في خضم الانهيار الاقتصادي التي تشهده سوريا جراء الأزمة المستمرة منذ أكثر من 12 عامًا، وهبوط سعر الليرة السورية أمام الدولار إلى مستوياتٍ قياسية، أثار الحديث بأن سجل سوريا المالي خالٍ من الديون بعد شطب روسيا لديونها، الجدل بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك تزامنًا مع ارتفاع الأسعار، في وقت يصل فيه متوسط معدل الرواتب والأجور للعاملين في الجهات العامة إلى 10 دولارات شهريًا.
بحث ”مسبار“ عن آخر الأخبار والبيانات الرسمية المتعلقة بمديونية سوريا، لكن لم يعثر على أي بيانات صادرة عن مصرف سوريا المركزي أو مصرف روسيا المركزي أو وسائل إعلام ذات صدقية من كلا البلدين، أو أي خبر حديث يفيد بأن روسيا شطبت ديونها على سوريا، وأنّ سجل سورية خالٍ من المديونية.
صحيفة حكومية مصدر الادعاء
وبالتحقق تبين أن نص الادعاء تم أخذه من مادة صحفية منشورة في صحيفة الثورة الرسمية يوم 31 يوليو الفائت، بعنوان "رغم انخفاض وارداتها المالية المركزي: سجل سورية المالي خالٍ تقريبًا من الديون"، إذ تبين أن العنوان مضلل، فهو مجتزأ من فقرة وردت في تلك المادة ضمن سياقٍ محدد لا يمكن فصلها عنه.
ونصّت تلك المادة الصحفية المُشار إليها، والتي اعتمدت على ما اسمته ورقة بحثية لمصرف سوريا المركزي، على أن ”سوريا تعد من الدول التي يخلو سجلها المالي بصورة شبه كاملة من الديون الخارجية أو الداخلية بعد أن شطبت روسيا ما تبقى لها من ديون متبقية من عهد الاتحاد السوفييتي ولا تزال تحافظ على دين خارجي يعتبر مضبوطًا ومحدودًا رغم ما تعرضت له من تخريب وتدمير كبيرين خلال فترة الحرب“، لافتة إلى أن التحدث القادم للحكومة يكمن في القدرة على ”الاستمرار في ضبط هذا الدين"، دون أن تتحدث عن خلو سجل البلاد من المديونية.
روسيا تشطب ديون سوريا في الحقبة السوفياتية
وبالتحقق تبيّن أن روسيا شطبت بالفعل جزءًا من الديون التي استلفتها سوريا أثناء الحقبة السوفياتية في سبعينيات القرن الفائت عام 2005، حيث أعلن وزير المالية الروسي حينها أليكسي كودرين، أن روسيا وافقت على شطب 73 في المئة، أي 9.8 مليارات دولار، من صافي ديون سورية لموسكو البالغة 13.4 مليار دولار، لافتًا إلى أنها ستُعيد جدولة 1.5 مليار دولار إلى قروض تُرد على عشر سنوات، من المبلغ الباقي الذي يبلغ 3.6 مليارات دولار.
وتابع كوردين أن دمشق ستسدد المبلغ المتبقي وهو 2.1 مليار دولار لموسكو على الفور حينها. وكان مجلس النواب الروسي (الدوما) صادق في أغسطس/آب عام 2008 على اتفاقية تسوية الديون مع سورية.
الدين العام الخارجي لسورية يتجاوز 5 مليار دولار
مع غياب المعلومات الرسمية من المكتب المركزي للإحصاء في سوريا وعدم وجود بيانات حديثة صادرة عن وزارة المالية والمصرف المركزي، نشر البنك الدولي العام الفائت بيانات عن إجمالي رصيد الدين الخارجي (الدين المستحق والمنصرف، بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي) لسوريا، إذ تبيّن أن قيمته بلغت 5.028.60 مليار دولار، مشيرًا إلى الدين قصير الأجل بلغ 12.2 في المئة، فيما بلغت أرصدة الدين الخارجي، طويل الأجل الـ 3,632.21 مليار دولار المتبقية.
الدول الدائنة لسوريا
تبيّن أن روسيا لم تكن الدولة الوحيدة الدائنة لسوريا، إذ أوضحت إحدى الدراسات الاقتصادية الصادرة عن جامعة حماة الحكومية السورية بعنوان "العبء الاقتصادي للديون الخارجية في سورية بين عامي 2011- 2020” أن اليابان، بالإضافة إلى روسيا، من الدول الأساسية الدائنة لسوريا، إذ تتجاوز نسبة الديون التي تعود لكلا الدولتين من إجمالي الدين الخارجي السوري خلال فترة الدراسة 11.32 في المئة و10.59 في المئة على التوالي خلال فترة الدراسة، تليهما ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية وبدرجة أقل الكويت والإمارات والصين بالإضافة إلى دول أخرى.
الدين العام الداخلي لسوريا
ولا يعتبر الدين الخارجي هو العنصر الأساسي في الدين العام، إذ تشكّل الديون الداخلية أيضا جزءًا منه.
ومع نقص السيولة، أعلنت وزارة المالية السورية في عام 2020 عن عزمها طرح أذونات وسندات خزينة للمرة الأولى في تاريخها، ذلك بالتزامن مع بدء الانهيار الاقتصادي الذي شهدته البلاد في ذلك الحين.
