مرّر مجلس النواب الأميركي يوم الثلاثاء 18يوليو/تموز، قرارًا يعلن أن إسرائيل "ليست دولة عنصرية أو فصل عنصري".
وتم تمرير الإعلان بأغلبية ساحقة بـ 412 صوت مقابل تسعة أصوات، وجاء التشريع ردًا على تعليقات سابقة أدلت بها عضوة الكونغرس براميلا جايابال، رئيسة التكتل التقدمي في الكونغرس، التي وصفت إسرائيل فيها بأنها "دولة عنصرية"، وأن الشعب الفلسطيني يستحق تقرير المصير والحكم الذاتي.
وينص مشروع القانون، الذي قدمه النائب الجمهوري أوغست بفلوجر، على أنّ "إسرائيل ليست دولة عنصرية أو فصل عنصري، ويرفض الكونغرس جميع أشكال معاداة السامية وكراهية الأجانب، وستظل الولايات المتحدة دائمًا شريكًا قويًا وداعمًا لـ إسرائيل".
وجاء اعتماد القرار قبل الجلسة المشتركة لمجلسي النواب والشيوخ التي انعقدت، أمس الأربعاء، للاستماع لخطاب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، خلال زيارته الرسمية للولايات المتحدة، وهي ثاني زيارة له منذ توليه منصبه عام 2021.
جدل بعد وصف جايابال إسرائيل بالدولة العنصرية
وكانت النائبة براميلا جايابال، وجهت انتقادات لسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال حديثها أمام متظاهرين مؤيدين لفلسطين في مكان انعقاد مؤتمر "نيت روتس نيشن" في شيكاغو، يوم السبت الفائت.
وقالت جايابال في كلمتها أمام المتظاهرين "أريدكم أن تعلموا أننا نكافح من أجل توضيح أن إسرائيل دولة عنصرية، وأن الشعب الفلسطيني يستحق تقرير المصير والحكم الذاتي، وأن حلم حل الدولتين يبتعد عنا، وأنه حتى لا يشعر بأنه ممكن".
وسرعان ما قوبلت تعليقات جايابال بردود فعل وانتقادات واسعة وأثارت غضب الديمقراطيين والجمهوريين، بعد انتشار مقطع فيديو لها على مواقع التواصل الاجتماعي لكلمتها.
وتراجعت جايابال بعد ذلك عن ملاحظاتها، وأصدرت بيانًا الأحد الفائت، لتوضيح كلامها، قائلة إنها كانت تحاول "نزع فتيل الموقف المتوتر في المؤتمر وأقدّم اعتذاري لمن تأذى بكلماتي".
وأضافت جايابال "الكلمات مهمة ولذا فمن المهم أن أوضح بياني. لا أعتقد أن فكرة إسرائيل كدولة هي فكرة عنصرية". موضحة"مع ذلك، أعتقد أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة قد انخرطت في سياسات تمييزية وعنصرية صريحة، وأن هناك عنصريين متطرفين يقودون هذه السياسة داخل قيادة الحكومة الحالية".
وعلى الرغم من تصريحاتها عن عنصرية إسرائيل، صوتت جايابال لصالح قرار مجلس النواب، وقالت في تغريدة إن قرارها هذا "له دوافع سياسية واضحة".
هل إسرائيل ليست دولة عنصرية كما قرر مجلس النواب الأميركي؟
يتنافى قرار مجلس النواب الأميركي مع التقارير الحقوقية التي وثقت الانتهاكات الإسرائيلية الواضحة، التي تأتي في إطار ترسيخ نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
وفي فبراير/شباط عام 2022، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا تحت عنوان "نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام هيمنة وحشي وجريمة ضد الإنسانية".
وأدانت المنظمة في تقريرها السلطات الإسرائيلية، وقالت إنه يجب محاسبتها على ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين. ويفصّل التحقيق كيف تفرض إسرائيل نظام القهر والهيمنة على الشعب الفلسطيني أينما سيطرت على حقوقه. ويشمل ذلك الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك اللاجئين النازحين في بلدان أخرى.
إسرائيل ونظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين
وأوضح التقرير الشامل آليات الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، من خلال فرض النظام القاسي للهيمنة وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وكيف أن عمليات الاستيلاء على الأراضي والممتلكات الفلسطينية، وجرائم القتل غير القانوني والنقل القسري، والقيود الصارمة على الحركة، كلها مكونات لنظام يرقى إلى مستوى الفصل العنصري بموجب القانون الدولي.
وأشارت المنظمة إلى أنه يتم الحفاظ على هذا النظام من خلال الانتهاكات التي وجدت أنها تشكل فصلًا عنصريًا وترقى لتكون جريمة ضد الإنسانية، على النحو المحدد في نظام روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري.
كما دعت المنظمة المحكمة الجنائية الدولية إلى النظر في جريمة الفصل العنصري التي تُرتكب على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
العفو الدولية تطالب بتفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي
وفي تقرير آخر نشرته منظمة العفو الدولية في فبراير 2023، تحت عنوان "إسرائيل/الأراضي الفلسطينية المحتلة: يعيش الفلسطينيون في خطر بينما تعزز إسرائيل الفصل العنصري".
وقالت فيه إنه يتعين على السلطات الإسرائيلية تفكيك نظام الفصل العنصري الذي يسبب المعاناة وإراقة الدماء كثيرًا، موضحة أنه منذ شنت المنظمة حملة كبرى ضد الفصل العنصري قبل نحو عام، قتلت إسرائيل ما يقرب من 220 فلسطينيًا، منهم 35 في يناير/كانون الثاني 2023.
