في الثاني من يوليو/تموز الجاري، نشرت صحيفة البعث السورية المحلية تقريرًا يكشف عن "مشروع تشاركية" يتضمن دراسات وصيغ قانونية يتم التباحث بشأنها من أجل أن يدخل القطاع الخاص في عمليات استثمار وإدارة وتشغيل مطار دمشق الدولي بعملياته الجوية والأرضية، بحيث تتوزع الحصص بين 51 في المئة لمؤسسة الطيران العربية السورية، و49 في المئة للمستثمر الشريك، الذي لم تكشف الصحيفة عن هويته.
وفي التفاصيل الأولية التي نشرتها، فإن ذلك الشريك الخاص سيتحمل المسؤوليات التي يتيحها القطاع للعمل في الطيران المدني، من تنفيذ جميع الأعمال والخدمات المتعلقة بالنقل الجوي للركاب والبضائع وامتلاك وشراء وإيجار واستثمار الطائرات، وتنظيم الرحلات الجوية وخدماتها والخدمات الأرضية، وأخذ الوكالات عن شركات الطيران، وفتح فروع داخل وخارج سورية، بالإضافة إلى إجراء عمليات الصيانة وتوسيع أسطول الطائرات السورية.
كما طمأن ذلك الشريك المجهول صحيفة البعث بشأن المخاوف حول استبدال الطواقم البشرية الموجودة حاليًا بطواقم يختارها الشريك، إذ قال للصحيفة إنّ التعويضات والحوافز والمشجعات على العمل لدى فريق المطار ستزيد وتتضاعف.
ادعاءات حول مستثمر سعودي لمطار دمشق
تناقلت وسائل إعلامية محلية وإقليمية الخبر، متسائلةً عن هوية المستثمر الجديد لمطار دمشق الدولي. وفي هذه الأثناء، نشرت منصة "تريند تيوب" خبرًا على موقع فيسبوك، وتداولته صفحات ومنصات أخرى، يفيد بأن مستثمرًا سعودي الجنسية هو من سيحصل على حصة قدرها 49 في المئة من مطار دمشق الدولي، وسيتولّى بموجبها إدارة جميع شؤون المطار، دون الإشارة إلى مصدر المعلومة، مع عدم ذكرها رسميًا أو من قبل أي جهة إعلامية ذات صدقية.
بعد أيام من نشر الخبر الأصلي على صحيفة البعث حول الشريك مجهول الهوية، عادت الصحيفة مجددًا ونشرت يوم السادس من يوليو/تموز الجاري، تقريرًا أوضحت فيه أن الموضوع لا يتعلق بأرض المطار، لما "تمثله من سيادة للدولة السورية"، بل بالشركة السورية للطيران المملوكة للدولة والمسؤولة عن تشغيله حاليًا، وذلك نظرًا لظروف عمل الشركة الصعبة وواقع جاهزية الطائرات التي تملكها، والتي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
وبيّنت الصحيفة أن الموضوع لم يبتّ فيه وما زال في طور المناقشة والدراسة، وهناك الكثير من الاجتماعات التي تُعقد لدراسة الخطوات التي سيتمّ العمل عليها لضمان الحقوق، سواء لشركة الطيران العربية السورية أو لشريكها الخاص.
والأهم من ذلك، أن الصحيفة كشفت هذه المرة عن اسم الشركة الخاصة المستثمرة للمطار، وهي شركة "ايلوما" للاستثمار المساهمة المغفلة الخاصة، حيث ستقوم هذه الشركة، بحسب كتابٍ موجّه من قبلها إلى وزارة النقل أوجزته صحيفة البعث، باستثمار وتطوير وإدارة وتشغيل مؤسسة الخطوط الجوية السورية، وذلك ردًّا على كتاب الوزارة الموجه للشركة، والذي أوجزته الصحيفة كذلك، بخصوص إدارة الشركة لتطوير واستثمار الشركة السورية للطيران.
شركة ايلوما التي ستستثمر مطار دمشق الدولي
نشر الباحث في معهد نيولاينز الأميركي للسياسة والاستراتيجية الدكتور كرم شعار صورة كاملة لكتاب وزارة النقل السورية الموجه لشركة ايلوما، الذي نشرته الوزارة وحذفته لاحقًا، وردّ الشركة عليه، بالإضافة إلى صورة عن عقد تصديق الشركة من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في سورية، والذي يمكن إيجاده في الجريدة السورية الرسمية، وأظهر العقد أنّ الشركة حديثة التأسيس، وتم التصديق عليها في وقتٍ ما من عام 2023، دون توضيح تاريخ دقيق.
