انطلق تطبيق "ثريدز"، منافس تويتر الخاص بشركة ميتا، في الخامس من يوليو/تموز الجاري ووصفه بعض الخبراء والمستخدمين بأنه يجمع أفضل ما في تويتر وإنستغرام.
ويمتاز التطبيق بواجهة مبسطة، ويعتمد بشكل رئيسي، حتى الآن، على نشر النصوص القصيرة فقط، كما في تويتر، مع إمكانية إرفاقها بمقاطع فيديو يصل طولها إلى خمس دقائق، ولا يمكن التفاعل مع المواد المنشورة عليه سوى بعلامة الإعجاب، كما في إنستغرام.
وشهد التطبيق إقبالًا هائلًا تمثل في أكثر من عشرة ملايين مستخدم حتى الآن، بحسب مؤسس التطبيق ومالكه مارك زوكربيرغ. وبهذا، يكون تطبيق ثريدز واحدًا من أسرع التطبيقات التي تصل إلى 10 ملايين مستخدم، إلا أن إطلاق التطبيق لم يخل من الجدل، فلم تستطع ميتا إطلاق تطبيقها داخل مجال الاتحاد الأوروبي.
مخاوف بشأن الخصوصية لتطبيق ثريدز
تكشف سياسات الخصوصية الخاصة بالتطبيق على نظام iOS أنه قد يجمع معلومات حساسة عن المستخدم، بما في ذلك البيانات الصحية والمالية، والموقع الدقيق، وسجل التصفح، وجهات الاتصال، وسجل البحث، من بين تفاصيل حساسة أخرى، من أجل إنشاء ملفات تعريف المستخدمين بناءً على أنشطتهم الرقمية، كما في منصات ميتا الأخرى.
وهذا ليس مفاجئًا بالنظر إلى أن ميتا تحقق جزءًا كبيرًا من إيراداتها من خلال تتبع سلوك مستخدميها على الويب، لإنشاء إعلانات قائمة على تفضيلاتهم الشخصية.
ومع ذلك، فإن هذا يثير مخاوف بشأن ما إذا كان سيتم إطلاق ثريدز في الاتحاد الأوروبي، خصوصًا مع اعتبار معالجة ميتا للبيانات الشخصية لمستخدمي فيسبوك، في وقت سابق من هذا العام، أمرًا غير قانوني بشكل رسمي داخل الاتحاد.
وعلى إثر ذلك، لجأت ميتا إلى المطالبة بالمصلحة المشروعة لمعالجة البيانات من أجل نشر الإعلانات المستهدفة. ومع ذلك، فإن الحكم الأخير الصادر عن المحكمة العليا في الاتحاد الأوروبي في إحالة قضية ألمانية، نص على أن الأسس القانونية في الاتحاد الأوروبي لا توائم إعلانات ميتا القائمة على التفضيلات السلوكية، وأوجب الحصول على موافقة خاصة.
علاوة على ذلك، يضع قانون الاتحاد الأوروبي الحالي المزيد من المعايير ويتطلب موافقة صريحة لمعالجة المعلومات الحساسة مثل البيانات الصحية، وذلك امتثالًا لقانون "اللائحة العامة لحماية البيانات" (GDPR). وعليه، ستحتاج ميتا إلى الحصول على إذن محدد لمعالجة البيانات الحساسة مثل المعلومات الصحية، إذا استمرت بفعل ذلك من خلال تطبيق ثريدز.
قوانين تتعارض مع تطبيق ثريدز
بالإضافة إلى ذلك، تحظر لوائح الاتحاد الأوروبي التي تمت الموافقة عليها، مؤخرًا، وتجري مناقشة بعضها حاليًا، استخدام البيانات الحساسة لأغراض الدعاية، وقد تطلب من عمالقة التكنولوجيا الحصول على موافقة صريحة قبل إدراج تلك البيانات في أنظمة الاستهداف الخاصة بالإعلانات (كما هو موضح في قانون الخدمات الرقمية وقانون الأسواق الرقمية). وذلك يؤدي إلى مزيد من الشكوك القانونية حيال أعمال ميتا القائمة على البيانات.
في الوقت الحالي، لا توفر الشركة للمستخدمين خيارًا واضحًا لإلغاء الاشتراك في التتبع وتحليل السلوك، ناهيك عن السعي للحصول على موافقة صريحة لمشاركة البيانات الصحية مع المعلنين. لذا، ومع فرض قيود أكثر صرامة على إعلانات المراقبة في الاتحاد الأوروبي، سيواجه تطبيق مثل ثريدز، الذي يهدف إلى تتبع كل شيء ممكن لزيادة فرص ظهور الإعلانات ودقتها إلى أقصى حد، تحديات كبيرة مع المنظمين الإقليميين داخل الاتحاد.