وأكدت أن عمليات القتل غير المشروع تساعد في الحفاظ على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي وتشكل جرائم ضد الإنسانية، كما الحال في الانتهاكات الجسيمة المستمرة التي ترتكبها إسرائيل.
الاضطهاد الإسرائيلي وجرائم الفصل العنصري
وفي إبريل/نيسان عام 2021، نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا مطولًا من 213 صفحة، يشرح نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، أوضحت فيه أن إسرائيل هي القوة الحاكمة الوحيدة وتتحكم في معظم أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة، بجانب حكم ذاتي فلسطيني محدود.
وأكدت أن السلطات الإسرائيلية تمنح امتيازًا منهجيًا لليهود الإسرائيليين وتميز ضد الفلسطينيين، وذلك لأن القوانين والسياسات والتصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين، تكشف أن هدف الحفاظ على سيطرة إسرائيل اليهودية على التركيبة السكانية والسلطة السياسية والأرض قد وجه سياسة الحكومة منذ فترة طويلة.
وسعيًا لتحقيق هذا الهدف، تقول المنظمة إن السلطات بسلب ممتلكات الفلسطينيين وحبسهم وفصلهم قسرًا وإخضاعهم بحكم هويتهم بدرجات متفاوتة من الشدة. وفي بعض المناطق يكون هذا الحرمان شديدًا لدرجة أنه يرقى إلى الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد.
وفي سبتمبر/أيلول 2022، دعت هيومن رايتس ووتش الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى إدانة جرائم السلطات الإسرائيلية ضد الإنسانية، المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد، خلال اجتماع مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في الثالث من أكتوبر 2022. مؤكدة أنه يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه الضغط على السلطات الإسرائيلية لإنهاء قمع المجتمع المدني الفلسطيني.
استمرار توسيع المستوطنات الإسرائيلية
وفي فبراير الفائت، أعرب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن قلقه وانزعاجه من إعلان إسرائيل عن المزيد من البناء والتوسع في المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة، فضلًا عن إضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية، بعدما أطلع كبار مسؤولي الأمم المتحدة الأعضاء على آخر التطورات على أرض الواقع.
وفي يونيو/حزيران 2023، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون لوكالة أسوشييتيد برس، إن إسرائيل تتجه نحو الفصل العنصري وتبتعد أكثر عن آمال إقامة دولة فلسطينية إلى جانبها.
وقال إنّ خلال زيارته التي استغرقت ثلاثة أيام، واجه واقعًا أكثر كآبة من ذلك التي واجهه عندما كان رئيسًا للهيئة الدولية من عام 2007 إلى 2016. وأوضح أنه لاحظ مؤشرات، من خلال توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية والقيود المشددة على الفلسطينيين، على أن نظام الفصل العنصري آخذ في التجذر.
بالإضافة إلى هذه التقارير وغيرها من التحقيقات ومقاطع الفيديو الأخرى التي تنتشر باستمرار منذ سنوات، وتوثق اقتحام واعتداء قوات الاحتلال على بيوت الفلسطينيين وطردهم منها واستيلاء المستوطنين عليها.
استمرار إسكات منتقدي إسرائيل في أميركا
يأتي هذا الموقف ضمن سلسلة من القرارات التي اتخذها الإدارة الأميركية ضد الأشخاص الذين يعارضون إسرائيل، والمنحازة لقوات الاحتلال ونظام فصلها العنصري. إذ في أوائل العام الجاري، جردت الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب عضوة الكونغرس إلهان عمر من مقعدها في لجنة الشؤون الخارجية بسبب اتهامات بمعاداة السامية مرتبطة بانتقادها السابق لإسرائيل.
وفي مايو/أيار الفائت، واجهت عضوة الكونغرس الأميركية الفلسطينية رشيدة طليب، ردود فعل عنيفة على نحو مماثل لاستضافتها حدثًا في مبنى الكابيتول الأميركي لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية، وهو التهجير الجماعي للفلسطينيين من وطنهم أثناء قيام دولة إسرائيل.
وفي فبراير الفائت، سحبت إدارة بايدن ترشيح أستاذ قانون بارز جيمس كافالارو لمنصب دولي في مجال حقوق الإنسان، بسبب تصريحات له سبق ووصف إسرائيل فيها بأنها "دولة فصل عنصري".
وخلال هذا الشهر، قام السياسيون من كلا الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والجمهوري بتجميع الإدانات على خريجة يمنية أميركية شابة انتقدت إسرائيل خلال خطاب التخرج في كلية الحقوق بجامعة مدينة نيويورك (CUNY).
رشيدة طليب تقاطع خطاب هرتسوغ
وكانت العضوة الديمقراطية في الكونغرس الأميركي رشيدة طليب، الوحيدة التي تحدثت ضد القرار في قاعة مجلس النواب يوم الثلاثاء. وقالت "أنا الأميركية الفلسطينية الوحيد في الكونغرس ولدي أفراد من العائلة في جميع أنحاء الضفة الغربية".
وأضافت "لكننا هنا مرة أخرى نعيد تأكيد دعم الكونغرس للفصل العنصري، ومراقبة كلمات النساء ذوات البشرة الملونة اللواتي يجرؤن على التحدث عن الحقائق والقمع. هذا ليس فقط ما يجب أن نفعله هنا في الكونغرس".
وأعلنت مقاطعتها خطاب الرئيس الإسرائيلي، قائلة في تغريدة "تضامنًا مع الشعب الفلسطيني وجميع الذين تضرروا من حكومة الفصل العنصري الإسرائيلية، سأقاطع الخطاب المشترك للرئيس هرتسوغ أمام الكونغرس".
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا
مجموعة إم بي سي وإسرائيل: تطبيع ثقافي وترويج لرواية الاحتلال