وبحسب العقد، الشركة متخصصة في مجال "إدارة واستثمار المنشآت التي تعمل في مجال السياحة وخدمات المطارات ودخول المناقصات والمزايدات مع القطاع العام". كما تدخل في مجال "شراء الأسهم والحصص في جميع أنواع الشركات والمشاركة أو المساهمة في تأسيسها أو الاشتراك في إدارتها"، و"تملك الأراضي والعقارات اللازمة لتحقيق غاية الشركة، عدا بناء المساكن وبيعها والاتجار بها".
وتم تحديد رأس مال الشركة بمبلغ 100 مليون ليرة سورية فقط، ما يعادل 10 آلاف دولار تقريبًا موزعة على مليون سهم. ويقع مركز الشركة في محافظة دمشق، ولها أن تؤسس فروعًا في جميع المحافظات السورية وخارج القطر، بقرار من مجلس الإدارة.
وحول هوية المؤسسين، ورد في العقد ذكر ثلاثة أسماء، الأول هو علي محمد ديب (34 عامًا)، ويملك 330 ألف سهم بنسبة 33%، ويقيم في دمشق، والثانية هي رزان نزار حميره (32 عامًا) وتملك 330 ألف سهم بنسبة 33%، وتقيم في دمشق، والثالثة هي راميا حمدان ديب (42 عامًا)، وتملك 340 ألف سهم بنسبة 34%، وتقيم في دمشق، وجميعهم سوريو الجنسية، ما يعني أنه لا وجود لمستثمر سعودي.
مالكو شركة ايلوما شركاء سابقين في مجموعة شركات
بالبحث عن معلومات حول المؤسسين الثلاثة في دليل "من هم" للشخصيات والشركات العربية، تبين أن علي محمد ديب هو شريك مؤسس في شركة مفردات، ويملك ثلاث حصص فيها بنسبة 0.002 في المئة، وبالبحث عن الشركة في الدليل نفسه، اتضح أنها شركة مساهمة مغفلة، تأسست عام 2021 ومقرها ريف دمشق، وتعمل أيضًا في مجال المناقصات والمزايدة والمساهمة في الشركات وتأسيسها.
وبحسب صفحة التعريف الخاصة بالشركة، فإنها شريكة مؤسسة في "شركة العقيلة العقارية" في الجمهورية العربية السورية، وتمتلك 375,000,000 حصة في الشركة، بنسبة 15 في المئة. والعقيلة العقارية هي شركة سورية مساهمة مغفلة مقرها منطقة يعفور في ريف دمشق، تأسست عام 2022 على يد رجل الأعمال الكويتي السوري، عبد الحميد دشتي.
من هو عبد الحميد دشتي؟
وعُرف دشتي طوال السنوات الماضية بعلاقته الوطيدة مع إيران وحزب الله والنظام في سوريا، فيما تشير تحقيقات إلى أنه لا يغدو كونه واجهة استثمارية. ففي مقابلة مصورة عام 2014، حينما كان ما يزال نائبًا في مجلس الأمة الكويتي، تحدث عن سلطته ووساطاته المميزة في سورية. في تلك المقابلة، تحدث دشتي عن دوره في حل مشاكل الكويتيين من مستثمرين أو سواهم، في سوريا، حتى خلال سنوات الحرب. تلك العلاقات المميزة وصلت إلى حد منحه الجنسية السورية، التي أقرّ بحصوله عليها عام 2015.
وأبرز استثماراته، في سوريا، هي "العقيلة للتأمين التكافلي"، التي تعود إلى العام 2007، والتي كانت النسبة الأكبر من أسهمها، تعود لشركة "العقيلة للإيجار والتمويل والاستثمار"، التي لا تتوفر أية معلومات حول ملكيتها. فيما تتوزع بقية الأسهم على زوجة دشتي السوريّة، هالة قوطرش، وعلى شركات مملوكة لدشتي وأولاده.
وفي مايو/أيار الفائت، وقعت شركة ألبرز للتأمين الإيرانية، مذكرة تفاهم لتأسيس شركة تأمين مشتركة مع العقيلة للتأمين التكافلي، إذ نصّت الاتفاقية الموقعة بين الجانبين، على استثمار إيراني في سورية، من خلال تغطية الشركات الإيرانية العاملة فيها، وقال رئيس ألبرز التنفيذي حينها إنّ الهدف منها هو "دعم الشركات الإيرانية العاملة خارج البلاد".
وذكرت وكالة مهر الإيرانية للأنباء، أنّ مذكرة التفاهم تهدف إلى تعزيز التعاون الاستراتيجي في مجال تقديم خدمات التأمين للمؤمن عليهم من الشركتين في سورية وإيران، بالإضافة إلى خدمات إعادة التأمين للمخاطر المقبولة لدى الطرفين، وتغطية المخاطر المختلفة للمشاريع والاستثمارات في كلا الطرفين.
