عند تسجيل خروقات لقواعد الاستخدام.
وأكد المسؤولون على المنصات، أنّ لديهم قواعد لحضر محتويات محددة تشجع على العنف والكراهية، وفق ما تنص عليها الشروط التي تضعها كل المنصة.
كما طرحت وسائل إعلام فرنسية النقاش حول دور مواقع التواصل الاجتماعي في تضخيم الاحتجاجات، وموقف الحكومة من ذلك. ونشرت عدة تقارير تؤكد مدى تأثير مقاطع الفيديو والصور والبث المباشر في تعزيز أعمال العنف والتخريب.
وفق راديو فرانس، ساهمت منصات التواصل الاجتماعي خاصة منها سناب تشات وتيك توك، الأكثر استخدامًا من طرف المراهقين في فرنسا، في تفاقم أعمال الشغب والتشجيع على "محاكاة العنف" من خلال الصدى الواسع الذي منحته لمقاطع فيديو وثقت المواجهات مع قوات الشرطة وأعمال التخريب والاستيلاء، وإضفاء طابع هزلي عليها في بعض الأحيان، مما يمنح القُصّر تجربة شعورية خارج حدود الواقع، تشبه إلى حد كبير تجاربهم داخل عوالم ألعاب الفيديو.
ورغم تأكيد المختصة والباحثة الفرنسية في الميديا، ماري جوزيف برتيني، على دور الشبكات الاجتماعية في هذه الأزمة وتأثيرها، فإنها تعتبر من جانب آخر بأنّ الشبكات الاجتماعية لا تخلق ثورة. وأشارت في تصريحها لموقع فرانس أنفو إلى أنّ "التركيز على الشبكات الاجتماعية هو تجنب النظر إلى حالة الطبقة العاملة والأحياء المحرومة والنظر إلى المسؤوليات الحقيقية".
وقالت "ليست الشبكات الاجتماعية هي التي تخلق إقصاء هؤلاء السكان، إنه نظام مجتمعنا".
حصيلة المواجهات في ضواحي فرنسا
قام المحتجون خلال ست ليال متتالية من أعمال العنف الحضري احتجاجًا على مقتل نائل، بإحراق خمسة آلاف مركبة وعشرة آلاف حاوية قمامة، وإحراق أو تخريب ألف مبنى، واستهداف 250 مركز أمن، وجرح 700 من أفراد قوات حفظ النظام، وفق تقارير إخبارية فرنسية.
واعتقل الأمن 3200 شخص، متوسط أعمارهم 17 سنة، لا وجود لأسماء ستين بالمائة منهم في السجلات الإجرامية لدى الشرطة.
ردود الفعل الرسمية على أحداث العنف في الضواحي
شدد وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان على مسؤولية الأولياء في ضبط أبنائهم، في حين توعد وزير العدل إيريك دوبون-موريتي الأولياء، الذين لا يمارسون سلطتهم الأبوية على أبنائهم القصّر المتورطين في أعمال العنف الحضري الليلية، بتطبيق نص قانوني يسلط عليهم عقوبة السجن مدة سنتين وغرامة مالية قيمتها 30 ألف دولار.
وفي السياق ذاته حذر دوبون-موريتي من ينشرون دعوات للقيام بأعمال شغب من إمكانية تعقُّب حساباتهم وكشف هوياتهم وملاحقتهم بتهم من قبيل تشكيل جماعة أشرار.
اقرأ/ي أيضًا
كيف دحض مقطع فيديو رواية الشرطة الفرنسية حول مقتل نائل؟
فيديو الاحتجاجات في لندن قديم ولا علاقة له بالمظاهرات في فرنسا عقب حادثة نانتير