كما أصدرت المالية في عام 2022 ثلاثة سندات خزينة بقيمة 448.600 مليار ليرة (177.6 مليون دولار) تستحق الدفع في فبراير/شباط 2027، وأغسطس/آب 2024 وتشرين الأول 2024.
وأعلنت وزارة المالية عن روزنامة لتنفيذ أربعة سندات خزينة خلال العام الجاري، بقيمة 800 مليار ليرة، تم من خلالها تنفيذ سندين الأول في مارس/آذار الفائت بقيمة 65 مليار ليرة سورية بأجل لمدة خمس سنوات، والثاني في مايو/أيار بقيمة 124 مليار ليرة سورية لأجل أربع سنوات.
التمويل بالعجز.. ارتفاع نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي
العديد من مراكز الدراسات الاقتصادية تحدثت عن ارتفاع مستويات الدين العام السوري وزيادة حصته بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، إذ يقول المركز السوري لبحوث السياسات في تقرير له بعنوان "آثار النزاع السوري 2016- 2019" إن مصادر إيرادات الحكومة السورية انخفضت نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي بشكلٍ كبير من 25.4 في المئة في عام 2011 إلى 10.3 في المئة في عام 2015، وإلى 7.4 في المئة في عام 2019.
موّلت السياسة المالية العجز الهائل من خلال الدين العام الخارجي والدين العام المحلي، وهو أمر يخلق عبئًا كبيرًا على كاهل الأجيال القادمة، إذ ارتفع إجمالي الدين العام من 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010، إلى 208 في المئة عام 2019.
محللون: ديون سوريا الأخيرة غير مصرح بها
الاتفاقيات التي تُبرم بين الحكومة السورية وكل من إيران وروسيا، اللتان تعتبران الدولتان الأكثر دعمًا للنظام السوري، في عدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية تُظهر وجود ديون غير مصرح بها رسميًا.
وكان عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني السابق، حشمت الله فلاحت بيشه، قدّر في مايو/أيار عام 2020 حجم الدعم الإيراني لسورية بما يتراوح بين "20 إلى 30 مليار دولار"، داعيًا إلى "استرجاع هذه الأموال".
كما أشارت جيسي شاهين، المتحدثة باسم المبعوث الدولي السابق لسوريا ستيفان دي ميستورا، في عام 2018 إلى أن تقديرات من الأمم المتحدة، أظهرت أن متوسط إنفاق إيران في سوريا يعادل 6 مليارات دولار سنويًا.
ووقع رئيس النظام السوري بشار الأسد مع نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في دمشق في مايو/أيار الفائت، على مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي الشامل طويل الأمد، تشمل النفط والسكك الحديدية والزراعة، ومجالات أخرى، فيما اعتبر محللون أن توقيع الاتفاقات الاقتصادية طويلة الأجل، ستُدرَج ضمن الديون المدرجة على سورية باسم خطوط الائتمان.
وكانت الحكومة الإيرانية قامت بدءًا من عام 2013، بتزويد سوريا بالسلع والمحروقات وفق ما يعرف باسم خط ائتماني وتكرر هذا الأمر في 2014 و2015 وبقيمة خمس مليارات دولار للخطوط الثلاث مجتمعة.
استثمارات روسية طويلة الأجل
تشير تقارير إلى أن فاتورة تدخل روسيا في الحرب السورية تقدر بمليارات الدولارات حيث يتراوح الإنفاق العسكري في خضم العمليات الحربية بين 2 إلى 4 مليون دولار يوميًا.
وفي المقابل حصلت روسيا على استثمارات طويلة الأجل في البلاد شملت قطاعات التنقيب عن النفط والغاز والسياحة وغيرها.
وشملت الاستثمارات التنقيب واستخراج الفوسفات من المنطقة الشرقية الواقعة جنوب مدينة تدمر السورية، وعقد تأجير مرفأ طرطوس لمدة 49 عامًا، بالإضافة إلى مشروع لتصفية مياه بحيرة 16 تشرين، عقد استثمار وإدارة الشركة العامة للأسمدة بحمص، فضلًا عن حصولها على قاعدتين عسكريتين في ميناء طرطوس ومطار حميميم.
خسائر الاقتصاد السوري
يشار إلى أن الاقتصاد السوري تعرض خلال الحرب التي بدأت في 15 مارس عام 2011 إلى خسائر كبيرة، تجاوزت 700 مليار دولار، وتراجع الناتج الإجمالي المحلي إلى نحو ثلث قيمته في عام 2010، فضلًا عن انهيار تاريخي الليرة السورية، حيث تجاوز سعر صرف الدولار 13 ألف ليرة مقارنةً بـ 45 ليرة عام 2010، فيما تخطت نسبة من تجاوزوا خط الفقر الـ 90 في المئة من المقيمين في البلاد.
المصادر:
اقرأ/ي أيضًا:
ما هي الشركة التي مُنحت عقد استثمار مطار دمشق الدولي؟ ومن يملكها؟
ماذا عن الأنباء حول تمويل الإمارات للتدخل الروسي في سوريا وتصريح السفير الروسي بذلك؟