من هما رزان حميره وراميا حمدان؟
أما رزان نزار حميره، المساهم الآخر في شركة ايلوما التي ستستثمر في السورية للطيران، فهي شريكة في شركة "إنفينيتي سكاي لايت"، وتملك 50 ألف حصة فيها بنسبة 33 في المئة، وتعمل هذه الشركة في مجال استيراد وتصدير اللواقط الشمسية وأجهزة الإنارة والطاقة البديلة، وتأسست عام 2021، وهي أيضًا شريكة في شركتي "فريدوم" و"البنان" وكلاهما شركتين تأسستا في عام 2021، وتعملان في مجال المناقصات والمزايدات.
أما راميا حمدان ديب، المساهمة الثالثة في شركة ايلوما، فهي شريكة في أكثر من شركة سورية. بحسب ملفها التعريفي في دليل "من هم"، فهي شريكة رزان نزار حميره في شركة "إنفينيتي سكاي لايت"، وتملك 33 في المئة منها أيضًا، وهي شريكة مؤسسة في شركات "لوما" و"ثلج" و"أثر"، وتمتلك حصة قدرها 50 في المئة في كل منها، فيما يملك الـ 50 في المئة الأخرى من أسهم تلك الشركات شخصٌ يدعى علي نجيب ابراهيم.
وعلي نجيب ابراهيم، هو الشريك المؤسس والمالك للـ 33 في المئة المتبقية من أسهم شركة "إنفينيتي سكاي لايت"، وهو مالك مشارك لشركة تيلي سبيس، وهي شركة تمتلك جزءًا من شركة وفا ش.م.ع (أو "وفا تيل")، والتي تم ترخيصها في أوائل عام 2022 لتصبح ثالث مشغل اتصالات في البلاد.
وشريك على نجيب ابراهيم الآخر في شركة وفا ش.م.ع هو يسار حسين إبراهيم، ويتشاطر الاثنان عددًا من الشركات الاستثمارية، مثل شركة "يو تيل" و"البرج الذهبي للاستثمار" و"الرافد".
من هو يسار إبراهيم؟
في منتصف عام 2018 بدأ اسم يسار إبراهيم بالتداول مع تكليفه بمتابعة مكتب "الشهداء" في وزارة الدفاع السورية، وسبق أن استهدفته العقوبات الأميركية وقال عنه حينئذ، وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، إن "استهداف إبراهيم جاء لجهوده في منع أو عرقلة حل سياسي للنزاع السوري الذي اندلع عام 2011"، مشيرًا إلى أن إبراهيم استخدم "شبكاته في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه لإبرام صفقات فاسدة تثري الأسد، بينما يموت السوريون من نقص الغذاء والدواء".
وفي عام 2021، فرضت بريطانيا أيضًا عقوبات على يسار إبراهيم للأسباب ذاتها. وفي عام 2022، نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية تحقيقًا استقصائيًا أعده الباحث كرم شعار والصحافية تيسا فوكس، وفيه كشفت عن شبكة الشركات الصورية التي أسسها النظام السوري لإدارة أموال بشار الأسد وزوجته أسماء الأسد بعيدًا عن العقوبات الاقتصادية التي يخضعان لها، وفي معظم تلك الشركات، برز اسم يسار إبراهيم وشريكه علي نجيب إبراهيم.
وبالعودة إلى 2020، عندما بدأ النزاع بين سلطات النظام السوري ورجل الأعمال الشهير رامي مخلوف على شركة "سيريتل"، أكبر شركة للاتصالات الخليوية في البلاد، تم تعيين يسار إبراهيم مديرًا للمكتب المالي والاقتصادي في القصر الجمهوري.
وبحسب موقع الجمهورية.نت، يعاون يسار عدد قليل من الموظفين، الذين يتخّذون من فندق الفورسيزنس في دمشق أو فندق الميريديان في اللاذقية مقرًا لأعمالهم ولقاءاتهم مع التجّار والصناعيين خارج جدران القصر الجمهوري. ويلعب فرع الخطيب المذكور أعلاه دور القوة التنفيذية للمكتب، فيما يحصل المكتب على معلوماته من مكتب آخر في القصر الجمهوري، هو مكتب المعلومات.
وعليه، تشير المعلومات المتاحة في المصادر المفتوحة إلى أن الشركة التي تأسست مؤخرًا، والتي من المقرر أن تدخل في شراكة مع الشركة السورية للطيران لـ "ضرورات حيوية"، من أجل الحصول على امتيازات تشغيل مطار دمشق الدولي، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بيسار إبراهيم، مدير المكتب المالي والاقتصادي في القصر الجمهوري.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا:
تقرير يكشف كيف بنى إعلام النظام السوري روايته الخاصة حول مكافحة المخدرات
الفيديو قديم وليس لاشتباكات بين أفراد من عائلة الأسد بسبب شحنة مخدرات