علاوة على ذلك، صدرت أوامر إلى ميتا، مؤخرًا، بوقف نقل بيانات المستخدمين القاطنين في الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة لمعالجتها، وتم تغريمها ما يقرب من 1.3 مليار دولار لانتهاكها اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، فيما يتعلق بتصدير البيانات.
على الرغم من أن هذا الطلب كان خاصًا بفيسبوك، فمن المحتمل أن يتم تطبيق نفس المطلب على خدمات ميتا الأخرى التي تفشل في حماية خصوصية بيانات المستخدمين الأوروبيين في خارج حدود الاتحاد. ولن يكون ثريدز -حتى الآن على الأقل- استثناءً، إذ لا يقدم التطبيق لمستخدميه مستوى حماية الخصوصية الذي توفره تقنيات التشفير الموثوقة مثل "الإثبات بلا كشف" والتشفير من طرف إلى طرف.
الاتحاد الأوروبي يطالب بتغييرات جوهرية
إن جعل نشاطات الإعلانات المبنية على بيانات المستخدمين الخاصة بميتا متوافقًا مع قوانين الاتحاد الأوروبي، يتطلب تغييرًا جوهريًا في كيفية تسيير عملياتها. ومع ذلك، لا يبدو أن هذه هي خطة ميتا مع ثريدز، حيث يبدو أن التطبيق يواصل جمع البيانات وممارسات جذب الانتباه التي أثارت الجدل حول صورة عملاقة التكنولوجيا على مدار السنوات الخمس الفائتة، الأمر الذي لعب دورًا في دفع الشركة لتغيير علامتها التجارية من فيسبوك إلى ميتا عام 2021.
تدرك الشركة أن إعادة طرح علامتها التجارية بشكل جديد ومدى نجاحه في تحسين صورتها ما زال أمرًا قيد النقاش. لذا، بدلًا من تصنيف تطبيق ثريدز صراحةً على أنه تطبيق تابع لميتا، اختارت الشركة ربطه بعلامة إنستغرام التجارية. ومطوّر التطبيق المدرج في متجر تطبيقات آبل هو "Instagram Inc"، ويشير وصف التطبيق في المتجر إلى أنه "التطبيق المشتق من إنستغرام الذي يعتمد على المحادثات النصية".
وقد يكون هذا القرار مدفوعًا ببساطة باستراتيجية وضعتها ميتا لبناء قاعدة مستخدمين لتطبيق ثريدز، من خلال الاستفادة من مجتمع إنستغرام الكبير والمتفاعل، إذ لا يزال الأخير من أفضل تطبيقات التواصل الاجتماعي من ناحية حجم الوصول والتفاعل.
لا تدخل تنظيمي حتى الآن لمنع تطبيق ثريدز
من المؤكد حتى الآن أنه لن يتم إطلاق تطبيق ثريدز في الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، وقد لا يتم إطلاقه إلا إذا أجرت ميتا تغييرًا جذريًا على نهجها المتعلق بالخصوصية وتتبع المستخدم. إذ صرحت هيئة حماية البيانات الأيرلندية، المشرف الإقليمي الرئيسي في أوروبا على ميتا فيما يتعلق بحماية البيانات، أنها كانت على اتصال مع ميتا بخصوص تطبيق ثريدز، لكن التطبيق لن يتم إطلاقه "في هذه المرحلة". فيما لم تصرح ميتا عن خططها لإطلاق التطبيق في الاتحاد الأوروبي.
كما أوضحت هيئة حماية البيانات أنها لم تمنع ميتا من إطلاق تطبيق ثريدز انطلاقًا من دورها في فرض الامتثال للائحة العامة لحماية البيانات (GDPR). إذ صرحت أن الشركة "ليس لديها خطط لإطلاق التطبيق في الاتحاد الأوروبي حتى الآن"، ما يعني أنه لم يكن هناك أي تدخل تنظيمي فعال من قبل الهيئات الناظمة في أوروبا لمنع الإطلاق في هذه المرحلة.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا:
خوارزميتا فيسبوك وانستغرام: ميتا تكشف آليات التحكم في عرض المحتوى
هل تكافح ميتا التضليل بأموال جنتها من الترويج للمعلومات الزائفة؟